من المرجح أن ينعكس الموقف الأمريكي الداعم لاستقرار المنطقة الشرقية ومنع عملية عسكرية تركية جديدة على سياسة «قسد» بحيث تتوقف عن تقديم التنازلات للنظام السوري كما فعلت في الأسابيع الأخيرة.
بعد شهر من القلق الكردي شرق الفرات، يبدو أن الأمور تتجه إلى ارتياح هناك، ظهرت جلية في حديث قائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» مظلوم عبدي لموقع المونيتور الإخباري، أشار في المقابلة التي نشرها الموقع في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى «معارضة أمريكا لأي هجوم من جانب تركيا ضد قسد» موضحا أن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا «قسد» ان الرئيس بايدن قال للرئيس اردوغان إن أمريكا لن تقبل أي هجوم ضد «قسد» خلال لقائهما على هامش قمة مجموعة العشرين في روما التي جرت نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.
كلام عبدي لم يقتصر على تطمينات الجانب الأمريكي، بل زاد أن روسيا أخبرت قسد رفضها أي صفقات مع تركيا على حساب الأكراد، وهو قالته موسكو لأنقرة صراحة: «أنهم لن يقبلوا بشن هجوم عليها».
بعد يومين فقط من مقابلة عبدي، أوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» جون كيربي، شكل الشراكة بين بلاده وقسد ووصفها «تقتصر فقط على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية» مستدركاً خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء، أن هذه الشراكة مستمرة لأن تهديد تنظيم «الدولة» ما زال مستمرا. وختم المتحدث العسكري أن بلاده «تأخذ هذه الشراكة على محمل الجد، وتواصل العمل معهم، على وجه التحديد بشأن تهديد (داعش) في سوريا» متوقعا استمرار التعاون وتلك العمليات.
وكان كيربي، قد قلل في مؤتمر صحافي مطلع الشهر الجاري، من الاستعدادات لعمليات عسكرية في شرق الفرات، تحديدا عن التنسيق الأمريكي مع روسيا بخصوص العملية العسكرية ضد «قسد» ونوه إلى أن «هناك الكثير من التكهنات حول العمليات العسكرية، وهي خارجة عن سيطرتنا هنا في البنتاغون».
في السياق، أكد المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، في تصريحات تلفزيونية عقب انتهاء قمة العشرين في إيطاليا أن «بايدن حذّر اردوغان من أي عملية في شمال شرقي سوريا».
في سياق متصل، عقد نائب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، ديفيد براونشتاين اجتماعا افتراضيا مع عدد قادة «المجلس الوطني الكردي» المعارض، يوم الأربعاء. خصص الاجتماع لمناقشة تعثر المفاوضات الكردية- الكردية. وأشار المجلس في بيان حصلت «القدس العربي» على نسخة منه، إلى تطرق السفير الأمريكي إلى ثلاث نقاط رئيسية هي استمرار وجود القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا بهدف منع عودة تنظيم «الدولة» ودعم الحل وتطبيق القرار 2254 والالتزام الأمريكي برعاية المفاوضات الداخلية بين أحزاب «المجلس الوطني الكردي» و «حزب الاتحاد الديمقراطي».
تحشيد وإعادة انتشار
شهدت طرق وسماء شرق الفرات ازدحاما وحركة مستمرة، ومناورات عسكرية، وإعادة انتشار وتموضع بين الأطراف جميعا، بما فيها الأمريكية التي سيرت دوريات متعددة. وتشير مصادر «القدس العربي» إلى ان الدوريات الأمريكية قرب تل تمر غربي محافظة الحسكة هدفها بناء قاعدة جديدة في البلدة، غير بعيدة عن خط التماس بين «قسد» و»الجيش الوطني السوري» المعارض. ومن الواضح أن القاعدة المتقدمة هدفها تخفيف التوتر الحاصل والقصف المتبادل بين الأطراف. وتعتبر القاعدة المزمع انشائها امتدادا للقاعدتين القريبتين من الجهة الشرقية في تل بيدر وقصرك، حيث تضم الأولى مهبطا للطائرات، وعززتهما القوات الأمريكية بقوات إضافية وأدخلت اليهما دعما لوجستيا إضافيا خلال الشهر الأخير. ومن غير المحدد حتى كتابة هذه السطور موقع القاعدة الجديدة، لكن دورية أمريكية استطلعت مدرستين في البلدة هما مدرسة مصعب بن عمير والثانوية الصناعية، حسب ما رصدت «القدس العربي». كما جالت دورية عسكرية أمريكية أقصى شرق محافظة الحسكة، بجوار من معبر ساميلكا الحدودي مع العراق، وتتخذ القوات الأمريكية قاعدة في تلك المنطقة في مطار زراعي تستخدمه لهبوط وانطلاق المروحيات وحماية خطوط الإمداد في مثلث الحدود بين سوريا والعراق وتركيا.
في المحافظة، أيضا، أجرت المروحيات الروسية مناورات عسكرية بالأسلحة الرشاشة في مطار القامشلي، كما هبط في المطار عدد من القاذفات الاستراتيجية الروسية نوع «سوخوي».
اللافت، وصول تعزيزات روسية إلى مطار مدينة الطبقة العسكري جنوب الرقة، وبعد وصول عدة طائرات مروحية روسية هجومية، نشرت القوات الروسية منظومة دفاع جوي «بانتيسير» في المطار الذي تسيطر عليه «قسد».
ميدانياً، قالت «قسد» في بيان نشرته على معرفاتها الرسمية إن مناطق التماس وخطوط الجبهة شهدت تحركات عسكرية استفزازية، واتهمت الجيش الوطني الموالي لأنقرة بتحشيد قواته وتعزيز مواقعه في نقاط التماس بريف مدينة رأس العين شرق منطقة عمليات «نبع السلام» وريف تل أبيض الغربي الجنوبي المحاذي لطريق M4 قرب عين عيسى.
في ظل التصعيد الحاصل، قصف طائرة مسيرة تركية سيارة نوع بيك اب، تقل ثلاثة رجال من عائلة كولو الكردية أمام منزلهم في مدين القامشلي، قالت مصادر محلية ان أحدهم يعمل في قوى الأمن الداخلي التابع للوحدات الكردية «أسايش» وهو ما أكدته الصورة التي نشرها وسائل التواصل الاجتماعي ـ لشاب يرتدي لباسا عسكريا، قيل ان السيارة خرجت من إحدى مقرات قوى الأمن الداخلي وتتبعتها المسيرة التركية لحين توقفها وقامت بقصفها ما أدى إلى احتراق السيارة وتفحم جثث الرجال الثلاثة، بمن فيهم رجل مسن.
من جهتها، شجبت «قسد» الهجوم وقالت في بيان إن «مجلس سوريا الديمقراطية» يدين استهدف المدنيين، ويدين «الاستهداف المستمر للقيادات الكردية العسكرية التي ساهمت في الحرب على إرهاب تنظيم داعش، ويطالب بمواقف دولية صارمة تجاه هذه الاعتداءات، ويدعو لفرض حظر جوي على مناطق شمال وشرق سورية».
على صعيد آخر، تضغط روسيا على «قسد» من أجل زيادة حصة النظام السوري من النفط الخام الذي تمرره «الإدارة الذاتية» إلى النظام السوري يوميا، والمقدر بنحو 35 ألف برميل، وتطالب روسيا برفع حصة النظام إلى 100 ألف برميل يومياً، وهو ما ترفضه «الإدارة» . في حين قدمت «قسد» تنازلات عسكرية سمحت بتعزيز انتشار قوات النظام السوري في عدة مناطق وسمحت برفع أعلام النظام على خطوط الجبهات مع الجيش الوطني والقوات التركية في منطقة عمليات «نبع السلام» خلال أسابيع الضغط التركي والتلويح بعملية، وسهلت حركة جيش النظام ولم تقم باعتراضه حيثما توجه، وتربط «قسد» زيادة حصة النظام في النفط والموارد بالعملية السياسية والاعتراف بها كشريك سياسي وعسكري وتطالب بدمج قواتها في القوات الحكومية الرسمية في مرحلة الحل السياسي، وهو ما يرفضه النظام، جملة وتفصيلاً.
من المرجح أن ينعكس الموقف الأمريكي الداعم إلى استقرار المنطقة الشرقية ومنع عملية عسكرية تركية جديدة على سياسة «قسد» بحيث تتوقف عن تقديم التنازلات للنظام السوري كما فعلت في الأسابيع الأخيرة. إلا أنها ستبقى بين سندان روسيا ومطرقة تركيا، في نهاية الأمر فإن تصلبها ضد النظام السوري سيجعل روسيا تلوح مجددا بالورقة التركية من أجل إجبارها على تقديم مزيد من التنازلات، خصوصا فيما يتعلق بالموارد التي يحتاجها النظام السوري الذي يعاني من حصار اقتصادي خانق ويحتاج موارد الطاقة لتخفيف النقص الهائل في مناطق سيطرته.