بلومبيرغ: السعودية تواجه سيناريوهات قاتمة بأسعار نفط منخفضة وتراجع الحماية الأمريكية

حجم الخط
2

لندن ـ “القدس العربي”:
في مقال كتبه ليام ديننغ بموقع “بلومبيرغ نيوز” بعنوان “عالم السعودية الذي لم يكتمل” قال فيه إن المملكة تبدو اليوم في مركز السياسة الدولية من ناحية حرب الأسعار التي تخوضها مع روسيا والقمة الافتراضية التي ستعقدها كرئيسة لمجموعة العشرين إلا أن المستقبل يبدو مزعجا.
فرغم ما لديها من فرصة للتبختر على المسرح الدولي إلا ان كل هذا يأتي بثمن، فهي مثل بقية الدول المصدرة للنفط تواجه انخفاضا كارثيا في أسعار النفط. ولكن الأمر لا يتعلق بالمال كما يقول كتاب جديد يقدم مذاقا عما سيتركه كوفيد-19 وعالم السعودية الذي يتداعى. ففي كتابه “أمم غير متحدة: التكالب على القوة في عالم لا يحكمه أحد” قال المحلل في شؤون الجيوسياسية بيتر زيهان إن النظام العالمي الذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب ورعته الولايات المتحدة يتفكك.
وبعد سبعة عقود من عملية كبح الإنسانية حتى لا تغرق مرة ثانية في الفوضى العامة، بالتزام قوي بحرية التجارة والضمانات الأمنية الواسعة فإننا أمام مستقبل جديد. ولم تتشكل دول بالطريقة التي شكلت فيها الهيمنة الأمريكية السعودية التي يخصص لها الكاتب فصلا، فهي بلد معظم مساحته صحراوية وبمناطق قليلة مأهولة بالسكان. وظهرت من خلال حرب قبلية على ركام الدولة العثمانية. وربما كانت المملكة حديقة خلفية للإمبراطورية الأمريكية لو لم يكن لديها احتياطي هائل من النفط الذي أصبح بضاعة حيوية للطاقة العالمية. وربما كان النفط محلا لاستهداف المملكة من القوى الكبرى لولا وقت ظهور المملكة الذي تزامن مع الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة.
وكان من حسن حظ السعوديين أن أمنهم المطلق ارتبط بأمن أوروبا وأمن شرق آسيا والولايات المتحدة. واليوم فإن العمادين اللذان ميزا تاريخ المملكة خلال التسعة عقود الماضية- سوق النفط والحماية الأمريكية- ينهاران. فلم يعد النمو الدائم في الطلب على النفط أمرا مضمونا، فيما أصبح كوفيد-19 مثل الحلم المحموم يعبر عن كل الملامح السيئة لهذا. وفي الوقت نفسه ازداد التناقض الأمريكي تجاه الشرق الأوسط من خلال هزيمة العراق وازدهار النفط الصخري. ومع ظهور أمريكا كقوة مهمينة في مجال الطاقة، فإنها لم تعد تحتاج الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي استمر فيه العداء الأمريكي لإيران إلا أن تجاهلها للضربات التي تعرضت لها منشآت النفط السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 كان تذكيرا بأن العالم قد تغير.

كان من حسن حظ السعودية أن أمنها المطلق ارتبط بأمن أوروبا وأمن شرق آسيا والولايات المتحدة. واليوم فإن عمادي المملكة خلال التسعة عقود الماضية- سوق النفط والحماية الأمريكية ـ ينهاران

وتحاول السعودية التكيف مع الوضع الجديد، وكانت قادرة على عمل هذا لو كان سعر برميل النفط 100 دولارا وليس 30 دولارا، فالنفط يوفر ثلثي الموارد الحكومية. وبحسب حسابات شركة النفط السعودية فقد أدت موارد النفط وضريبة الدخل والأرباح للدولة لزيادة 208 مليار دولار في العام الماضي، لكن الرقم سينخفض هذا العام بـ 100 مليار دولار حتى مع زيادة انتاج النفط. كما أن موارد السعودية من شركة أرامكو ستنخفض هذا العام وسط التأثير الذي يعيثه كوفيد-19 على سوق النفط والطلب عليه. وبناء على هذا فالسعودية لديها صافي من الأرصدة الأجنبية بـ 700 مليار دولار، وهذا يمنحها الوقت وليس المناعة. ومن الصعب التقليل من عمليات إصلاح الاقتصاد المطلوب، فثلثي القوة العاملة الوطنية (مقابل الوافدين) هم من موظفي الحكومة وبرواتب تأخذ نسبة 40% من النفقات العامة، مما يعني صعوبة تخفيض الميزانية وتنفيذه. وكما هو الحال فقد جلب النفط ثروات هائلة ولكن على حساب الدينامية الاقتصادية. وأحد ملامحه المهمة هي أن الدعم السعودي للوقود شوه طريقة استهلاكه المحلي. وهذا لا يعطي صورة عن اقتصاد متعاف وحديث يدخل عالما يحاول تخفيض مستويات الكربون. وفي دراسة حديثة قامت على النماذج المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أجراها صندوق النقد الدولي توصلت إلى أن الدخول في طريق مستدام يقتضي التكيف السريع المساوي للاقتصاد غير النفطي أو القائم على الغاز الطبيعي. وبعبارات أخرى فهذه الدول تكتب شيكات لا يستطيع جيل المستقبل دفعها.
وفي نفس الوقت يتلاشى الدعم الأمريكي، فأمريكا لم تنسحب بالكامل، ولكن رسائل الكونغرس المهددة كشفت على أنه لا يمكن الاعتماد عليها. ومن هنا فمحاولة ربط أمريكا ببرنامج جديد لإدارة السوق- سمه أوبك مضاعف ولكن غير جيد- هي محاولة للحفاظ على كتلة متداعية من القوى.
وبدلا من الرد بحذر شديد على كل هذا يتوقع زيهان أن ترد السعودية بعدوانية كبيرة. وستحاول السعودية التي تحيط بها جماعات وكيلة موالية لإيران ولديها جيش ضعيف استغلال تشتت عدوها وثروتها لدعم جماعات وكيلة تابعة لها. والفكرة هي افتعال حروب صغيرة في المنطقة لكي تتجنب مواجهة مدمرة. وهو ما يطلق عليه زيهان “تخريب جيوسياسي”. ويصف الكاتب كتاب زيهان بانه مثير للانقباض، ومع أنه لا يزال سيناريو إلا أنه ليس مجرد تكهنات. فالسعودية تدخلت في النزاعات الأخرى من أفغانستان إلى سوريا، وتبنت سياسة تشدد في اليمن ومع قطر في ظل الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان. ويقول الكاتب إن ظهور محمد بن سلمان يمثل قفزة من جيل الحكام الكبار في العمر إلى حكام جيل الألفية. وما تبع ذلك من مركزة للسلطة في يديه لم يكن إلا تحولا رمزيا. والملمح المهم هو تبنيه الشعبوية وتخفيف بعض القيود على المرأة.
ويشير إلى أنه وفي مقال مثير لكريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن فقد وضعت هذه التحركات ضمن سياق أوسع نحو تبني القومية كوسيلة لشرعنة الدولة. وبدا هذا واضحا في اكتتاب شركة ارامكو والتي انتهت كتمرين في العزة القومية أكثر منها جمع أموال. فمن خلال تشجيع الدولة المواطنين على اقتراض المال فإنها كما تقول كريستين: ضاعفت من معرفة الناس حول مخاطر النفط وضخمت من ثمن الانكماش الحالي. وقد لا تكون التضحية الأخيرة التي ستطلبها الدولة السعودية من المواطنين. ولو تدهور الاقتصاد أكثر فستعتمد الدولة على السرد الوطني لتشجيع العمل القوي والأخلاق والاعتماد على النفس. ومن الإنصاف القول إن حاكما عنيدا لا يخضع للرقابة ويقوم بتعزيز الحماس الوطني لمواجهة الصعوبات الاقتصادية ليس نموذجا يؤدي إلى نتائج ناضحة.

=

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد السوري:

    اعتقد ان حرب أسعار النفط السعودية ليست ضد روسيا بل ضد النفط الأمريكي بعد ان خذل ترامب السعوديين في مواجهة طهران

  2. يقول احمد:

    اللهم جفف كل ابار النفط في العالم لم يجلب الا فقر و الدمار

إشترك في قائمتنا البريدية