تشهد الساحة السياسية الفلسطينية تجاذبات خطيرة خلال الآونة الأخيرة؛ وصلت إلى حد التخوين ، الأمر قد يطيح بوحدة الشعب الفلسطيني التي ترسخت خلال هبة الأقصى الرمضانية ؛ وقد يؤسس ذلك لإعطاب منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت وماتزال الممثل الشرعي والوحيد، لهذا الشعب الذي قدم آلاف الشهداء والجرحى والأسرى على مذبح الحرية ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي .
ثمة أسئلة تبرز إلى الأمام في الذكرى السابعة والخمسين لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (1964-2021)؛ وفي مقدمتها الواقع والمصير؛ في ظل التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي حاولت نظم عربية شطبها وإلغاء دورها ؛ وخاصة بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد قصف وحصار إسرائيلي مبرمج إستمر لسبعة وثمانين يوماً في صيف عام 1982.
مؤتمر القمة العربي الأول
كان للفلسطينيين ممثلون في جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945 بالرغم من وقوعها تحت الاحتلال البريطاني، وكان مندوبو فلسطين في تلك الحقبة على التوالي؛ موسى العلمي ،عبد الكريم العلمي ، أحمد حلمي عبد الباقي ،أحمد الشقيري.
وفي مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964 الذي دعا إليه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية ؛ لتعبر عن ارادة شعب فلسطين ولتكون هناك هيئة تطالب بحقوقه وتقرير مصيره، وكلّف المؤتمر ممثل فلسطين آنذاك احمد الشقيري بالاتصال بالفلسطينيين وكتابة تقرير عن ذلك يقدم لمؤتمر القمة العربي التالي، فقام أحمد الشقيري بجولة زار خلالها الدول العربية واتصل بالفلسطينيين فيها، وأثناء جولته تم وضع مشروعي الميثاق القومي والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقرر عقد مؤتمر فلسطيني عام.
وقام الشقيري باختيار اللجان التحضيرية للمؤتمر التي وضعت بدورها قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الفلسطيني الأول الذي أُقيم في القدس بين 28 آذار/ مارس و2 حزيران/يونيو من عام 1964 ، وعرف المؤتمر باسم المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وقد انتخب هذا المؤتمر أحمد الشقيري رئيساً له، وانتخب كل من حكمت المصري من نابلس وحيدر عبد الشافي من غزة ونقولا الدّر من لبنان كنواب للرئيس، وأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية؛ وصادق على الميثاق القومي والنظام الأساسي للمنظمة، وانتخب الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة، وكلف المؤتمر الشقيري باختيار أعضاء اللجنة الدائمة الخمسة عشر، واختيرت القدس كمقر لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
كما قرر المؤتمر إعداد الشعب الفلسطيني عسكرياً وإنشاء الصندوق القومي الفلسطيني يرأسه ابن مؤسس البنك العربي وهو عبد المجيد شومان بجمع الأموال من الحكومات العربية ومن اللاجئين الذين طلب من كل منهم الإسهام بدولار واحد سنوياً .
وبعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ تم افتتاح سبعة مكاتب لها فعُيّن سعيد السبع في الجزائر وشفيق الحوت في لبنان وجمال الصوراني في مصر ومصطفى سحتوت في سوريا.
وانتهى المؤتمر بإصدار النص التالي”إيماناً بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس فلسطين، وتأكيداً لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه وعزمه وإصراره على إبراز كيانه الثوري الفعّال وتعبئة طاقاته وإمكانياته وقواه المادية والعسكرية والروحية، وتحقيقاً لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية ممثلة في قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول”.
وهكذا أنشئت منظمة التحرير وانتخب رئيساً للجنة التنفيذية الراحل احمد الشقيري، وكلف باختيارأعضاء اللجنة التنفيذية وعددهم 15 عضواً، فضلاً عن تشكيل 15 دائرة ؛ ومنها الدائرة السياسية ، دائرة شؤون الوطن المحتل ، دائرة الصندوق القومي الفلسطيني، الدائرة الاقتصادية التي الحق بها فيما بعد مكتب الإحصاء الفلسطيني .
الأرض للسواعد الثورية
بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من القدس وقطاع غزة ؛ أصبحت شعارات فتح الثورية “كل البنادق نحو العدو، والأرض للسواعد الثورية التي تحررها” تحظى بقبول متزايد في الشارعين العربي والفلسطيني.
وبات الجو مهيئا لكي تخطو فتح خطوتها التي رتبت لها منذ العام 1965، فتحرك الأعضاء التابعون لها في المنظمة وأحدثوا جدلا واسعا داخل لجانها المختلفة، وتقدموا بمطالب تدعو إلى إعادة تقدير الموقف ومراجعة الذات واتخاذ ما يلزم إزاء المرحلة الجديدة التي دخلتها القضية الفلسطينية بعد تلك الهزيمة المريرة. وفي 14كانون الأول/ ديسمبر 1967 تقدموا بخطوة أبعد، فطالبوا صراحة بتنحية أحمد الشقيري وأصروا على ذلك؛ حاول الشقيري معالجة الأمر لكنه لم يستطع واضطر للتخلي عن منصبه وتم تعيين االراحل يحيى حمودة، وهو أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة رئيسا بالوكالة لحين انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني.
بدأ في العام التالي 1968 نجم الراحل ياسر عرفات، أبوعمار يلمع في أفق السياسة الفلسطينية، حيث كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم حركة فتح، حيث كانت الحركة تكسب كل يوم شعبية جديدة في الشارعين العربي والفلسطيني، ساعدتها على ذلك النتائج الإيجابية لمعركة الكرامة التي خاضتها ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من الأراضي الأردنية في اذار /مارس 1968.
وفي العام المذكور وبفعل نشاط العناصر الفتحاوية داخل لجان المنظمة وفي المجلس الوطني الفلسطيني تهيأ رأي عام سهل عملية اختيار الراحل ياسر عرفات رئيسا للمنظمة، وهو ما تحقق رسميا عام 1969 فأصبح منذ ذلك الحين الناطق الرسمي باسم حركة فتح ؛هو رئيس منظمة التحرير ورئيس لجنتها التنفيذية ومجلسها العسكري، ولم ينته العام حتى أعلن عن دخول حركة فتح في المنظمة بشكل رسمي واستطاعت أن تؤكد على نهجها الثوري في ميثاق المنظمة كما نص على ذلك.
اتفاقات أوسلو
أصبحت حركة فتح بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في ربيع عام 1994 حزب السلطة؛ بعد أن كانت منذ عام 1969 حزب الثورة الفلسطينية خارج فلسطين، لتصبح السلطة الفلسطينية أحد أهم معالم اتفاقات أوسلو، التي رفضتها حركة حماس وقوى فلسطينية أخرى.
ولم تفض المفاوضات بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال الصهيوني التي استمرت لأكثر من عقدين إلى حصول الفلسطينيين على أي حق من الحقوق الوطنية الفلسطينية، بل على العكس توجت بانحياز أمريكي واضح للمواقف الإسرائيلية ، خلال فترة إدارة ترامب والتأكيد عليها من قبل إدارة بايدن الحالية، وخاصة في ما يخص قضية القدس والقضايا الجوهرية، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل مجمل الفصائل والقوى والشخصيات الاعتبارية والفعاليات الاقتصادية والمفكرين، والأهم الطاقات الشبابية الفلسطينية التي كان لها الدور الأبرز في إيصال رسالة فلسطين الى العالم خلال هبة الأقصى الرمضانية، وتالياً رسم الأولويات التي تمليها المصلحة الوطنية بعد فشل الأجندات الضيقة للأحزاب والفصائل الفلسطينية، والانطلاق إلى تفعيل مؤسسات منظمة التحرير؛ المجلس الوطني والمجلس المركزي فضلاً عن اللجنة التنفيذية على كافة المستويات، ناهيك عن أهمية تنشيط دوائرها والنقابات والاتحادات، فثمة 15 دائرة ملحقة بمنظمة التحرير وكل دائرة هي بمثابة وزارة.
ومن الدوائر التي يجب تفعيلها وتنشيطها بطرق جادة وبتوجهات جديدة ومدروسة؛ الدائرة الاقتصادية، الدائرة السياسية، دائرة العلاقات القومية، المكتب المركزي للإحصاء، دائرة التربية والتعليم، دائرة الثقافة ودائرة الشؤون الاجتماعية، كما تملي الضرورة استحداث دائرة للشباب الفلسطيني.
ويبقى القول إن الشعب الفلسطيني الذي رسخ الوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة خلال هبة الأقصى الرمضانية المستمرة بمفاعيل عديدة، على امتداد مساحة فلسطين التاريخية وفي كافة أماكن تواجده، يستحق إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس مدروسة ، لتشمل الطاقات الشبابية الفلسطينية في الداخل المحتل والضفة والقطاع وفي المهاجر القريبة والبعيدة؛ والذين كان لهم الدور المحوري في كشف عنجهية وفاشية إسرائيل أمام شعوب ودول العالم.
وقد تكون البداية تغييب الأجندات الضيقة وإيقاف حملات التخوين؛ خاصة وأن الشعب الفلسطيني مازال في مرحلة تحرر وطني؛ ولم يتحقق نصر حاسم على المحتل الإسرائيلي الذي يتربص بكم جميعا. لاتهدموا منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بأيديكم ؛فالوقت من دم والتاريخ لايرحم ؛ فالانحياز والبوصلة يجب أن تبقى دائماً باتجاه فلسطين وطن الفلسطينيين الوحيد.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا