نيويورك (الأمم المتحدة)- “القدس العربي”: اعتمد مجلس الأمن الدولي، بالإجماع القرار 2513 (2020)، الذي رحب بالاتفاق الأمريكي مع حركة طالبان الأفغانية، والذي يشمل خطوات هامة نحو إنهاء الحرب في أفغانستان وسحب القوات الأجنبية، وفتح الباب أمام المفاوضات الأفغانية التي أتاحها هذا الاتفاق الذي تم توقيعه بين الطرفين في العاصمة القطرية، الدوحة، يوم 29 شباط/فبراير الماضي.
وكان الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة قد طرح مسودة مشروع قرار على أعضاء مجلس الأمن للترحيب بالاتفاقية بعد توقيع الاتفاقية في الدوحة مباشرة، إلا أن الوفد الروسي رأى أن “الوقت غير مناسب” لطرح هذا المشروع للتصويت عليه بتلك السرعة. أما الوفد الصيني فاقترح بعض التعديلات وأصر على إدخال فقرة “ويرحب كذلك بالجهود على صعيد التعاون الإقليمي من أجل تحقيق التنمية الإقليمية” في إشارة مبطنة لدعم موقف باكستان التي تحملت الكثير من الأعباء بسبب حروب الأفغان واستقبالها لملايين اللاجئين في السنوات الأربعين الماضية.
وحذر القرار من أن تخفيف نظام العقوبات الذي فرضه المجلس على البلاد في عام 2011 سيعتمد على قيام طالبان بجهود متواصلة لتبني السلام. ودعا المجلس حكومة أفغانستان وحركة طالبان إلى اتخاذ تدابير إضافية لبناء الثقة “بما في ذلك الحد من العنف وإطلاق سراح السجناء بحسن نية، مما يهيئ الظروف لبداية سريعة لمفاوضات بين الأفغان أنفسهم تؤدي إلى سلام دائم”.
وأكد المجلس أن أي تسوية سياسية يجب أن تحمي حقوق جميع الأفغان، بمن فيهم النساء والشباب والأقليات. وأضاف القرار: “ويجب على التسوية أن تستجيب لرغبة الشعب الأفغاني القوية في الحفاظ على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنمائية التي تحققت منذ عام 2001 والاستفادة منها، بما في ذلك الالتزام بسيادة القانون وضمان الحكم الشامل الذي لا يقصي أحدا ويخضع للمساءلة”.
وطالب القرارجميع الدول بتقديم دعمها الكامل لتعزيز التفاوض الناجح على اتفاق سلام شامل ومستدام ينهي الحرب لصالح جميع الأفغان ويسهم في الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب المجلس عن استعداده -عند بدء المفاوضات بين الأطراف الأفغانية- لاستعراض وضع الأفراد والجماعات المحددة في الجزاءات المنشأة عملا بالقرار 1988 (2011) “إذ يضع (المجلس) في اعتباره أن تصرف طالبان، أو عدمه، لمواصلة الحد من العنف، وبذل جهود متواصلة لدفع المفاوضات بين الأفغان، أو التوقف عن الانخراط في العملية السلمية أو دعم الأنشطة التي تهدد السلام والاستقرار والأمن في أفغانستان، ستؤثر على المراجعة”.
وكان قد تم توقيع اتفاقية إحلال السلام في أفغانستان بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة، في 29 شباط/فبراير، وتتضمن بنودا للحد من العنف ووقف إطلاق النار، وانسحاب الولايات المتحدة والقوات الأجنبية الأخرى، والمفاوضات -بدءا من الشهر الجاري- بين الحكومة وطالبان. كما يحتوي على ضمانات بشأن مكافحة الإرهاب وعدم السماح لأي مجموعات إرهابية باستخدام أرض أفغانستان لأعمال إرهابية.
وفي المناقشة التي تلت ذلك، أصرّ العديد من المندوبين على أن عملية السلام الناجحة التي يقودها الأفغان ويملكونها يجب أن تشمل النساء والشباب والأقليات. كما دعوا إلى تخفيض فوري للعنف وشددوا على الدور الذي ستضطلع به بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان في المستقبل. ورحب بعض المتحدثين بافتتاح أشرف غني لولاية جديدة كرئيس لأفغانستان في 9 آذار/مارس – وحذر من إقامة هياكل حكومية موازية، في إشارة إلى مراسم منفصلة من منافسه السياسي عبد الله عبد الله.
وقالت شيريث نورمان شاليت، نائبة المندوبة الدائمة للولايات المتحدة، إن حكومة بلدها سوف ترصد وتقيّم بعناية ما إذا كانت طالبان ستلتزم بشروط الاتفاقية. وأشارت إلى التحديات التي تواجه عملية السلام، مثل ارتفاع مستويات العنف من جانب طالبان، وأكدت أنه يجب عمل المزيد للحد من العنف ضد القوات الأفغانية. كما شددت على دعم بلادها المستمر للشعب الأفغاني “بعد ما يقرب من عقدين من الزمان وصرف أكثر من تريليون دولار من الاستثمار في أمن أفغانستان وتنميتها، فإن الولايات المتحدة لن تبتعد عن أفغانستان”.
من جهته حذّر ممثل الاتحاد الروسي، فاسيلي نيبنزيا، من أن “الطريق أمامنا سيكون صعبا”، مشددا على ضرورة أن تضع الأطراف جانبا المصالح الضيقة والطموحات السياسية عند بدء المفاوضات بين الأفغان. وشدد على أن الخطوة الأولى يجب أن تكون على جميع أصحاب المصلحة التخلي عن العنف وشن حرب ضد الإرهاب.
وقال السفير نيبنزيا “إن قرار اليوم يفتح نافذة للمصالحة الوطنية، مؤكدا أن الشعب الأفغاني يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم الجماعي من المجتمع الدولي”. وأعرب عن ثقة وفده في أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان سيكون خطوة نحو عملية سلام شاملة، محذرا من أن الطريق سيكون صعبا. وقال إنه من أجل المضي قدما “ستحتاج أفغانستان أيضا إلى دعم من دول المنطقة، وخاصة جيرانها”.
ودعا ممثل الصين، زانغ جون، الذي ترأس بلده مجلس الأمن لهذا الشهر، إلى انسحاب منظم ومسؤول للقوات الأجنبية لتفادي حدوث فراغ أمني واحتمال عودة الجماعات الإرهابية. وحث جميع الأطراف على العمل معا في التنفيذ الفعال للاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وأضاف أن التركيز في المستقبل يجب أن يكون على إعادة الإعمار وزيادة الاستثمار في البنية التحتية والتواصل والتعاون الإقليميين والتنمية المستدامة والتخلي عن العنف من قبل الجميع.
وكانت الجلسة التي افتتحت الساعة الرابعة مساء بتوقيت نيويورك قد بدأت بوقوف أعضاء المجلس وكافة الحضور دقيقة صمت تكريما لخافيير بيريز دي كوييار، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي وافته المنية يوم 4 آذار/ مارس.