يفضل ألا نتأثر أكثر من اللازم من موجة الشجب التي بدأت صباح الماضي بتأخير عدة ساعات، في أعقاب الحادثين اللذين هوجم فيهما جنود الجيش الإسرائيلي في مستوطنة يتسهار. وفي البؤر الاستيطانية المجاورة لها. هذه القصة معروفة لكل من يغطي ما يحدث في المناطق طوال الوقت.
عنف المستوطنين المتطرفين تجاه سكان فلسطينيين وممتلكاتهم هو ظاهرة متكررة، وهذا يأتي كرد على عنف فلسطيني أو كجزء من النزاع على الأراضي طويل المدى بين الطرفين. هنالك أيضاً عنف ضد قوات الأمن، ولكن هذا يحدث بصورة نادرة أكثر. وباستثناء حالات قتل فلسطينيين ثمة عنف من النوع الثاني يصل أحياناً إلى النقاش العام.
مرة في كل سنة أو سنتين، عندما يتم توثيق الهجمات ضد الجيش الإسرائيلي أو الشرطة بالكاميرات أو تتجاوز في قوتها، يكون فيها البدء بالطقس المحدد الذي يعرف فيه كل طرف من الطرفين دوره. كبار ضباط الجيش مصدومون، والسياسيون يدينون، وزعماء المستوطنين يتنصلون، ثم يشرحون بأن العنف لا يمثل الأغلبية الصامتة للسكان، بل حفنة شاذة وهامشية، وسرعان ما تعود الحياة إلى مسارها. وترجمة للماضي.. إن احتمالية أن ينتهي حادث كهذا بالمحاكمة دون الحديث عن عقوبة السجن، ضئيلة جداً.
إليكم مجموعة عشوائية من الأمثلة التي تستند إلى الذاكرة فقط، دون بحث ممنهج في الأرشيف: في 2005 وقعت سلسلة هجمات عنيفة بسكان يتسهار وبؤرها الاستيطانية تجاه جنود مظليين، واتهم قائد الكتيبة والمنطقة بأنه لم يقدم الدعم لجنوده. في 2011 اقتحم مستوطنون قاعدة اللواء القطري افرايم، بالقرب من كدوميم وضربوا جنوداً بشدة، من بينهم نائب قائد اللواء. في 2014 قام المستوطنون بأعمال شغب بالقرب من يتسهار. فعبثوا بموقع صغير كان يشغله جنود من الاحتياط. في العام الماضي جرحت شرطية من حرس الحدود في رأسها بحجر ألقاه المستوطنون في بؤرة استيطانية بالقرب من يتسهار.
بعد عدد من هذه الأحداث سجل رد للدولة. ورداً على أعمال الشغب في لواء افرايم، اجتمعت الحكومة لإجراء نقاش خاص فشكلت لجنة لمعالجة عنف اليمين المتطرف. وبعد الحادث في 2014 أرسلت قوة من حرس الحدود لإغلاق المدرسة الدينية “ما زال يوسيف حياً” في يتسهار وللسيطرة على المبنى.
ولكن العامل المشترك لكل هذه الأحداث واحد: الصدمة.. وخلال فترة قصيرة ينسى ذلك ويتناساه البعض. ونادراً ما تتخذ خطوات فعلية ضد نشطاء متطرفين هاجموا بعنف رجال شرطة وجنوداً. في أغلب الحالات التي يضرب فيها هؤلاء الأشخاص فلسطينيين أو يعبثون بممتلكاتهم، لا يتم إجراء تحقيق فعال. علاوة على ذلك: أكثر من مرة وثق فيها جنود وهم يشرفون عن بعد على عنف كهذا، دون أن يتخذوا موقفاً أو يتدخلوا. معروف ومعلوم ضعف شرطة منطقة شاي (السامرة ويهودا) بالرغم من التغييرات الهيكلية والتنظيمية العديدة التي أجريت طوال السنوات.
سلسلة الأحداث الأخيرة بدأت في مهاجمة فلسطينيين من قبل مستوطنين من منطقة يتسهار. الأربعاء، هاجم يهود من بؤرة استيطانية سكاناً جاءوا لقطف الزيتون، وناشطاً من منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان. بعد ذلك اعتقل قائد فصيل من كتيبة دورية لواء غولاني شاباً متهماً بمشاركته في الهجوم العنيف. الجمعة، ورداً على اعتقاله، هاجم مستوطنون بشتائم وتهديد قائد الكتيبة الذي جاء لتوجيه جنوده في مدخل يتسهار. وفجر اليوم، قرب بؤرة استيطانية محيطة بيتسهار رشق عشرات المستوطنون الحجارة على سيارتين لدورية غولاني. أحد الجنود أصيب إصابة طفيفة بيده. اضطر زملاؤه إلى إطلاق النار في الهواء وإلقاء قنابل الصوت لوقف أعمال الشغب.
الآن جاءت مرحلة الصدمة. رئيس الأركان افيف كوخافي، أصدر بياناً شديداً أعلن فيه عن عملية منسقة مع الشاباك والشرطة لمعالجة المشاغبين. وانضم رئيس الحكومة أيضاً لمن يدينون. ولكنه حافظ على مسافة آمنة من الحادث ومن تداعياته. أعلن نتنياهو بأنه “يشد على أيدي جنود الجيش” و”يدين بشدة أي مهاجمة لجنود الجيش، ولن يكون هناك أي تسامح تجاه المشاغبين الذين يخرقون القانون”.
هذا أمر مشجع، بل من النادر جداً أن تسمع رئيس الحكومة يقف في هذه الأيام إلى جانب سلطة القانون، لكن أين حدث الهجوم المدان على الجنود ومن كان مشاركاً فيه؟ من قراءة بيان نتنياهو قد يتولد انطباع بأن ذلك حصل على سطح القمر، إذ لم يتطرق في البيان إلى المنطقة التي كان فيها الحدث (يتسهار وبناتها) أو هوية المهاجمين (يهود من مواطني إسرائيل). وشبيبة التلال يقرأون ما بين السطور: لأن الرسالة حملت كل تلك الضبابية المتعمدة المرسلة من قمة الهرم، فإن تطبيق القانون من قبل السلطات –أجهزة الأمن والمحاكم– سيبقى دون أسنان. سكان البؤر الاستيطانية سيحنون الرؤوس لفترة قصيرة إلى أن تمر العاصفة ويهدأ الغضب.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 22/10/2019