واشنطن- مايكل هيرنانديز: قبل 22 عاما، عاش الأمريكيون صدمة مرعبة إثر ارتطام طائرتي ركاب بمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، كأول هجوم على الأراضي الأمريكية منذ هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر قبل 60 عاما.
ففي 11 سبتمبر/ أيلول 2001، استولت مجموعات صغيرة من الخاطفين على أربع طائرات ركاب أقلعت من نيويورك وبوسطن وواشنطن إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، واستخدمتها لضرب مبانٍ بارزة في نيويورك وواشنطن.
وضربت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بينما دمرت طائرة ثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن.
أما الطائرة الرابعة، فتحطمت في حقل بولاية بنسلفانيا، ويُعتقد أن الخاطفين كانوا يعتزمون استخدامها في مهاجمة مبنى الكابيتول، مقر مجلسي النواب والشيوخ (الكونغرس)، في واشنطن العاصمة.
بعدها بوقت قصير، أعلنت الولايات المتحدة إغلاق مجالها الجوي، في محاولة لوقف المزيد من الهجمات المحتملة.
وأودت الهجمات بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص، وتعرض نحو 400 ألف شخص لسحابة غبار مسرطنة، أغلبهم من رجال الإطفاء والشرطة الذين عملوا لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الناجين.
حرب عالمية على الإرهاب
عقب الهجوم، شرعت الولايات المتحدة في حملة دولية للقضاء على تنظيم “القاعدة” وجميع الدول التي توفر ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية، بعد أن تبنى التنظيم هجمات 11 سبتمبر.
وفي خطاب أمام أعضاء الكونغرس بعد تسعة أيام من الهجمات، قال الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش (2001-2009 ): “من اليوم فصاعدا، ستعتبر الولايات المتحدة أي دولة تؤوي أو تدعم الإرهاب بأنها نظام معادٍ”، معلنا وضع بلاده في “حالة تأهب للحرب”.
واعتبر أن “الطريقة الوحيدة لهزيمة الإرهاب الذي يهدد أسلوب حياتنا هي إيقافه والقضاء عليه وتدميره في مكان نموه.. (دول العالم) إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين”.
وفي إعلان رسمي للحرب العالمية على الإرهاب، أطلقت الولايات المتحدة، بعد نحو ثلاثة أسابيع من هجمات 11 سبتمبر، أول رصاصة ضد حركة “طالبان” الحاكمة في أفغانستان؛ إثر رفضها تسليم زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن، الذي وصفته واشنطن بـ”العقل المدبر” للهجمات.
وخلال شهرين، تمكنت قوات الولايات المتحدة وحلفائها من إسقاط نظام حكم “طالبان”، وبعد نحو عامين ونصف من بداية الغزو، أعلن وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد نهاية العمليات القتالية الرئيسية، لكن وجود القوات الأمريكية استمر في أفغانستان لمدة 18 عاما إضافية.
لكن “طالبان” عادت إلى السيطرة على الحكم في أفغانستان، في 15 أغسطس/ آب 2021، بالتزامن من اكتمال المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية والدولية من البلد الآسيوي.
وعلى الرغم من أن الحرب في أفغانستان هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن تداعيات حربها في العراق أدت إلى أعمال عدائية لا تزال مستمرة حتى اليوم.
فبعد أقل من عامين من غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، بدأت الحرب في العراق في مارس/ آذار 2003، إذ قادت واشنطن تحالفا دوليا أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين (1979-2003)؛ بزعم تطويره أسلحة دمار شامل وارتباطه بتنظيم “القاعدة”، وهي ما اتضح لاحقا أنها مبررات كاذبة.
ومحاولا تبرير الحرب على العراق، قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي قبل شهر من الغزو: “كل تصريح أدلي به اليوم مدعوم بمصادر موثوقة، ما نقدمه لكم هو حقائق واستنتاجات مبنية على معلومات استخباراتية موثوقة”.
لكن لم يتم العثور على أي أسلحة كيميائية ولا بيولوجية في العراق، رغم تحقيقات مكثفة أعقبت القضاء على صدام وجيشه، ليعلن باول لاحقا أن خطابه في مجلس الأمن كان “أكبر شي ندم عليه” خلال عقود من عمله في الخدمة العامة.
وعقب الإطاحة بصدام، شهد العراق أعمالا عدائية دموية متقطعة استمرت حتى انتهاء الاحتلال الأمريكي عام 2011.
ولا تزال واشنطن تحتفظ بقوات في العراق، بعد أن غيرت مهمتها من القتال إلى تقديم التدريب والاستشارات، لكن جماعات مسلحة عراقية تشن من حين إلى آخر هجمات على تلك القوات، مطالبةً بانسحاب أمريكي كامل.
مع اندلاع الحربين في أفغانستان والعراق، كانت معركة أخرى تدور تحت السطح شملت عمليات ترحيل سرية لمشتبه بهم في قضايا إرهاب تعرضوا لتعذيب وحشي في مواقع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والسجن العسكري الأمريكي سيئ السمعة في خليج غوانتانامو بكوبا.
وفي 2014، أصدرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي تقريرا يتألف من أكثر من 500 صفحة انتقدت فيه تصرفات وكالة الاستخبارات ضمن برنامج الاعتقالات بشأن الإرهاب ومحاولتها التقليل من مدى الانتهاكات والكذب بشأن فاعلية البرنامج.
وكتبت رئيسة اللجنة ديان فاينشتاين في التقرير: “قرر موظفو وكالة الاستخبارات المركزية، بمساعدة اثنين متعاقدين خارجيين، بدء برنامج للاعتقال السري إلى أجل غير مسمى واستخدام أساليب الاستجواب الوحشية في انتهاك لقيمنا وللقانون الأمريكي والتزامات المعاهدات”.
ومسلطا الضوء على انتهاكات ممنهجة واسعة النطاق ارتكبها ضباط الوكالة الأمريكية، رصد التقرير ممارسات تعذيب شملت الإيهام بالغرق، ووضع المعتقلين في أوضاع مجهدة لفترات طويلة، والحرمان من النوم والتغذية القسرية.
بعد حوالي 10 سنوات من عزو الولايات المتحدة لأفغانستان، تمكنت واشنطن من قتل بن لادن، حيث كان يقيم في مدينة أبوت آباد الباكستانية، على بعد أقل من ميل واحد من أكاديمية عسكرية رائدة في البلاد.
ففي في 2 مايو/ أيار 2011، عبرت طائرتا هليكوبتر من طراز “بلاك هوك” الحدود الباكستانية، وحلقتا على ارتفاع منخفض من منزل بن لادن، حيث أنزلت قوات من العمليات الخاصة الأمريكية اقتحمت مكان إقامته وقتلته وأخذت جثته للتأكد من هويته.
وبعد التأكد من هويته، دُفن جثمان بن لادن في مكان ما شمال مياه بحر العرب. وتعتبر الولايات المتحدة قتل بن لادن أهم انتصار لها في حربها على الإرهاب.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الهدف من دفنه في البحر هو الحيلولة دون تحول قبره إلى مزار ولئلا تصبح جثته رمزا للتبجيل أو مصدر إلهام لمتشددين.
لم يضع قتل بن لادن نهاية للحرب ضد الإرهاب، إذ ظهر تهديد إرهابي جديد في العراق يفوق بكثير المخاطر التي يشكلها تنظيم “القاعدة”.
ففي 2011، ظهر تنظيم “داعش” بشكل بارز بإعلانه ما أسمها “الخلافة”، واجتذب أتباعا من جميع أنحاء العالم تجمعوا في الجارتين العراق وسوريا.
وفي أوج قوته، سيطر “داعش” على ثلث سوريا و40 بالمئة من العراق، وسط حالة من عدم الاستقرار على نطاق واسع.
وعلى الرغم من دحر “داعش” في العديد من المناطق في البلدين، نتيجة حملة عسكرية دولية بقيادة الولايات المتحدة، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا في المنطقة وفروعا له في غرب إفريقيا وأفغانستان.
وحتى اليوم، تشارك قوات أمريكية في جهود دولية تهدف إلى إنهاء تهديدات “داعش” و”القاعدة”، لكن من دون نهاية قريبة تلوح في الأفق.
(الأناضول)