جاء القصف بقذائف الهاون مجهول الهوية الذي انطلق من الأراضي السورية يوم الثلاثاء، نحو مرتفعات الجولان ليطرح السؤال حول إمكانية توسع أعداد المشاركين في تلك الحرب ضد إسرائيل، وهو ما استدعى ردعا فوريا من الجانب الإسرائيلي على موقع إطلاق النار.
وفي تحليل موجز للوضع السوري بعد عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وما ترافق من تصعيد في جنوب لبنان والقصف السوري، توقع أندرو جيه تابلر الزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمدير السابق لشؤون سوريا في «مجلس الأمن القومي» الأمريكي أن يؤدي انتشار الميليشيات التي ترعاها إيران والنظام السوري إلى شن هجمات جديدة في الجولان تحدث إرباكا أمنيا مقلقا في الوقت الذي تتعامل فيه إسرائيل مع الأزمة على جبهتها الجنوبية.
ومع استعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي للدخول إلى غزة، يرجح أن تشارك قوى حرب الساحات المفتوحة المدعومة من إيران بشن عمليات في عدة مناطق أخرى.
ويدعم وجهة النظر تلك، تصعيد «حزب الله» اللبناني ضد إسرائيل، ولو كان خجولاً، ويضاف إلى ذلك دفع إيران لعشرات المقاتلين الذي يعملون تحت إشراف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني إلى منطقة القنيطرة المواجهة للجولان السوري المحتل.
ورغم محاولة إعلام النظام السوري وإيران الإشارة الي دور الجبهة الشعبية-القيادة العامة التي يقودها أحمد جبريل بتنفيذ الهجوم الصاروخي، إلا أن الفصيل المذكور وهو أشد الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام السوري لا يمتلك مقرات عسكرية هناك. وقد سقطت القذائف في منطقة مكشوفة ولم تصب أحدا بجروح.
وعلمت «القدس العربي» من مصادر محلية مطلعة في محافظة درعا، أن القادة الميدانيين في «حزب الله» أشرفوا على نشر مقاتلي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران قرب الحدود السورية القريبة من مرتفعات الجولان السوري. ومن جهته، أكد معهد واشنطن وصول قادة وأعضاء من «حزب الله» اللبناني، الأحد الماضي، إلى مواقع عسكرية في درعا والقنيطرة «مزوّدين بطائرات بدون طيار وبصواريخ فجر الإيرانية وبأسلحة متطورة أخرى». في حين تناقلت أخبار انتشار قوة النخبة في الحزب (قوة الرضوان) بالقرب من الحدود، ويشرف عمليا حزب الله على كامل الميليشيات الشيعية السورية والعراقية والأفغانية ويدير عملياتها.
ومع استمرار عملية «طوفان الأقصى» والرد الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، يلح سؤال إمكانية تمدد الحرب لتشمل «حزب الله» والميليشيات الإيرانية في سوريا والنظام السوري نفسه، وفي سيناريوهات تطور الأوضاع يجمع عدد كبير من الخبراء والمختصين السوريين على أن توسع نطاق الحرب ليشمل سوريا مرهون بقرار طهران أساسا. ويرى المحامي أيمن أبو هاشم منسق تجمع مصير الفلسطيني السوري، أن عدم تدخل إيران وأدواتها سيكون مقابل ثمن بالساحة السورية، هو تفاهم مع واشنطن على عدم التصعيد الإسرائيلي والأمريكي ضد الوجود الإيراني في سوريا وإظفاء شرعية على ذلك الوجود، واقتصار الطلب من طهران إعادة التموضع مراعاة للمخاوف الإسرائيلية وهذا سيكون له أضرار على القضية السورية بهذا المعنى وهذا السيناريو الأكثر ترجيحا حسب المؤشرات الحالية.
في سياق منفصل، عزا كبير المفاوضين السابق في وفد المعارضة السورية لمباحثات جنيف، المحامي محمد صبرة، عملية طوفان الأقصى إلى قرار إيراني بإعاقة تشكيل «جيو سياسي» للمنطقة التي عملت عليها الإدارة الأمريكية منذ تموز 2022 تكون أركانه إسرائيل والسعودية، والذي توضح بعد اجتماع قمة العشرين الأخيرة والتي أعلنت عزمها إنشاء طريق جديد لسلاسل التوريد يربط الهند بأوروبا مرورا بدول الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وصولا إلى المتوسط ومنه إلى أوروبا.
بعد حرب غزة، يمكن القول إنه تمت إعاقة هذا المشروع لوقت طويل، خصوصا مع احتمال التغيير السياسي الكبير المتوقع في إسرائيل بعد نهاية الحرب.
وزاد، سيعيد بشار الأسد تموضعه باعتباره جزءا من محور الهلال الشيعي المنتصر، والممتد من طهران إلى بيروت، وسيكون له حصة من إعادة التشكيل «الجيوسياسي» والطريق الجديد الذي ستطرحه إيران لسلاسل التوريد وخطوط الطاقة.
وفي احتمالية توسع أطراف المحاربين في المعركة ضد إسرائيل، رجح العقيد عبد الجبار العكيدي رئيس المجلس العسكري السابق في حلب أن إيران وأذرعها لن ينخرطوا في المعركة باستثناء ما يحصل من تصعيد مدروس من قبل «حزب الله» والميليشيات الإيرانية في سوريا، ولفت إلى أن حرب الصواريخ أساسية ضد إسرائيل إذ يمتلك حزب الله قرابة 150 ألف صاروخ، كما يمتلك النظام السوري ثلاثة إلوية صواريخ هي: اللواء 155 في القطيفة، اللواء 157 في خربة الشياب على طريق السويداء واللواء 156 في حفير التحتا بريف دمشق، وكل تلك الألوية تضم صواريخ سكود قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي.
واعتبر أن دخول الحزب في مواجهة مع إسرائيل غير متوقع لأنه سيودي إلى انهيار الدولة اللبنانية، ووصف وصول حاملة الطائرات الأمريكية إلى شرق المتوسط بانه «تهديد جدي لإيران وحلفائها» كما ان قصف إسرائيل مطاري دمشق وحلب بالتزامن يأتي في سياق تحذير النظام من التورط في تلك الحرب. وحول انعكاس الحرب على المعارضة السورية، أشار إلى أن دخول إيران وحزب الله في تلك الحرب سيقوض من نفوذهما في سوريا.
وشدد العكيدي على أن مشروع إيران هو السيطرة على بلدان عربية بواسطة أذرعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ودول أخرى وليس ضرب إسرائيل.
وعن سيناريو دخول إيران الحرب واتخاذ قرار توسيعها ضمن ما يسمى «وحدة الساحات» المفتوحة، سنجد تطورات كبيرة على الساحة السورية، ستكون سوريا مسرحا للعمليات العسكرية وسيتعرض الوجود الإيراني ومصالح إيران للاستهداف المباشر، وهذا يعود بالفائدة على القضية السورية لجهة إضعاف إيران وإجبارها على الانسحاب لاحقا لان موازين القوة لن تكون لصالح إيران في هذا المعركة.
الانشغال الدولي بالحرب على غزة
تأتي التطورات في غزة اليوم، لتزيد من خوف المهجرين والنازحين السوريين في شمال سوريا، من رغبة النظام وروسيا في استغلال الانشغال الدولي بالحرب على غزة وتركيز الغرب على إدانة حركة «حماس» والقيام بهجوم على منطقة «خفض التصعيد الرابعة» في إدلب وجوارها يؤدي إلى سيطرة النظام على منطقة جبل الزاوية وسهل الغاب وريف إدلب الغربي وبينهما مدينتي أريحا وجسر الشغور، وهو التصور الذي عارضه العقيد يوسف حمود، الناطق السابق باسم الجيش الوطني، معتبرا أن وضع شمال وغرب سوريا «مرتبط بالتفاهم بين تركيا وروسيا» في إطار أستانة وتأثير القصف الإسرائيلي ضد غزة ضعيف للغاية على مجريات الأمور في سوريا. ويشاطر العكيدي الرأي بعدم الربط بين الحرب في غزة والتصعيد في إدلب فكل الأطراف ملتزمة باتفاقية أستانة وعلى رأسها هيئة «تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) وتركيا أيضا ملتزمة بينما يصعد النظام ويقصف المدنيين بعد الهجوم الذي طال الكلية الحربية في حمص.
حيث هاجمت طائرة بدون طيار (ثابتة الجناح) متفجرة حفل تخرج الطلاب الضباط في «الكلية الحربية» في حمص وخلف الهجوم مقتل 89 عسكريا ومدنيا من أهالي الطلاب، وإصابة أكثر من 250 آخرين بجروح. وأدى قصف جيش النظام السوري على محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، إلى مقتل 49 شخصاً وإصابة قرابة 300 حتى يوم الجمعة.
بعد مرور أسبوع على عملية «طوفان الأقصى» والرد العنيف على كامل قطاع غزة وسعي إسرائيل إلى القضاء على «حماس» وتهجير أهالي القطاع باتجاه سيناء المصرية، واقتصار مشاركة «حزب الله» على بعض الشغب الذي يحفظ ماء الوجه أمام جمهوره، بل إن تحريكه لمظاهرات المدنيين الغاضبين في الشوارع وقرب الحدود مع إسرائيل هو أبلغ صورة عن عدم انجراره لمعركة كبرى.
يدير «حزب الله» ومن خلفه الحرس الثوري الصراع بمقدرة ودهاء ويعتمد على نفس طويل، فهو يدرك أن ما فعلته «حماس» سيحفر طويلا على كل المستويات في عقول الإسرائيليين مدنيين وسياسيين وأمنيين. ولعل تهدئة الأجواء قليلا سيساعد على أكبر موجة هجرة عكسية من إسرائيل، وحصول أزمة سياسية كبيرة في النظام السياسي الإسرائيلي. كل ذلك من النتائج التي سيقطفها حلفاء «وحدة الساحة» في الجبهة الشمالية، فيما تبقى غزة تحت القصف الوحشي الإسرائيلي بعد حصولها على ضوء أخضر أمريكي.