لندن – “القدس العربي”: نشر موقع “بلومبيرغ” تقريرا عن زيادة معدلات شراء السعودية في أذونات وسندات الخزانة الأمريكية ومنذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب.
وقالت ليز ماكورميك في التقرير إن ترامب يواصل الدفاع عن ولي العهد السعودي الذي يعيش في ورطة، فالسعودية لديها الكثير مما تكسبه من خلال التصرف بطريقة جيدة.
وقالت إن العلاقة العاطفية بين ترامب ومحمد بن سلمان أصبحت موثقة من خلال الصور، وصفقات السلاح الأمريكية بمليارات الدولارات وطبعا الاستعداد لتجاهل الأدلة التي تشير لتورط ولي العهد في جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
إلا أن الشيء الذي لم تتم ملاحظته هو الحماس والسرعة التي تشتري فيه المملكة الديون الأمريكية. فبعد أن خفضت السعودية من امتلاكها للدين الأمريكي طوال عام 2016 إلا أنها عادت وراكمت استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية وبشكل أكبر بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
وبناء على الأرقام الأخيرة التي كشف عنها فقد وصل حجم استثمارات السعودية في سندات الخزانة الأمريكية إلى 177 مليار دولار، ولا توجد دولة أجنبية اقرضت الولايات المتحدة بهذه السرعة.
وتساءلت الكاتبة إن كان الأمر “مصادفة”، وأجابت أنه من الممكن تقديم تفسيرات متعددة لهذا التوقيت للدولة المصدرة للنفط بدون أن يكون هناك منفعة سياسية، فربما ارتبط بزيادة موارد النفط أو تجنب المخاطر أو تحول من الصكوك ذات العائد السلبي. ومع ذلك فإن المبلغ الذي نتحدث عنه لا يؤثر ولا قيد شعرة على الاحتياجات المالية الأمريكية في ظل زيادة العجز بالميزانية بسبب التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب.
ومهما كان السبب فما هو واضح هو أن الرئيس ترامب يواصل دفاعه عن محمد بن سلمان في وجه النقد الموجه له بسبب الحرب في اليمن ودوره في جريمة القتل الشنيعة لجمال خاشقجي. وعليه فالمملكة لديها الكثير مما ستكسبه من خلال الظهور بمظهر من يقدم الدعم المالي لحليفها الأهم، حتى ولو لم يكن في نيتها هذا. وهذا الوضع صحيح بعدما ظهرت تقارير في شهر أيار/مايو أن الصين تفكر ببيع سنداتها لمعاقبة ترامب على الحرب التجارية، مع أن البلدين توصلا لهدنة في قمة العشرين بأوسكا.
ويرى مارتن أنديك من مجلس العلاقات الخارجية الامريكي أن “هذه علاقات تقوم يد بغسل اليد الأخرى” مضيفا أن أن “شراء السندات قد يكون تعبيرا عن قوة العلاقات”. ويقول أنديك إن لا معرفة قوية لديه بالوضع وأن سندات الخزانة تجذب بشكل طبيعي البترودولارات السعودية. ولكنه قدم تفسيرا مفاده أن ترامب يريد من السعودية ضخ كميات جديدة من النفط مع تصاعد التوتر مع إيران للحفاظ على أسعار النفط. وزيادة في الإنتاج تعني زيادة في البترودلاور التي يمكن تديرها مرة ثانية في سندات الخزانة. والأرقام تشير للزيادة، فمنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2016 وقبل شهر من انتخاب ترامب وخلال شهر نيسان/إبريل هذا العام زادت السعودية من ملكيتها لسندات الخزانة الامريكية من 97 مليار دولارا إلى 177 مليار. وهي زيادة بنسبة 83% وهي أعلى نسبة بين الدول الأجنبية. كما أن الزيادة مهمة في الطريقة التي قللت فيها السعودية ملكيتها لسندات الخزانة في الأشهر التي قادت لانتخاب ترامب حيث قللتها بنسبة 30%. والسبب مرتبط بالعجز في الميزانية السعودية الذي يعد الأكبر منذ ربع قرن، ولكن هناك دوافع سياسية.
ففي نيسان /إبريل العام الماضي نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا، قالت فيه إن السعودية هددت إدارة باراك أوباما ببيع سنداتها وأصولها المالية في الولايات المتحدة المقدرة بحوالي 270 مليار دولار لو صوت الكونغرس لصالح قانون العدالة ضد الإرهاب (جاستا)، والذي يسمح لعائلات الضحايا بتقديم الحكومة أو أي مسؤول سعودي للمحاكم الأمريكية بتهمة دعم هجمات 9/11.
وجاء هذا أيضا بعد اتخاذ الإدارة الأمريكية خطوات حذرة للتقارب مع عدوة السعودية إيران وتوقيع اتفاقية نووية خرج منها ترامب العام الماضي. ومع ترامب لدى المملكة كل حافز لكي تتصرف بطريقة جيدة معه.
فبالإضافة لخرقه تقاليد الرئاسة الأمريكية بأن تكون أول زيارة خارجية للرئيس الجديد إلى دول الجوار، أختار ترامب السعودية لتكون محطته الأولى، فيما أقام صهر الرئيس جارد كوشنر علاقة صداقة مع ولي العهد.
وفي يوم السبت دعا الرئيس ولي العهد لإفطار أثناء قمة العشرين وكال المديح له والعمل “الرائع” الذي يقوم به وأثنى على الصداقة القوية.
وقلل الرئيس من دور بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي رغم تقييم (سي آي إيه) وتصويت المشرعين في الكونغرس على تحمل الأمير دورا في الجريمة. وفي أيار/مايو تجاوز ترامب الكونغرس وصادق على صفقة أسلحة بقيمة 2 مليار دولار إلى السعودية والتي صوت الكونغرس لمنعها.
ويقول النقاد إن تعامل ترامب مع السعودية رغم الشكوك حولها قدم غطاء لمحمد بن سلمان، الذي استقبله الغرب كمصلح ليقوم بعمليات قمع ضد نقاده في البلاد وشنه حربا في اليمن مات فيها حسب الأمم المتحدة حوالي 200.000 شخصا.
وفي حالة لم تكن هناك دوافع سياسية وراء زيادة استثمار السعودية في سندات الخزانة الأمريكية، يرى البعض أنها تقوم بالتحول عن الصكوك الأوروبية التي لا تقدم إلا الربح القليل. وربما كان السعوديون يريدون في هذا التحول إلى سندات الخزانة تحوطا من نمو عالمي ضعيف.
ويقول مارك تشاندلر من مؤسسة “بانونكبيرن غلوبال فوركس” “أشك أن هذا أمر يتعلق بإدارة الدين” وليس مدفوعا بالسياسة “، خاصة أنه لم يحصل زيادة في الإحتياطي الأجنبي السعودي”. وربما كانت السعودية تضخ مالا أكثر من أجل وقف العجز خاصة أنها تزيد من نفقاتها. ولكن احتياطات السعودية في أمريكا ظلت مرتبطة بحسابات سياسية. وظلت هذه ولأربعة عقود سرا وكجزء من اتفاق استراتيجي مع إدارة نيكسون.
وربط الاتفاق بين بلدين لا يشتركان في القيم وشكل العلاقات بينهما لعقود، ولم تبدأ الولايات المتحدة تكشف عن حجم الأموال السعودية إلا في أيار/مايو 2016 بسبب قانون حرية المعلومات.