بغداد تسعى لإنقاذ بنوك عراقية تعرضت لعقوبات أمريكية

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: جهود محمومة تبذلها حكومة بغداد حاليا، لإنقاذ البنوك العراقية التي تعرضت إلى عقوبات بسبب خرقها القيود الأمريكية على نقل العملة الصعبة إلى إيران، ضمن محاولات لإعادة عملها في مجال تحويل المزيد من العملة الصعبة إلى الخارج، إضافة إلى مساعي الحكومة لتأهيل النظام المصرفي العراقي ومعالجة اخفاقاته المزمنة، بالتزامن مع انتقادات واسعة لأداء البنك المركزي العراقي وسوء إدارته للعملية المالية والاقتصادية في البلاد.

فقد أعلن البنك المركزي العراقي مؤخرا نتائج اجتماعاته مع الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفيدرالي والمصارف في نيويورك. وذكر البنك في بيان أن «وفدا تفاوضيا ترأسه المحافظ علي محسن العلاق، أجرى سلسلة من الاجتماعات المكثفة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، شملت مباحثات مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى لقاءات مع مجموعة من الشركات أبرزها (Visa، Mastercard وMoneyGram) فضلاً عن مصرفي (Citi Bank و JP Morgan) وكذلك شركات التدقيق الدولية (KPMG، E&Y، K2i و Oliver Wyman)».
وأشار البيان، إلى «لقاء سيتم بين مسؤولي البنك المركزي العراقي مع شركائه الدوليين بنهاية هذا العام بشأن التحول الكبير في إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية واستبدالها بالعلاقات المصرفية المباشرة بين المصارف العراقية وشبكة المصارف المراسلة الدولية». وأوضح البيان أن «الاجتماعات في مدينة نيويورك تناولت أيضاً آليات توسيع شبكة المصارف الدولية المراسلة وتأهيل المصارف العراقية لتلبية المتطلبات اللازمة لفتح حساباتها مع البنوك الدولية المراسلة؛ بهدف تمكينها من إنجاز تعاملاتها المالية».
ويذكر أن البنوك العراقية ومنذ عام 2003 لا يمكنها التعامل المباشر مع البنوك العالمية إلا عبر بنوك أجنبية وسيطة، وذلك لعدم التزام البنوك العراقية بالمعايير المالية الدولية المعتادة.
فيما أعلن البنك المركزي التعاقد مع شركة «Oliver Wyman» لإجراء مراجعة شاملة لأوضاع المصارف العراقية، سيما المصارف الممنوعة من التعامل بعملة الدولار الأمريكي.
وقال البنك المركزي في بيان إن «زيارة الوفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ناقشت أيضا استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني وسبل تنظيمها وتحفيز استخدامها بما يتماشى مع توجه العراق نحو الدفع الإلكتروني».
وتابع، «قدمت شركة التدقيق الدولية (KPMG) عرضاً تحليلياً موسعاً لاستخدامات تلك البطاقات معززاً بتوصيات ومقترحات لتعزيز الاستخدام المنظم واستيعاب الارتفاع الكبير في استخدام المواطنين لتلك البطاقات».
وفي هذا السياق، وفي محاولة للالتفاف على التعامل بالدولار بالمعاملات المالية الدولية، أعلن وفد البنك المركزي العراقي في نيويورك، عن بدء المرحلة الجديدة من عمليات التحويل الخارجي بمشاركة 13 مصرفاً عراقياً، وذلك في خطوة هامة تهدف إلى تعزيز تنوع العملات وتسهيل عمليات التحويل الدولي. وقال البنك في بيان، إن «هذا الإعلان جاء بعد التوصل إلى اتفاق حول آليات تنظيم هذه العمليات، حيث سيشمل التعامل بعملات اليورو، اليوان الصيني، الروبية الهندية، والدرهم الإماراتي». وأكد الوفد، حسب البيان، أن «تحديد نطاق عمل شركة التدقيق الدولية E&Y التي ستقوم بمراجعة عمليات التحويل، لضمان سلامتها وامتثالها للمعايير الدولية».
وكانت هذه القضايا المالية والاقتصادية، شكلت جانبا مهما من بنود زيارة رئيس الوزراء محمد السوداني إلى الولايات المتحدة قبل أشهر، ضمن محاولات لتصحيح عمل البنوك العراقية التي عاقبتها الولايات المتحدة بسبب عمليات غسيل الأموال وتهريب الدولار إلى إيران، وسط توقعات بالغاء «نافذة بيع العملة» في البنك المركزي استجابة للمطالب الأمريكية كونها وسيلة لتهريب العملة.
وعن المصارف العراقية المحرومة من التعامل بعملة الدولار، أعلن السوداني في مؤتمر صحافي، أن «الوفد العراقي عقد اجتماعات مهمة مع الخزانة الأمريكية، التي تعمل معها الحكومة العراقية والبنك المركزي، على إصلاح القطاع المالي المصرفي في العراق». وأضاف أن «الوفد توصل إلى حلول مرضية، تعالج أوضاع المصارف المحرومة من التعامل بالدولار من خلال تشكيل لجان تتولى مهمة تدقيق ما أُشر من ملاحظات على هذه المصارف، وامكانية إجراء إصلاحات داخل هذه المصارف باشراف البنك المركزي ليتم معالجة التعامل بالدولار لهذه المصارف في المستقبل».
ومن جانبه، ذكر محافظ البنك المركزي علي العلاق، في تصريحات متعددة، أنه «تم بحث الموضوع تفصيليا واتفقنا على تكوين فريق من الأطراف الثلاثة (البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي) لمراجعة التقارير من مختلف المصادر التدقيقية للوقوف على طبيعة كل مخالفة من المخالفات على المصارف ونحدد الإجراء التصحيحي المطلوب لكي تكون المصارف بوضع سليم وصحيح».
وبين أن «هناك خطة وضعت وتقوم شركة دولية برسم خريطة طريق والإجراءات المطبقة، وهناك موافقات وإشارات مبدئية من قبل بعض البنوك المهمة في المنطقة للدخول كشريك إستراتيجي لأننا نحتاج لتطوير إدارات المصارف والارتقاء بمستواها التفني والفني بشكل كبير لتحظى بمقبولية عالمية وتشق طريقها بشكل صحيح، إذ إن أغلب المصارف الحكومية ليس لها قنوات مع بنوك عالمية ومؤسسات دولية وهذا يجب أن يعالج».
كما كشف العلاق «أن العراق بدأ بعملية إعادة هيكلة المصارف العراقية، ضمن خطة لإصلاح المصارف» من خلال جذب شركاء استراتيجيين لتحديث منظومة المصارف الحكومية العراقية.
وأكد أن «التحقيقات مستمرة بشأن عمل المصارف العراقية المخالفة» مشيرا إلى «تكليف شركة أمريكية للتدقيق في عمل هذه المصارف» إذ ستعرض نتائجها على الحكومة العراقية والجانب الأمريكي لاتخاذ قرار بشأنها.

انتقادات للنظام المالي

وازاء اخفاق البنك المركزي في أداء مهامه، قامت اللجنة المالية النيابية باستضافة محافظ البنك المركزي وكبار المسؤولين فيه مرارا لبحث تداعيات فشل إجراءات البنك الخاصة بخفض سعر صرف الدولار وتداعيات العقوبات الأمريكية على البنوك العراقية، واتساع نفوذ بعض البنوك العربية والأجنبية في السوق العراقية وغيرها من المشاكل المالية.
وأعلن عضو اللجنة المالية النيابية حسين مؤنس، أن «هناك قراراً صادراً من البنك المركزي بإلغاء نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية في سنة 2024 لكنه لم يحدد الوقت المضبوط للشروع بالقرار». وأوضح أن «إلغاء نافذة بيع العملة مرتبط باعتماد المصارف الأهلية على المراسلة مع البنوك الدولية وطريقة تحويل العملة». وبين مؤنس أن «هذه الخطوة يجب أن يسبقها ارتفاع تصنيف البنوك العراقية، وهذا ما يؤهلها بالتعامل مع البنوك الدولية، لكن المشكلة الحقيقية التي نواجهها، هي أن البنوك العراقية لا تمتلك مراسلة وغير معتمدة في خارج البلاد».
ومعروف أن انتقادات متواصلة منذ سنوات وجهت إلى «نافذة بيع العملة» في البنك المركزي باعتبارها أبرز طرق تهريب العملة الصعبة من العراق تحت غطاء عقود استيراد مواد وسلع وهمية أو مبالغ فيها، وتقوم بها مصارف أهلية تديرها أحزاب ومافيات الفساد.
وتحدث عادل الدليمي (صاحب شركة صيرفة في بغداد) لـ«القدس العربي» قائلا «إن قطاع المال في العراق يشهد منذ 2003 فوضى عارمة ومخالفات للأنظمة المالية العالمية جعلت البنوك العراقية خارج التعاملات المالية الدولية وخاصة ما يخص تحرك الدولار من وإلى العراق». وعزى ذلك إلى سوء الإدارة من قبل البنك المركزي العراقي وفشله في منع تحكم المصارف الأهلية التي وصل عددها إلى 73 مصرفا بالشؤون المالية وتهريب العملة إلى الخارج وخاصة إلى إيران إضافة إلى عمليات تبييض الأموال التي تسرقها بعض الأحزاب وحيتان الفساد من الدولة. وكشف الدليمي أن «المصارف الأهلية أنشأتها الأحزاب والفصائل لغرض تحويل العملة الصعبة إلى الخارج، ما شكل نزيفا هائلا للدولار وارتفاع أسعار صرفه في السوق». مؤكدا ان البنك المركزي فشل في السيطرة على سوق العملة الصعبة أو الحد من تهريبها إلى الخارج.
واضاف الدليمي، أن عدم التزام البنوك العراقية بالمعايير الأمريكية في ما يتعلق بتبييض الأموال والعقوبات على إيران، دفع المؤسسات المالية الأمريكية إلى منع نحو 20 مصرفا عراقيا من القيام بتحويلات بالدولار، لكنها لا تزال تعمل في العراق باستخدام الدينار، كما أن العديد منها ما زال يشتري الدولار بالسعر الرسمي عبر نافذة بيع العملة في البنك المركزي.
ويرى المراقبون والاقتصاديون ان العراق ورغم ضخامة الموارد المتاحة أمامه، يواجه العديد من الأزمات المالية نتيجة سوء إدارة البنك المركزي للقطاع المالي والمصرفي ونتيجة تدخل الأحزاب ومافيات الفساد والتهريب بسوق العملة الصعبة في البلاد.
وتتركز أبرز المشاكل المالية في العراق في وجود عشرات المصارف الأهلية التي تعود لأحزاب ومافيات مالية هدفها تهريب أكبر قدر من العملة الصعبة إلى الخارج باتباع مختلف الطرق والآليات، للالتفاف على القيود والعقوبات الاقتصادية الدولية، حيث تعد المصارف الأهلية العراقية أحد أهم وسائل دعم الاقتصاد الإيراني والسوري بالعملة الصعبة للتخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية عليهما، إضافة إلى تمكن تلك المصارف من بناء أمبراطوريات مليارية في الخارج لصالح قوى وشخصيات متنفذة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية