بعد «بشار العنيد ـ المغرور»… اردوغان ـ الجولاني في درعا: هل أخفق الرهان مجدداً؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: خلاصة الانشغال الأردني في تطورات «المشهد السوري» الأخيرة والحادة يمكن رصدها فقط عبر تعليقات على منصات التواصل ومقالات لبعض الكتاب تسعى لقراءة تدحرج الأحداث بعيداً عن «أي زاوية أردنية» إضافة إلى تلك التساؤلات التي يطرحها بنشاط عضو البرلمان الأسبق طارق خوري، عن سر ولغز موقف الإخوان المسلمين من «المؤامرة المتجددة» على سوريا.
دون ذلك عملياً، لا رواية رسمية حتى اللحظة ولا موقف علني، ولا بيانات تشرح للمواطنين موقف حكومة بلادهم، الأمر الذي يزيد من رقعة تساؤلات الشارع عما سيجري لاحقاً أكثر مما يجري حالياً، كما يزيد من أهمية الرأي الذي سبق أن طرحه وناقشه عبر «القدس العربي» السياسي طاهر المصري وهو يتحدث عن «الانتباه الضروري وطنياً، لأن الإقليم دخل في حالة سيولة استراتيجية» من الصنف الذي يفيد بأن «كل الاحتمالات واردة».
عاد المصري بعد التطورات الأخيرة لتذكير الجميع بضرورة ترسيم استراتيجيات المواجهة بالمعيار الوطني، لأن المنطقة استراتيجياً دخلت في تعقيدات أكثر.
أردنياً، لا أحد أيضاً في البرلمان ولا في الحركة الإسلامية علق على مجريات الحدث السوري المتفاعل، رغم أن الأزمة السورية تطرق الأبواب عملياً قرب أكتاف الشمال الأردني.
غموض موقف الحركة الإسلامية وقادتها أصبح لغزاً يطارده نشطاء مقربون من النظام السوري ومؤمنون بالمؤامرة المتجددة ضدها مثل خوري وآخرين.
مع ذلك، يقدر المحلل السياسي الإسلامي الدكتور رامي عياصرة، في نقاش مع «القدس العربي» قبل يومين، بأن مجمل الاحتقانات والمواجهات التي تتفاعل في الجوار والمنطقة تثبت أولاً بأن «المعركة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي» وتتوسع.
وثانياً، أن المعادلة «الوطنية» الأردنية الآن تحتاج إلى أقصى طاقات ومساحات الحذر والحيطة مما يتطلب وبأسرع وقت «حوارات جدية استراتيجية وعميقة» تبحث عن توافقات على المصالح وحماية الوطن.
دون الغمز الثقافي والسياسي من «صمت» الإخوان المسلمين ومن جهة «مثقفين يساريين أو قوميين» ليس ثمة «صيغة مشروحة» لموقف الدولة الأردنية من تطورات الأحداث في الشمال السوري والتي طالت ظهر الجمعة أطراف «الوسط» وقد تنتقل بأي وقت لجغرافيا «الجنوب السوري» حيث تستقر وتجلس حزمة لا يستهان بها من «اعتبارات ومصالح» الأمن القومي والوطني والحدودي الأردني.
صمت الحكومة رسمياً هو بخلفية غامضة حتى الآن، فهي لا تقول شيئاً في المسألة السورية النشطة للرأي العام المحلي، حتى إن كلاسيكيات الخطاب الأردني البيروقراطي مثل «وحدة وسلامة الأراضي السورية» وضعت على الرف حكومياً طوال أسبوع، مع أن الخطاب الملكي المباشر أعاد التأكيد عليها في التتابع الإعلامي على هامش الزيارة الاستكشافية المهمة التي يقوم بها الملك عبد الله الثاني حالياً، وفي ظرف إقليمي حساس للولايات المتحدة.

كلاسيكيات الخطاب الأردني

الأردن اعتاد الدعوة عبر المنابر الدولية إلى الحرص على «حل سياسي» للأزمة السورية وإلى الحرص بالتوازي على وحدة الأرض والإنسان في الجغرافيا السورية، خلافاً لبرمجة سياسات تدعم «عودة اللاجئين السوريين» إلى وطنهم. الخطاب الأول كرره وزير الخارجية أيمن الصفدي عشرات المرات، لكن مؤسسات النظام السوري لم توفر أي استجابة طوال السنوات الماضية لها علاقة بـ «أي صيغة حل سياسي». وسياسات السفارة السورية في عمان لم توفر المساندة الخاصة بإعادة اللاجئين السوريين في العاصمة الأردنية.

الأردن و«فانتازيا» المشهد السوري

والمعنى هنا أن النظام السوري بالقراءة الأردنية المغلقة ورغم كل الرسائل الذي وصلته والتقارب منه، لم يقدم أي قرينة على سعية لمعالجات في ثنائية «الحل السياسي وعودة اللاجئين» فيما لم يقدم دعاة «تغيير النظام» السوري الغربيون والأمريكيون بالمقابل أي خطوة حاسمة.
سمعت «القدس العربي» الوزير الصفدي مرتين على الأقل بعيداً عن الكاميرات، يعرض الفهم الأردني لإشكالات الأزمة السورية.
اليوم تتوسع الأزمة وتصبح تهديداً مباشراً حتى للاعتبارات «البراغماتية» الأردنية التي دفعت في اتجاه «مراسلة ثم ملاطفة» النظام السوري عشرات المرات خلال آخر عامين، في الوقت الذي باتت فيه المؤسسات السيادية الأردنية على قناعة تامة بأن نظام دمشق في أزمتها مع «المخدرات ومسلحيها» تحديداً، لم يتقدم بأي خطوة «فنية» على الأرض تثبت رغبته في التصدي مع الأردن لشبكة المخدرات الخطيرة.

«مخدرات من الجنوب»

حتى ثلاثة أيام قبل ما حصل مؤخراً في حلب، كانت القوات الأردنية تتصدى لـ «مخدرات سورية» تحاول العبور قرب مناطق التماس الحدودي، ما يثبت بأن ملف المخدرات السورية بقي عالقاً في الواقع بين «دولتين»؛ الأولى وهي الأردن، تقوم بالواجب وتحمي الحدود من الجانبين، والأخرى «حدودياً، لا تفعل شيئاً».
بالمحصلة، كل الملفات الأردنية «الأساسية» مع سوريا بشار الأسد بقيت واستمرت «عالقة» مع أن الأردن وقف مع الأخير في اختبار «الزلزال ونتائجه». والملك عبد لله الثاني أمر بإرسال إغاثة ومساعدات، وأوفد وزير الخارجية مرتين لدمشق، وأيضاً مع أن الوزير الصفدي كان «الأنشط عربياً» في برنامج «إعادة إدماج سوريا وعودتها لمقعدها بجامعة العرب» واستمر الأنشط مع الغربيين في الدعوة لسيناريو «إغلاق ملف إسقاط النظام».
ذلك لا يعني إلا أن النظام السوري «تعامل بغرور» مع الأردن طوال سنوات، وأجواء الثقة بين البلدين ليست في «أفضل أحوالها».
وعملياً، الوصول إلى أي قناعات في هذا الاتجاه بالأردن، لا يعني أن المملكة «غير متضررة» من تدحرج الأحداث شمالي ووسط سوريا؛ فجبهة النصرة التي تقود الحرب ضد النظام السوري مخاصمة ومعادية للأردن منذ أكثر من 13 عاماً، والمؤسسة في عمان يبدو أنها متفاجئة بالأحداث مثل الصحف ووسائل الإعلام والجمهور.
الأردن قادر «أمنياً» طبعاً ودوماً على «حماية أرضه وشعبه ومصالحه» كما قال عدة مرات رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، لكن معادلة الشعور بالقلق «قد تتبدل» فقط إذا ما انضمت «درعا ومحيطها» إلى مسار الاشتباك عسكرياً بهدف «تطويق دمشق» من الشمال والجنوب… هنا يسهر الأردني مجدداً ليله الطويل وتتحقق نبوءة بشار الأسد «درعا مشكلة أردنية» مجدداً.

«فانتازيا» سورية

وهنا حصراً تزيد جرعة القلق الأردنية؛ لأن الصورة تصبح أوضح لما كان يريده دوماً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهو يضغط على عمان بعنوان «توحيد جبهتي شمال وجنوب سوريا».
العاصمة الأردنية في هذه المنطقة التي لا يقال عنها الكثير حصراً، قاومت إغراءات الجانب التركي واستثمرت في مسألة «وحدة وصمود مؤسسات النظام السوري» قبل أن يفترض المحللون بأن «مشاريع اردوغان» نفسها قد تحضر لدرعا على رافعة الجولاني ورفاقه بالقرب من خاصرة الحدود الشمالية الأردنية.
تلك «فانتازيا» سورية المنشأ بامتياز، قد يكون من بين تداعياتها «الأردنية» بعد «مساهمات الماضي» في دعم «المعارضين السوريين» طرح سؤال «سينمائي» من طراز: «ماذا فعلنا الصيف الماضي؟» وهل أخفق الرهان مجدداً؟
سؤالان من أسئلة ستطرح حتماً وسيضاف إليها الاستفسار عن سيناريو المزيد من النازحين والهاربين واللاجئين على حدود البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية