عمان- «القدس العربي» : لسبب أو لآخر، يقرر وزير بمواصفات المعني بالنطق الإعلامي وشؤون وشجون الإعلام في الأردن أمجد العضايلة، قول العبارة المهمة بصيغة تخلو من التحفظ. مباشرة بعد خلوة وزارية جديدة خارج البروتوكول قالها الوزير العضايلة: .. «أزمة كورونا الأخيرة كشفت عن بعض مظاهر ضعف في مؤسسات الدولة».
ويحتاج تشخيص جريء بلسان الحكومة من هذا النوع إلى وقفة تأملية، فمثل هذا الإقرار، وقياساً بالعلاقة المتنامية بين الناطق الرسمي ورئيس الوزراء، وكون الوزير العضايلة ممثلاً للسان الحكومة، كان يمكن لمثل تلك العبارة التشخيصية أن تثير جدلاً رسمياً وبيروقراطياً وحتى أمنياً، أو تغضب السلطات إذا ما قالها معارض أو حراكي ما في المرحلة التي سبقت عهد الحكومة الحالية.
رغم أن الإنذار المبكر في مسألة ضعف أو تراجع أداء الدولة، برز منذ أشهر بتوقيع المجلس الاقتصادي الاجتماعي ومن باب التشخيص الوطني والتحذير وبتوقيع باحث كبير يترأس المجلس وطاقم البحث هو الدكتور مصطفى الحمارنة.. رغم ذلك إلا أن الثقافة التي تقول بأن الصف الرسمي يتجنب التحدث عن المشكلات، موجودة. استمرار وصلات الإقرار بالضعف والمشكلات يعني الكثير سياسياً ووطنياً.
قواعد مستجدة للعبة سياسية بتوقيع الرزاز وركوب محتمل لموجة «الدمج»
المتحدثون والمشاركون بحفلة التشخيص هنا ليسوا ممثلين للمعارضة يمكن اتهامهم موسمياً عبر الاسترسال في علبة الاتهام المختصة حصرياً بالإخوان المسلمين والتشكيك بهم بالعادة، ولا يمثلون الحراك ولا تصدر عباراتهم الحادة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الضعف والقصور على مستوى الدولة، وليس فقط الحكومة، عن تلك المنابر المأزومة أحياناً تحت عنوان ما يسمى بالمعارضة الخارجية، حيث قلة من الأشخاص غاضبون ومحتقنون وينتقمون من شخصيات رسمية أفسدت حياتهم في البلاد ودفعتهم للهجرة أو كانت قد جندتهم في بعض الأحيان.
في كل حال، لسان الحكومة بعد الخلوة الوزارية يختلف في نكهته ومعياره هذه المرة عن أدبياتها قبلها. وبوضوح شديد، إقرار نادر بوجود ضعف كشفته، كموجة البرد، أزمة الفيروس كورونا، وكان ينكر بالعادة طوال الوقت. وبوضوح أشد، استناد حكومي إلى التفصيل المشار إليه في تقييم الأداء لاتخاذ إجراءات مفاجئة بصورة متسارعة على مستوى الإيحاء بأن مشروع الدمج الهيكلي يشق طريقه، حيث قرار لمجلس الوزراء بدمج ثلاث مؤسسات في قطاع النقل تحديداً وبسرعة، وتشكيل مؤسسة واحدة باسم هيئة النقل، والعنوان هو «تحسين الأداء وخفض النفقات».
ثمة مشاريع دمج أخرى في الطريق. ذلك طبعاً مشروع علني لرئيس الوزراء يريد أن يوحي بأن الحكومة أولاً باقية، وثانياً تعمل على المفاصل المهمة، وثالثاً تحاول محاكاة ما يدعو إليه الشارع من تخفيف عدد المؤسسات المستقلة وزحام الهيئات ومعالجة الفارق الكبير في الرواتب، وهي كلها مشكلات كانت تنتج خطابات في الحراك الشعبي.
ما الذي تريده حكومة الرزاز بصورة محددة وهي تتحدث عن «ضعف كشفته كورونا» في مؤسسات الدولة وليس الحكومة فقط؟
.. ما الذي يخطط له ضمنياً أو يريد أن يقوله الرزاز في هذا السياق بعدما انتصر خلف الستارة بتمرير مشروع دمج مؤسسات أساسية ضمن خطط هيكلة القطاع العام؟ ملف الدمج ليس سهلاً، والسؤالان المشار إليهما من الصعب توقع إجابة منتجة عليهما عشية أقاويل التغيير الوزاري وفوضى جدل الاستحقاق الدستوري الانتخابي.
ضمنياً وبصورة مبكرة، يمكن القول ومن باب الاستنتاج، بأن الرئيس الدكتور الرزاز يستطيع -إذا ما غادرت حكومته قريباً بعد حل البرلمان تحضيراً للانتخابات- الإيحاء ضمناً بأن وزارته تغادر المسرح لسبب واحد، وهو أنها «قررت العمل على الملفات الكبيرة». طبعاً، تلك قد تكون مبالغة درامية في التحليل، ليس لأن الرزاز من الطراز المناكف بالعادة، ولكن لأن أي رئيس وزراء جديداً يمكن ببساطة أن يتكلف بإكمال مسيرة تلك البرامج الحساسة المتعلقة بإدارة الحكومة بل ومؤسسات الدولة.
وأغلب التقدير أن حكومة الرزاز تريد أيضاً الإيحاء بأن مغادرتها المسرح لأي سبب قد تفسر على أساس حسم صراع مع مراكز قوى مهمة ومفصلية ترفض التغيير الهيكلي في الدولة، بدلالة أن تقييمات الإدارة لمرحلة الفيروس كورونا باللسان الحكومي تحدثت عن ضعف في مؤسسات الدولة وليس عن ضعف في مؤسسات الحكومة وسلطات التنفيذ فقط.
في خلفية المشهد الأعمى، ثمة من يريد إنتاج انطباع يقول بأن فترة الصلاحية السياسية لحكومة الرزاز انتهت، وبأن المطلوب قريباً قد يكون رحيلها وسط زفة سياسية وبيروقراطية بعنوان الإخفاق والتقصير.
طبيعي، من حق الرزاز ورموز طاقمه إظهار مقاومة شرسة لأي اتجاه عبثي من هذا النوع، فحتى وزير المالية الدكتور محمد العسعس عندما شرح للرأي العام استراتيجيته الضريبية الجديدة تحدث عن «خيارات دولة وجودية»، وليس خيارات حكومة فقط. وحتى الرزاز قبل ذلك، واجه بذكاء وعمق ورشاقة أحياناً، عدة عواصف أنتجتها قوى الأمر الواقع المعاكسة.
بالتالي، من حق الحكومة الدفاع عن مشروعها حتى وإن خالفت تقليداً قديماً وكلاسيكياً يسترسل في العادة في تحميل أي مسؤولية للحكومات فقط وليس للدولة، وإن كان الرزاز من الشخصيات العميقة والذكية التي تريد القول بعكس ذلك. الأردن اليوم في حاجة إلى إقرارات جريئة من وزراء تدفعهم المسؤولية الوطنية للتحدث بصراحة. والأردن الجديد هو ذلك الذي يقر بوجود مشكلات في مفاصل الدولة هذه المرة بعد أزمة بحجم كورونا نجحت فيها دولة بقرار الجميع، وأخفق فقط الوزراء أو بعضهم. وفي الخلاصة، ثمة لعبة تسييس ملموسة الآن.. السؤال هو: هل يتمكن الرزاز من خوضها وإكمالها؟