تونس – “القدس العربي”: تمكنت الرياضات الفردية في تونس في السنوات القليلة الماضية من صنع العديد من الأبطال العالميين في رياضات ليس للعرب والأفارقة فيها تقاليد، وفي رياضات أخرى لم يكن التألق فيها عزيزا على التونسيين وأشقائهم العرب والأفارقة.
ويرى البعض أن ذلك كان نتيجة لسياسات تم إقرارها سابقا، كان الهدف منها إعلاء راية تونس عاليا في المحافل الدولية وتلميع صورتها في عيون الآخرين. ومن بين الأبطال الأولمبيين والعالميين الذين أنجبتهم الخضراء في السنوات الأخيرة، قرش المتوسط أسامة الملولي في رياضة السباحة، وسارة بسباس في المبارزة بالسيف، وأنس جابر ومالك الجزيري في رياضة التنس، وحبيبة الغريبي في ألعاب القوى، وغيرهم في رياضات أخرى متعددة على غرار الملاكمة والجودو والمصارعة ورفع الأثقال والكاراتيه والتايكواندو. وقام هؤلاء بدورهم على الوجه الأكمل طيلة السنوات الماضية ورفعوا راية تونس عاليا أمام أمم كبرى لها باع في الإختصاصات التي ينتمون إليها، وكثير من هؤلاء الأبطال ما زال يتألق إلى هذا اليوم.
فكم من مرة، ارتفع العلم التونسي عاليا في بطولة العالم وفي الأولمبياد مع أسامة الملولي متقدما على رايات الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا والصين وغيرها من الأمم التي لها باع في رياضة السباحة والتي آلت إليها البرونزيات والفضيات، فيما كان الذهب من نصيب الفتى التونسي. وكم من مرة أمتعت أنس جابر أحفاد شعب قرطاج العريقة التي اعتاد رياضيوها على التألق في الألعاب الأولمبية القديمة في أثينا في حقبة ما قبل ميلاد المسيح، بعروض استثنائية ضد مصنفات في المراتب الأولى عالميا في رياضة التنس للمحترفات وتفوقت عليهن وفازت بدورات مهمة شأنها شأن مواطنها مالك الجزيري.
إلا أن السؤال الذي يطرح اليوم ماذا بعد هذا الجيل من الأبطال الكبار؟ خاصة وأن المستقبل لا يبشر بخير في ظل التخبط الذي ميز عمل الحكومات التونسية في السنوات الأخيرة والتي قامت جميعها بتصريف الأعمال لا غير، من دون تخطيط أو برمجة للمستقبل. هل سيأفل نجم الخضراء في الرياضات الفردية وتختفي رايتها عن المحافل الدولية ويصبح الصعود على منصات التتويج عصيا على أبنائها في ظل هذا الواقع الجديد الذي تعيشه الرياضة التونسية؟ أم أن البنى التحتية التي أنشئت، من ملاعب وقاعات وميادين وغيرها، إضافة الى عراقة الأندية الرياضية وتمرسها على التكوين الجيد للناشئين، كافيان لإنتاج المزيد من الأبطال رغم العشوائية في التسيير والتخبط الذي عاشته سلطة الإشراف في مجال الشباب والرياضة في السنوات الأخيرة؟
إن ما يبعث على التساؤل هو النتائج التي تتحقق من قبل الجيل الجديد من الرياضيين، والتي جاءت مخيبة للآمال في كثير من الرياضات الفردية و جعلت البعض يتندر ويسخر مما تم تحقيقه من نتائج. فمؤخرا شارك سباح تونسي من جيل ما بعد أسامة الملولي في بطولة العالم وحل في المرتبة الأخيرة، وهو ما جعل البعض يحمد الله من باب السخرية على أن السباح لم يغرق وعاد سالما إلى الديار، وهذا في حد ذاته إنجاز في ظل الإهمال الذي يتعرض له المنتمون إلى الرياضات الفردية.
في المقابل، يرى البعض أن الرياضة التونسية عموما ستبقى على الدوام منجما للأبطال في مختلف الإختصاصات بقطع النظر عن السلطة السياسية والحكومات وسلطة الإشراف ممثلة بوزارة الشباب والرياضة، لأن هناك تقاليد وعراقة وأندية مختصة ومدربين أكفاء اعتادوا على العمل في أصعب الظروف. ودليل هؤلاء هو ما تحقق في الرياضات الجماعية في السنوات الأخيرة، حيث حافظت هذه الرياضات على إشعاعها رغم الظروف الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد ويتعلق الأمر أساسا بكرة القدم وكرة اليد والكرة الطائرة وكرة السلة.
لكن ما فات هؤلاء أن بعض الرياضات الفردية تتطلب عناية خاصة ونفقات كثيرة حتى يتجاوز البطل مرحلة الإشعاع العربي والإفريقي والمتوسطي نحو العالمية لمقارعة الكبار والتتويج أمامهم. فأسامة الملولي على سبيل المثال صرفت من أجله أموال طائلة، ورصدت له ميزانية استثنائية حتى تمكن من جعل الراية التونسية ترتفع فوق رايات أمم كبرى في كل مرة يفوز فيها قرش المتوسط بميدالية ذهبية في بطولة العالم أو في الأولمبياد.
وبالتالي لا يبدو أن الدولة التونسية على استعداد لإنفاق تلك المبالغ الطائلة مجددا في ظل الأزمة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، وفي ظل غياب الإرادة أيضا للعناية بميادين الشباب والرياضة والذي تم التماسه في السنوات الأخيرة. وستبقى الصدفة والموهبة الإستثنائية وحدهما القادرين على ولادة بطل تونسي جديد على غرار العداء محمد القمودي الذي سطع نجمه في الستينات رغم ان العدو يختلف في كل الحالات عن السباحة والتنس والمبارزة بالسيف وغيرها من الرياضات التي ليس للعرب والأفارقة فيها تقاليد تذكر والتي تتطلب التخطيط والإنفاق بسخاء.