بلتاجي الأردني وقصة أبناء القطاع

الحملة التي شنتها بعض الجهات في الأردن على عمدة العاصمة الجديد عقل بلتاجي لانه فقط من أبناء قطاع غزة الذين ساقهم القدر للعمل والإقامة وحتى الولادة في الأردن لا تنتمي للعصر الحديث إطلاقا.
ولا تنتمي إلى تلك اللغة التي يتحدث فيها الملك عبدالله الثاني شخصيا ولا تلك التي ترد في كل خطابات التكليف الملكية للحكومات المتعاقبة وهي بالتالي لا تنتمي بأي شكل او حال إلى ترسانة التشريعات والقوانين والنصوص الدستورية الناظمة للحياة السياسية والإجتماعية في الأردن.
التقليب مجددا بالسجل المدني لأسماء الموظفين الكبار يؤشر على اننا ما زلنا نعيش في منطقة الجاهلية الأولى حيث الهويات الفرعية والمحاصصة والكلام الغامض عن الوطن البديل والأصيل وقصة الفروقات بين الناس بدلا من إعلاء قيمة {المواطنة} والحق المدني ودولة القانون والمؤسسات.
بلتاجي بصرف النظر عن المكان الذي ولد فيه سبق ان تقلد العديد من المناصب الإدارية العليا في الدولة الأردنية ولم تسجل عليه أي نقاط فساد او تراخي أو ملاحظات إثراء من أي صنف.
والعاصمة التي كانت في الماضي أنظف عواصم العرب أصبحت أكثرها تراكما للقمامة رغم عدم وجود أي سبب من أي نوع يدفع مجلس البلدية للتقصير الفاضح والفادح بالقيام بواجباته البسيطة.
بلتاجي على نحو أو آخر رجل بيروقراط وسياسي {ممتثل} تماما لا يزاحم ولا ينافس ولا يخاصم احدا ويقوم بهدوء ونعومة بالمهام المطلوبة منه ولا يغرد خارج السرب وطوال سنوات كان مدافعا صلبا عن خيارات الدولة الأردنية وهي الملاحظة التي يمكن اخذها عليه من قبل المعارضة أو أطياف الحراك أو المواطنين الذين لا تعجبهم نطاقات الخدمة التي تقدمها الدولة.
سياسا لا يبدو الرجل من الطراز الشعبي الذي يهتم بإنطباعات الناس عن إجتهاداته الذاتية.
وأنا شخصيا ما زلت أرى فيه متحمسا لدرجة غير مفهومة ولا مقبولة للإتصال بالإسرائيليين وإستقبال سفراء الدولة الغاضبة ومصافحتهم عندما كان يقوم بواجبات الوظيفة الرسمية وكان يملك كأخرين خيارا بأن لا يفعل ذلك.
الواقع ان العوامل التي يهاجم عمدة عمان الجديد بسببها لا علاقة لها بإنحيازاته السياسية ولا بإستقبال السفير الإسرائيلي وهو وضع يشمل العشرات من كبار الموظفين والمسؤولين.
والغربب أن بلتاجي يهاجم وتصدر ضده البيانات مع جملة إعتراضية مسبقة تعترف بقدراته الإدارية وتتفاءل بما سينجزه خصوصا وأن المطلوب اليوم إنقاذ مؤسسة بلدية عمان من إنهيار حقيقي وليس إدارتها فقط.
كنت أفضل أن يهاجم الرجل بسبب حماسه لعملية السلام مثلا ولمستوى إمتثاله الإداري السياسي الذي يشبه فيه العشرات من أقرانه في الطبقة العليا وهو إمتثال أعتقد شخصيا أنه من أهم الأسباب التي أدت للعديد من المشاكل المستعصية الأن في الأردن.
لكن الرجل هوجم وإنتقد رغم الإجماع على قدراته وحاجة المدينة له لسبب واحد ويتيم وهو جذوره التي تعود من عند الجد الثالث إلى قطاع غزة .
ومثل هذا الهجوم أصبح متوالية هندسية في البلاد حيث يحترف البعض تنفيذ مثل هذه الهجومات بناء على الهويات الفرعية التي تجاوزها الزمن وأصبحت متعفنة ولا يمكنها أن تقدم لأي طفل أردني أي خدمة في المستقبل.
لا يجوز ولأسباب تتعلق بمستقبل البلاد وضمان أمن العباد الإقرار بأن جهة او احدا ما يستطيع الإدعاء بأي وقت بانه الأقدر على تمثيل الأردنيين وخدمتهم وتنفيذ واجبات الوظيفة العامة.
لو كان ذلك صحيحا لما أصبح عمر الحكومات في الأردن بمعدل لا يزيد عن سبعة أشهر ولما شاهدنا نفس الوجوه في واجهة الإعلام تخضع لعملية إعادة تدوير وتفرض على الناس والشعب بدون إستشارة.
الأصل في الواقع أن لا يتم تعيين بلتاجي أو غيره عمدة لمدينة مهمة ورائعة مثل عمان فهي العاصمة التي تكاد تكون الوحيدة في العالم{مع دمشق والرياض وعواصم الخليج دوما وطبعا} التي لا تنتخب عمدتها أو مجلسها البلدي.
والأصل أن ينتخب اهل عمان بالإقتراع الحر من يرغبون في تسليمه مقاليد بلديتهم..عندها فليأت أي أردني لموقعه عبر الصناديق العابرة للإرادة الرسمية وعندها سأخضع كمواطن {عماني} بإمتياز لعمدتي الجديد بصرف النظر عن مكان ولادة جده ووالده او مكان ولادته هو شخصيا أو العشيرة التي يمثلها فنحن جميعا اولاد تسعة ونتشارك بالرمل والشجرة والصحراء والنهر على حد تعبير الشاعر الراحل الكبير- رحمه ألله- حبيب الزيودي الذي كان يصر على أن الأوطان ملامح وليس مجرد مواطنين.
بالنسبة لي شخصيا وكمواطن عماني النشأة والولادة لم يمثلني احد كعمدة لعمان أكثر من إبن عشائر بني عباد المحترمة الدكتور ممدوح العبادي الذي منح العاصمة زخما خاصا عندما تولى الموقع بالتعيين.
لو قيض لي أن أمارس حقي وأقترع على رئيس البلدية وكان شقيقي أو إبني مرشحا لأخترت العبادي بلا تردد فهو إبن عمان ويفهمها جيدا وهي تفهمه كذلك أما الغرق في جدل التعيينات البائسة بين الحين والأخر فلا يخدم الناس ولا ينفع الحكم والدولة ولا يمكث في الأرض ولم يعد منتجا ولا يقود إلا للسقم والمرض الإجتماعي وحالات الإغماء الوطنية.
يمكن توفير عشرات الأسباب للإعتراض على تعيين بلتاجي ومنها مبالغاته الإعلامية المبكرة لكن لا يمكن إحترام أنفسنا ونحن نعترض عليه فقط لان جذروه تعود لقطاع غزة المبارك فالإنتماء لغزة هاشم ولفلسطين شرف لا يدانيه إلا شرف الولاء لتراب الأردن ولدماء شهدائه الأبرار التي روت أشجار وأزهار فلسطين.
من غير المعقول أن شهداء الكرامة من أبناء العشائر الأردنية البطلة الشريفة الذين سقطوا على أسوار القدس دفاعا عن كرامة الأمة العربية قدموا دمهم وتضحياتهم حتى نهبط نحن احفادهم في جدل عقيم وسخيف حول أصل ومنبت من يتولى المواقع الوظيفية التي لا تقل بدورها بؤسا عن بؤس الجدل على الهويات الفرعية.
قبل ذلك واجهت عاصفة مماثلة رجلا من من طراز محمد صقر عندما تولى إدارة مدينة العقبة الحرة فأبدع في عمله لكنه لم يستطع مواصلة الإنجاز لان بعض مفاصل الإدارة رفضت حمايته من حملة مماثلة كانت فكرتها فقط أنه من أبناء قطاع غزة.
أبناء غزة محترمون ومقدرون ولهم فضل في بناء الأردن كغيرهم من أبناء النسيج الإجتماعي وفوق ذلك يتألمون بين أشقائهم في الأردن بصمت وصبر الرجال لانهم محرومون من أدنى مقومات الحياة والمعيشة والحقوق دون ان تفعل الدولة الأردنية شيئا حتى تعيدهم إلى قطاعهم السليب.
أنا شخصيا وبصراحة لم يعجبني كثيرا قرار تعيين بلتاجي تحديدا لإدارة بلدية متعثرة مرهقة بالديون والمشكلات ولدي ملاحظات كثيرة على خط بلتاجي السياسي ولست متحمسا لإحتمالات النجاح.
لكن كل ذلك لا علاقة له إطلاقا بجذور الرجل الغزية المشرفة فنحن جميعا في النهاية من التراب إلى التراب ويوم القيامة عند لحظة الحساب العسير سننادى بأسماء أمهاتنا وستسقط أسماء عشائرنا وقرانا ودولنا.

‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في الاردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو الشباب:

    تعاطفي الشديد معك اخي ابو سلمان و من يقرأ المقاله و ما حصل لك و لعائلتك
    يظن بان باقي الناس في المخيم من المانيا و ان المدرس من العرق الاري و بان المجتمع في الاردن قريب من اخلاق المجتمع السويسري هذه هي طبائع العرب و ليس الامر عليهم بجديد

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية