خروج «حمو» من المعادلة في الحسكة سيفضي إلى اعتماد إيران على قوتين تابعتين لها، هما «سرايا الخرساني» في مدينة الحسكة و«قوات المهام» في القامشلي.
بعد نحو شهرين من التوتر بين القيادة الأمنية للنظام السوري وعبد القادر حمو قائد ميليشيا «الدفاع الوطني» التابع للنظام والمقرب من إيران، طوى النظام صفحة «حمو» بعد أن رفع الحاج مهدي المسؤول الأمني والعسكري عن الميليشيات الإيرانية في محافظة الحسكة يده عن رجل العصابات والمخدرات.
حافظ حمو على مكانته كرجل إيران الأول في الحسكة عدة سنوات، وهو الذي ابتدأ حياته الميليشياوية في اللجان الشعبية عام 2011 بدعم من المخابرات العسكرية، وسهل نشاط إيران في المدينة المطوقة بقوات سوريا الديمقراطية «قسد» وأعلن في غير مناسبة تشيعه ولقب نفسه «أبو أحمد الحسيني» لكن ادعاء نسبه إلى «آل البيت» لم يحل دون تراكم ملفات الانتهاكات بحق المدنيين التي شملت الإتاوات والسرقة والسلب والخطف مقابل الفدية، وتحول شيئا فشيئا ليصبح ملك الكبتاغون في الحسكة. وانفجر الخلاف بينه وبين النظام بعد اعتدائه بالضرب على أحد شيوخ قبيلة الجبور وهو ما ولد توترا بين قواته وبين القبيلة كبيرة العدد وواسعة النفوذ هناك. وهو ما دفع اللجنة الأمنية في محافظة الحسكة لإصدار قرار عزله من منصبه، وتعيين يوسف خليفة حماد قائدا لقطاع الدفاع الوطني في الحسكة، لكن القرار بقي بدون تنفيذ بسبب دعم الحاج مهدي له. واستدعي حمو لدمشق والتقى به اللواء علي مملوك والأمين القطري المساعد لحزب البعث هلال هلال، ويبدو أن مدير مكتب الأمن الوطني والقيادي البعثي اشترطا على «حمو» دفع مبلغ 3 ملايين دولار لتصحيح وضعه مع القيادة الأمنية، وهو ما رفضه حسب تصريح مصور له، تهجم خلاله على مملوك ونعته بكلمات مسيئة للغاية.
الشريط المسجل أثار حفيظة كارهيه ومنافسيه على تجارة المخدرات وخصوصا العميد حكمت الرفاعي رئيس فرع الأمن العسكري في محافظة الحسكة. ومع تصاعد التوترات اجتمع الحاج مهدي برئيس فرع المخابرات الجوية وضباط روس في مطار القامشلي وأخبر الجانبين تخليه عن الرجل، لتبدأ ضده معركة الحسم العسكري.
واستخدمت قوات النظام الدبابات في معركة القضاء على القائد المتمرد، وتعتبر المرة الأول التي يخرج النظام الدبابات خارج مواقعه وهو ما يشير إلى رغبة «قسد» بالقضاء على «حمو» المتمرد على جيش النظام من خلال تسهيل تحرك المدرعات في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد.
ومع تقدم قوات النظام داخل المربع الأمني وسيطرتها على البراد الآلي، وتراجع ميليشيا «الدفاع الوطني» تدخل قادة مجموعات عملوا سابقا مع حمو لإخراج زوجته وأطفاله. كما استسلم نحو 200 عنصر من مقاتليه والتحقوا بمقرات ميليشيا «سرايا الخرساني» الإيرانية المتمركزة في المربع الأمني في حين بقي معه في آخر يوم من القتال 35 عنصرا فقط، كما رصدت «القدس العربي» منشور «حالة» على تطبيق واتساب يعلن فيه فتح باب التجنيد لقتال ضباط من الجيش مقابل مبلغ ألفي دولار.
ونشرت صفحة «الدفاع الوطني» في القامشلي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن ما يحصل هو «نتيجة خلافات بين ضباط من الجيش وقائدنا عبد القادر حمو». واعتبرت أن «قوات الهجانة هاجمت نقاط تمركز قواتنا في المربع الأمني ما أدى إلى نشوب اشتباكات أسفرت عن إصابات».
وسيطرت قوات النظام، الأربعاء، على حديقة «تشرين» ومدرسة «أبي تمام» المجاورتين لمقر إقامة قائد ميليشيا «الدفاع الوطني».
وعلمت «القدس العربي» من مصدر طبي في محافظة الحسكة أن عشرات المدنيين أصيبوا بالقصف المتبادل من دبابات النظام ومدفعيته المتمركزة في جبل كوكب من جهة وقصف مدافع الهاون التي أطلقها «الدفاع الوطني». ونشر مراسل الإخبارية السورية التابعة لحكومة النظام صورة لـ «حمو» قتيلا في أحد الأقبية، مساء الجمعة، قائلا إنه فجر نفسه بعد حصاره من قوات النظام.
يذكر القضاء على عبد القادر حمو، بما حصل مع قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل أبو خولة قبل أسابيع مع «قسد» حيث حاول التمرد على «قسد» فقامت باعتقاله ووضعه قيد الإقامة الجبرية، ما تسبب في انتفاضة عشائرية أو كان أحد أسبابها. ويشير إلى محاولات تمرد الميليشيات بعد توسع نفوذها في وجه قوة الدول الضعيفة والمتهالكة، كحال قائد فاغنر الروسية بريغوجين. حالة حمو لا يمكن مقاربتها مع فاغنر في الحالة الروسية، ولكن يمكن إسقاطها محليا في محافظة الحسكة الصغيرة.
فدعم الرجل وقربه من إيران وعلاقته المتينة بالحاج مهدي ودوره في تشكيل «سرايا الخرساني» نهاية 2022 جعله يعتقد أنه أصبح أكثر قوة من القادة الأمنيين لدى النظام السوري شرق الفرات. لكن غرور حمو جعله يخطأ الحسابات ويتسبب بهدم ما بنته إيران في العلاقة مع شيوخ العشائر ومحاولة استمالتهم، بعد اعتدائه على أحد أهم شيوخ قبيلة الجبور، الأمر الذي ألب العشائر ضد إيران ونشاطها في الحسكة، خصوصا وان الأولوية الإيرانية هي جمع القبائل وتأليبها ضد المشروع الأمريكي.
خروج «حمو» من المعادلة في الحسكة سيفضي إلى اعتماد إيران على قوتين تابعتين لها، هما «سرايا الخرساني» في مدينة الحسكة و «قوات المهام» في القامشلي، وهما فصيلان بنتهما إيران بروية وهدوء، الأولى هي فرع للميليشيا العراقية التحق بها عدد لا بأس به سابقا من الدفاع الوطني وعدد كبير خلال الأيام الماضية، وضبط المقاتلين الهاربين من ميليشيا «حمو» المنتهية والملتحقين بالسرايا سيحتاج إلى وقت لا بأس به، إلا أن نفس إيران ورجلها الأول (الحاج مهدي) سيؤدي إلى استيعابهم بطرق مختلفة، كما حصل بعد قضاء «قسد» على «الدفاع الوطني في القامشلي» حيث ورث الحاج مهدي اللبناني المقاتلين وألحقهم بالميليشيا الجديدة «قوات المهام» وأخضع أكفأهم لدورات تدريبية في معسكرات حزب الله في ريف دمشق، وتدربوا على قيادة الطائرات ثابتة الجناح الإيرانية والتي شنت هجومين على الأقل ضد القوات الأمريكية في محافظة الحسكة.
يتقاطع ما حصل مع قائد الدفاع الوطني في الحسكة اليوم وما حصل مع قائد مجلس دير الزور العسكري في الرغبة بالتخلص من القادة العسكريين المحليين الذين لعبوا دورا عسكريا وأمنيا لعدة سنوات واخراجهم من المشهد لصالح بناء توازنات وقوى أكثر انضباطا وانصياعا، سواء لصالح النظام وإيران في الحسكة أو لفائدة «قسد» في محافظة دير الزور، قوى تسعى للاستفادة من العشائر لصالح إيران والنظام، وقوى تسعى لتهشيم دور القبيلة لدى «قسد».