طرابلس – «القدس العربي» : منذ بداية عام 2023 دخلت ليبيا في قلب حراك إقليمي ودولي واسع، يرمي إلى إنهاء الأزمة وطي صفحة استمرت سنوات طويلة تخللتها حروب دامية وانقسامات أثرت سلباً على بنيتها التحتية وقوة مؤسساتها.
فخلال أسبوع واحد، شهدت ليبيا زيارات مكثفة لشخصيات مهمة وثقيلة على المستوى الدولي، وحملت هذه الزيارات دلالات واسعة على رغبة المجتمع الدولي وتوجهه الحديث من الأزمة، وأبعاد إدارته لها مستقبلاً.
زيارات متعاقبة..
بدأت سلسلة الزيارات هذه مع زيارة مفاجئة ونادرة لرئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه (CIA) وليم بيرنز، الذي التقى الدبيبة في طرابلس واللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي، وناقش سبل الذهاب إلى الانتخابات، كما شدد على ضرورة إخراج كافة المرتزقة الروس من البلاد، حسب مصادر متطابقة. وعقب زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية بخمسة أيام فقط، وصل رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان إلى طرابلس الثلاثاء رفقة وفد رفيع المستوى، والتقى بعدد من الشخصيات والمسؤولين الليبيين قبل أن يغادر عائداً إلى أنقرة.
فيدان وخلال زيارته التي استمرت يوماً واحداً فقط، التقى رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في العاصمة الليبية طرابلس وكذلك رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.
وذكر بيان نشر في الصفحة الرسمية على فيسبوك لرئاسة الوزراء الليبية أن الدبيبة التقى فيدان في رئاسة مجلس الوزراء وبحثا خلال الاجتماع ملفات إقليمية ودولية مشتركة، بحضور وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش ووزير الدولة عادل جمعة ووزير الاتصالات والشؤون السياسية وليد اللافي.
ليبيا في قلب حراك إقليمي ودولي واسع
أما عن لقائه بالمنفي، فقال المكتب الإعلامي له في بيان، إن رئيس المخابرات الليبية حسين العائب، وسفير تركيا في طرابلس كنعان يلماز، حضرا الاجتماع، دون ذكر أي تفاصيل عن فحواه.
فيما ذكر المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة، في بيان، أن المشري رحب بزيارة فيدان، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية بين ليبيا وتركيا، وأهمية تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة»، داعياً إلى «ضرورة التعاون والتنسيق بشأن القضايا والملفات الثنائية والدولية، ذات الاهتمام المشترك».
دلالات خفية..
تعاقب زيارتي بيرنز مدير المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» وزيارة مدير المخابرات التركية هاكان فيدان إلى ليبيا، رجح عدد من المحللين أنهما تأتيان في السياق الدولي الضاغط على الأطراف الليبية.
كما أن الضغط الأمريكي الراهن وتكثيفها لزياراتها ومشاوراتها مع ليبيا يرجح كثيرون أن تكون لها علاقة مباشرة بقضية الوجود الروسي في ليبيا وتداعياته على العمليات العسكرية للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم.) فقبل يومين دعا المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، كلاً من المجتمع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية إلى دعم عمل اللجنة العسكرية المشتركة لتحقيق الاستقرار والسلام في ليبيا، وهي اللجنة المنوط بها وضع مخططات لسحب المرتزقة.
وقال في مؤتمر صحافي عقده في سرت- إن اللجنة العسكرية ناقشت القضايا المتعلقة بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، وإنه تم اتخاذ قرارات مهمة في هذا الشأن.
الصحافي والكاتب الليبي علي الوندي، قال في تصريح لـ»القدس العربي» إن هناك حراكاً دولياً مكثفاً في ليبيا خلال الفترة الماضية، ويبدو أن هذا الحراك تقوده واشنطن، التي من الواضح أنها مازالت متمسكة بإجراء الانتخابات في البلاد.
وتابع أن حراك واشنطن يوحي إلى وجود تغيرات جدلية في المشهد لا تزال ملامحها غير واضحة، التحرك التركي في ليبيا تمثل في زيارة رئيس الاستخبارات التركية تزامناً مع حراك مصري تمثل في احتضان مشاورات عقيلة صالح وحفتر والمنفي، يعني أن الحراك المصري والتركي يرميان إلى إعادة ترتيب الصفوف والأوراق استعداداً لأي مبادرة أمريكية تطرح على الطاولة وغالباً يجب على الجانبين التماشي معها.
وأضاف الوندي أن الأطراف الليبية التي دخلت في نزاع لسنوات وفشلت في طرح أي حلول، مستعدة اليوم لخوض المسار السياسي الذي تطرحه القوى الدولية، كما أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر باشر في البحث عن حلول سياسية أيضاً، وأبدى استعداده لمحاورة الجميع، لأنه أيقن أن الحل العسكري مستحيل في ليبيا، فضلاً عن تخلي كل القوى الداعمة عنه، وهو تطور مهم، إلا أنه من المتوقع أن تكون هناك محاولات جادة لإقحام حفتر سياسياً.
انتخابات قريبة..
وقبل يومين أجرى عقيلة صالح لقاء صحافياً أعلن فيه أن هناك شبه التقاء على إعادة النظر في الحكومة وتشكيل حكومة جديدة محايدة للإشراف على الانتخابات، مشيراً أنه ليس من المعقول أن يكون مرشح الرئاسي هو المسؤول عن تعيين موظفي الانتخابات والموظفين.
وقال عقيلة صالح إنه «ستُشكل لجنة على غرار لجنة الحوار السابقة، وسيُجري الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة على الحكومة الجديدة.. يكاد يكون هناك شبه إجماع على تغيير الحكومة، لكن لم تحدد أسماء» حتى الآن.
وأضاف صالح أن مبعوث الأمم المتحدة عليه ألا ينحاز إلى جهة، وعليه أن يحترم الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي الذي يقول إنه في حال اتفاق مجلسي النواب والدولة على تشكيل الحكومة فعليه دعم تشكيل الحكومة، لكنه اعتبر أن عبد الله باتيلي ما زال في البداية، ولديه النية لدعم تنفيذ الاتفاق السياسي ويسعى لتحقيق تقدم.
وصرح عقيلة أن الانتخابات من الممكن أن تعقد في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل أو قبله، لافتاً إلى أن الخلاف الحالي حول الوثيقة الدستورية يتعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهما نقطتان ستقوم اللجنة المكلفة بتقريب وجهات النظر إزاءهما.