بعد ثورة التسلسل الهرمي.. هل تنتهي عقدة مانشستر يونايتد؟

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: استهل مانشستر يونايتد موسمه بانتصار أشبه بالولادة القيصرية على حساب خصمه اللندني فولهام، في مباراة عطلة نهاية الأسبوع الماضي التي جمعتهما على ملعب «أولد ترافورد» وانتهت بفوز صاحب الأرض بهدف نظيف في افتتاح الدوري الإنكليزي الممتاز نسخة 2024-2025 وسط توقعات على نطاق واسع، أن يشهد الموسم الجديد طفرة في أداء ونتائج الشياطين الحمر، والأمر لا يتعلق بضرورة مصالحة الجماهير، بعد إنهاء الموسم الماضي في المركز التاسع في جدول ترتيب أندية البريميرليغ، كأسوأ مركز لليونايتد في تاريخ مشاركاته في الدوري منذ تغيير المسمى والنظام في بداية تسعينات القرن الماضي، بل أيضا لثورة التصحيح التي يقودها السير جيم راتكليف، منذ استحواذه على قطاع الكرة، بضخ دماء جديدة في الهيكل الإداري والرياضي، أملا في تقليص الفجوة من باقي جبابرة إنكلترا مانشستر سيتي، وليفربول وآرسنال، ومن ثم عودة عملاق البريميرليغ إلى وضعه الطبيعي قبل عقد من الزمان، كمنافس ومرشح مُفضل على طول الخط للفوز بالدوري الأكثر شراسة وتنافسية في العالم، والسؤال الذي يفرض نفسه في الوقت الراهن.. لماذا تضاعفت آمال وطموحات مشجعي اليونايتد بالمنافسة بكل قوة على لقب البريميرليغ رقم 21 الذي يبحث عنه الجميع منذ اعتزال سير أليكس فيرغسون مع إطلاق صافرة موسم 2012-2013؟ هذا ما سنحاول استعراضه معا.

قبل التفكير في الصفقات والدماء الجديدة، قرر السير جيم راتكليف، إعادة هيكلة النادي إداريا، بداية من أعلى منصب في المشروع، في محاولة جادة لنسف الطريقة التي كانت تتعامل بها الإدارة القديمة مع النادي، كعلامة تجارية شغلها الشاغل البحث عن حملات إعلانية وتجارية لجني الملايين، وذلك على حساب الخطط والرؤية المستقبلية، فكانت البداية باستقطاب المغربي الأصل عمر برادة، ومنحه صلاحيات الرئيس أو الرجل الأول، كمدير تنفيذي للنادي، وذلك بعدما قضى سنوات داخل جدران غريم المدينة مانشستر سيتي، حيث عمل كرئيس لتطوير الأعمال الدولية، ومدير مبيعات الشراكة، ثم النائب الأول للرئيس والمدير التجاري للمجموعة، قبل أن يصبح المدير التنفيذي للعمليات في النادي في العام 2016 وفي 2020 تمت ترقيته إلى منصب الرئيس التنفيذي لعمليات كرة القدم في «CFG» وقبلها أحدث طفرة في قسم الرعاية الذي كان يرأسه في برشلونة في الفترة بين عاني 2004 و2011 وتبعه في ثورة إعادة التسلسل الهرمي الإداري لليونايتد، عراّب مشروع «إنجلاند دي إن أيه» جيسون ولكوكس في منصب المدير الرياضي، الذي ساهم في اكتشاف مواهب بحجم غود بيلينغهام، ألكسندر أرنولد، وفيل فودين وباقي الأسماء الواعدة في جيل إنكلترا الجديد، ثم جاء ثالثهما دان أشتون، المعروف عنه عينه الثاقبة في التقاط المواهب القابلة للتوهج على المدى القصير أو المتوسط على أقصى تقدير، بتلك الطريقة التي أدار بها ملف صفقات نيوكاسل يونايتد تحت الإدارة السعودية، وهذا في حد ذاته، أعطى رسائل جادة وواضحة، بأن اليونايتد يسير بخطى ثابتة على الطريق الصحيح، من خلال الاستعانة بأسماء لها باع وتاريخ على مستوى تدشين المشاريع الكروية الطموحة، بجعل الأرباح المادية تتماشى بشكل صحيح مع النجاح الرياضي والرؤية المستقبلية في ما يخص النزول بمعدل أعمار اللاعبين من فترة لأخرى.

التأثير الفني

بدأ العمل أو البناء الإداري الصحيح، بقرار الإبقاء على المدرب الهولندي إريك تين هاغ، ربما لنجاحه في إنقاذ وظيفته بعد الفوز بكأس الاتحاد الإنكليزي على حساب المان سيتي في نهائي الموسم الماضي، ربما لإدراك المدراء التنفيذيين الجدد بأن الأزمة كانت أكبر وأكثر تعقيدا من المدرب، والأكثر إثارة للإعجاب على مستوى التخطيط التسليم، أنهم دعموا المدرب بأدوات جديدة لمساعدته على الإبداع والابتكار، من خلال الاستعانة بحلقة الوصل بين المدرب واللاعبين في غرفة خلع الملابس، الأسطورة رود فان نيستلروي، الذي يعرف كيف تُدار الأمور داخل أروقة «أولد ترافورد» منذ أن كان جلادا في أكثر سنوات فيرغسون نجاحا مع النادي، منها سيستفيد الفريق من خبرات هدافه السابق، بعد نجاحاته في دوري الإيرديفيسي، ومعه الهولندي الآخر صاحب الخبرات التدريبية الكبيرة رينييه هيك، كأن الإدارة الجديدة، أرادت توفير كل عوامل النجاح أمام المدرب حتى يحاكي تجربته السابقة مع أياكس أمستردام، بتحويل مانشستر يونايتد إلى آلة تجمع بين الأداء الرشيق والانتصارات الساحقة على الجميع بدون استثناء، ويظهر ذلك في التوافق الإداري الرياضي في ملف «الفائضين عن الحاجة» بعد الاستغناء عن عدد لا بأس به من الأسماء التي كانت تمثل عبء على تين هاغ، منهم على سبيل المثال لا الحصر المهاجم المنبوذ أنطوني مارسيال، والمدافع المتذبذب آرون بيساكا، وأسطورة دفاع ريال مدريد الذي تحول إلى شبح بالقميص الأحمر رافاييل فاران -بدون مقابل-، حتى غرينوود، تمت الموافقة على بيعه لمارسيليا الفرنسي مقابل رسوم تحويل تخطت حاجز الـ25 مليون يورو، وآخرون جنى من ورائهم النادي قرابة الـ70 مليون بنفس العملة، بخلاف الأسماء المدرجة بالفعل على قوائم المرشحين للطرد أو البيع قبل غلق الميركاتو الصيفي في آخر ساعات يوم 30 آب/اغسطس الجاري، هذا ولم نتحدث عن النجاح الإداري في إنهاء ملف خلاف المدرب مع ضحيته في الموسم الماضي جادون سانشو، من شائعات وتقارير لا تتوقف عن مستقبله خارج اليونايتد الموسم الماضي، إلى قرار الإبقاء عليه، على طريقة «وكأن شيء لم يكن» بعد تجاوز شرط تين هاغ، بضرورة اعتذار اللاعب عن مشاكله القديمة مع المدرب، في ما ستكون أشبه بالصفقة الجديدة، حال تمكن المدرب الهولندي من الحفاظ على النسخة المبهرة التي ختم بها اللاعب فترة إعارته مع بوروسيا دورتموند، كواحد من أكثر المساهمين في وصول الفريق إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ خسارة نهائي 2013 أمام الغريم المحلي بايرن ميونخ.

روح جديدة

بعد كل ما سبق، بدأ التركيز على الصفقات المطلوبة لنقل مشروع تين هاغ إلى الخطوة التالية، بالمنافسة بشكل حقيقي على لقب البريميرليغ وباقي البطولات المحلية، واللافت هذه المرة، أن النادي تجاوز المرحلة القادمة، بالضغط على اللاعبين المحتملين بسلاح المال، واستبدال ذلك، بالشخصية والكاريزما المحفورة في الأذهان عن مانشستر يونايتد أليكس فيرغسون، كمؤسسة ترفع شعار «الجدية والسرعة في التنفيذ» في المفاوضات مع اللاعبين، بعيدا عن أسلوب المماطلة والانتظار حتى الأمتار الأخيرة للميركاتو، وقد وضح الاختلاف منذ لحظة إعلان الظفر بخدمات المدافع الفرنسي اليافع لينو يورو، وذلك بعد معركة شرسة خارج الخطوط مع ريال مدريد، انتهت بنجاح الطاقم الإداري الجديد بإقناع صمام أمان دفاع ليل سابقا باختيار مشروع «مسرح الأحلام» على حساب الانتظار على مقاعد بدلاء الريال الملكي، وفي نفس الوقت، جاء المهاجم جوشوا زيركزي، في صفقة أنعشت خزينة نادي بولونيا الإيطالي بأكثر من 40 مليون يورو، نظير الاستغناء عن اكتشافهم الثمين الموسم الماضي، ومؤخرا التحق بهم ثنائي بايرن ميونخ ماتيس دي ليخت ونصير مزراوي.
ويُقال أيضا وقت كتابة هذه الكلمات، أن مايسترو وسط باريس سان جيرمان مارتن أوغاردي في الطريق إلى أصحاب الجزء الأحمر من عاصمة الشمال، وصفقات أخرى محتملة بنفس المواصفات أو المعايير المشتركة مع الوافدين الجديد، أبرزها التركيز على المواهبة الصغيرة الجائعة لكتابة المجد وبدرجة أقل الشباب العشريني الطامح في استعادة بريقه على المدى القصير، وقبل أي شيء، يكون الفريق في أمس الحاجة لخدمات الصفقة الجديد، بعد سنوات أهدر خلالها مئات الملايين من اليوروهات في صفقات دعائية، لم تقدم إضافة ملموسة داخل المستطيل الأخضر، يكفي أن الحديث عن ثاني أو ثالث أكثر الأندية إنفاقا في إنكلترا في السنوات القليلة الماضية، بعد تشيلسي ومانشستر سيتي، لكن في المقابل، لم يحصل على الألقاب التي تعبر عن هذا الإنفاق الذي تجاوز المليار جنيه إسترليني خلال العقد الماضي، بل لم يقترب من كسر عقدته مع لقب البريميرليغ رقم 21 في تاريخ النادي، بابتعاد صادم بالنسبة للجماهير على دائرة المنافسة على اللقب بشكل حقيقي، بما في ذلك ما اعتبره جوزيه مورينيو واحد من أفضل إنجازاته في مسيرته التدريبية، عندما أنهى موسم 2017-2018 في مركز الوصافة، برصيد 81 نقطة على بعد 19 نقطة كاملة عن البطل آنذاك مانشستر سيتي، الذي أنهى نفس الموسم بـ100 نقطة، فهل يا ترى تساهم الروح أو الطاقة الإيجابية الجديدة في انتشال النادي من براثن الضياع؟ أو على أقل تقدير تنعكس بشكل إيجابي على مشروع المدرب إريك تين هاغ ريثما تكون البداية نحو استعادة لقب البريميرليغ قبل أن تتحول إلى عقدة على طريقة آرسنال ومن قبله ليفربول؟ هذا سيتوقف على المدرب واللاعبين في المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية