بعيداً عن نتنياهو و”علامته التجارية”.. هل يقود جدعون ساعر إسرائيل بحكومة يمين أيديولوجية؟

حجم الخط
0

السياسة فن الممكن، لكن ذلك لا يعني أن ليس هناك شيء مرغوب فيه يجب التطلع إليه، وربما صيغ هذا المرغوب في برنامج انتخابي يعكس قراءة توجه بخصوص الطريقة التي تريد الأحزاب أن تعرض وجهات نظرها فيها. ليس صدفياً غياب البرنامج السياسي من مواقع أحزاب الليكود و”أزرق أبيض” والعمل، فهو يعكس تبديل المضمون بالشكل. وليس تفسير ذلك أن لا رؤيا مرتبة لدى نتنياهو، لكن المضمون لم يعد في مركزها. الرؤيا غابت. في السياسة الحالية في إسرائيل يمكن الاكتفاء بشعار قابل للاستيعاب وبجمل قصيرة، ومن غير الواضح إذا كانت كتب في كراسة “آيكا” أو قالها يئير لبيد. وهذا ينعكس أيضاً في الاستثمار في الشعار. إذا عكس المعسكر القومي في الماضي فكرة، فإن علامة بيبي في أيامنا هذه أقوى من علامة الليكود. فقد خلق نتنياهو اختزالاً بينه وبين الحزب: الحزب يخدمه وليس هو الذي يخدم الحزب. لذلك عمل بدون توقف على تعزيز ماركته حتى على حساب الأيديولوجيا التي عليه أن يخدمها.

لرئيس الحكومة سابقاً كتاب كامل يشرح كيف يجب الانتصار على الإرهاب، ولكن تم إقصاء الايديولوجيا في معظم السنوات، وقد اختار إطلاق سراح مئات المخربين في صفقة شاليط. نتنياهو رجل تسويق، لذا يريد العثور على الرغبات الجماعية، ويحاول تلبيتها، أحياناً بثمن أيديولوجي منخفض مثلما في قضية نعومي يسسخار، وأحياناً مثلما في حالة جلعاد شاليط، من خلال الدوس على معتقداته. عندما اعتقد نتنياهو بأن هذا يخدم ماركته التجارية، لم يخف من القول في مقابلة مع قناة الكنيست (في العام 2012): “لقد طرحت اقتراحات لتقييد أو تقليص قوة المحكمة العليا… وقد منعتها جميعها”. ولمصلتحه نقول بأنه ناجح في تعزيز العلامة وتطويرها أكثر من كل خصومه السياسيين. سيطرته المطلقة على الحزب وحكومته جاءت نتاج ماركته التجارية. لهذا فإن وزراء في حزبه ينسبون كل إنجازات الدولة – بما في ذلك إنجازاتهم هم أنفسهم – لرئيس الحكومة. وليست هذه مجرد حملة استخذاء محرجة، بل هيكلية المحفزات التي خلقت في حزب السلطة والجميع يتصرفون طبقاً لها. وزعماء الأحزاب الأخرى يحاولون خلق آلية حوافز بواسطة السيطرة على قوائمهم في الكنيست، وأعضاء الكنيست التابعون لهم لا يمثلون أيديولوجيا، بل يؤيدون شخصاً، ليس أكثر من علامة تجارية منافسة.

ولأن الصراع السياسي فقد جزءاً بارزاً من حجمه الأيديولوجي، فإننا حصلنا في السنوات الأخيرة على حركتين سطحيتين بدرجة مخيفة بدلاً من يمين مقابل يسار: الليكود، الذي تحول بسبب بنية الحوافز إلى حزب لزعيم أكثر مما هو حزب لنهج، وباقي أحزاب “فقط ليس بيبي”. والتعادل السياسي الذي انجرت إليه إسرائيل يوجد فقط بين أحزاب أقسمت بالإخلاص لنتنياهو وبين أحزاب أقسمت بـ “عدم الجلوس معه”. إذا فحصنا الواقع من خلال المنظور القديم – معسكر وطني مقابل معسكر اليسار – يبدو التوجه مختلفاً تماماً. حسب الاستطلاعات الثلاثة الكبيرة الأخيرة، فإن كتلة اليمين تحظى بأغلبية غير مسبوقة في السياسة الإسرائيلية تبلغ 76 – 80 مقعداً، الأمر الذي يخلق فرصاً سياسية جديدة.

من هنا يتبين أن المصلحة الواضحة للمعسكر القومي هي إجراء انتخابات سريعة بقدر الإمكان. ولكن نتنياهو لا يمثل رؤية المعسكر الوطني فيما يتعلق بالمسألة الأكثر أهمية التي على جدول الأعمال: التوازن بين السلطات: فهو الذي أوقف كل محاولة لكبح الانقلاب القضائي؛ وهو الذي أوقف فقرة الاستقواء؛ وتغيير طريقة تعيين وخضوع المستشارين القانونيين؛ وتغيير طريقة تعيين القضاة للمحكمة العليا؛ وتجزئة وظيفة المستشار القانوني للحكومة وإصلاحات مهمة أخرى.

نتنياهو هو الذي عين روني الشيخ في منصب المفتش العام للشرطة، وأفيحاي مندلبليت في منصب المستشار القانوني للحكومة، وشاي نيتسان في منصب المدعي العام للدولة، وكذلك خلق الصفقات السياسية التي جلبت تسيبي لفني وآفي نسكورن إلى وزارة العدل. نتنياهو في الحقيقة محق في ادعاءاته اليوم ضد جهاز القضاء، لكنه لا يتهم إلا نفسه، وليس لديه في وضعه القانون هذا المزيد من الموارد السياسية لإصلاح المعطوب.

لجدعون ساعر فرصة كبيرة لإعادة سياسة الأفكار. فهو يستطيع إعادة المضمون إلى مركز المنصة، وبلورة المعسكر القومي حول فكرة. ودعوة ساعر لاستبدال نتنياهو ليست دعوة لاستبدال علامة تجارية بأخرى، بل دعوة لتغيير علامة بنهج أيديولوجي. لساعر رصيد أيديولوجي استثنائي: هو رجل أرض إسرائيل الكاملة الذي يعارض دولة فلسطينية، وهو شخص ثابت ومنهجي في جهوده لإلغاء الانقلاب القانوني؛ وقد أسس مؤسسة “حولوت” كجزء من نضال مهم وليس نضالاً شعبوياً ضد المتسللين؛ ونجح في الحصول على اعتراف بجامعة أريئيل في السامرة.

يجب عليه أن يضع في مركز حملته السياسية برنامجاً سياسياً واضحاً يدفع قدماً بهوية إسرائيل اليهودية، ويعمل على إصلاح عيوب الجهاز القضائي. وعليه تأسيس حزبه ليس كديكتاتورية متنورة، بل كحركة ديمقراطية نشطة. حكومة يمين أيديولوجية هي الآن في متناول اليد.

بقلمرونين شوفال

 هآرتس 20/12/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية