إصرار الإدارة الأمريكية على إجراء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في جو صارم من السرية، له دلالاته وله مقاصده، أما الدلالات فإن ما يحدث في هذه الكواليس بعيدا عن الشفافية ووسائل الإعلام، يعني أن الطبخة كلها تتم وفق مقادير ومعايير لا تتناسب مع تطلعات أحد الأطراف المتفاوضة، وفي الغالب أن هذا الطرف هو الفلسطينيون الذين سيقوا إلى المفاوضات دون أن يملكوا ورقة ضغط واحدة، ولذلك تصر الإدارة الأمريكية على هذه السرية فهي تعلم أن الشعب الفلسطيني على حافة الانفجار، بسبب يأسه وتضييق الاحتلال عليه،فإذا ماتسربت لديه أخبار كارثية فإنها ستقلب الطاولة وتعيد الجميع إلى المربع الأول، ومن الدلالات أيضا أن تكثيف هذه المفاوضات وبهذه السرية المطبقة، يستفيد بالمطلق من انشغال العالم بالملف السوري، مع أن مايحدث في كواليس كيري والمفاوضات ربما يكون كارثيا على المنطقة أكثر من الملف السوري برمته. ونحن العرب في ثقافتنا أن المخبأ بندوق، والبندوق هو ابن الحرام، وفي تجربة الفلسطينيين بندوق ما زال يكبر رغما عنا بتداعياته المزعجة واسمه الرسمي المعلن والمعروف دوليا هو اتفاق أوسلو، وفي مصطلحنا الفلسطيني والعربي ‘الخازوق’ ولذلك نرى اوباما يصدر تعليماته للمفاوض الفلسطيني دون الاسرائيلي، بأن ييسر التفاوض ولا يسمح بما يؤدي إلى انهيارها، لأنه يعلم أن مايطرح في الكواليس على الفلسطينيين، هو معادل موضوعي لتجريد إنسان من ثيابه، ومحاولة إقناعه بأن هذا التجريد لغايات رياضية تنسجم مع ارتفاع درجة حرارة الأرض في الوقت الذي يكون التجريد لغايات الابتزاز والاغتصاب والحشر في الزاوية.أوباما يعرف من يخاطب ومن ويأمر، لذلك لم يخاطب إسرائيل التي تفاوض ورجلاها في ماء بارد وتملك من الأوراق ما يجعلها في معادلة المفاوضات فحلا بريا، لا يقف في وجه نزواته حتى الأسد الدولي ممثلا في أوباما، مما يعني أن مايحدث في الكواليس ليس مفاوضات، وإنما محاولة جديدة للاغتصاب، لاستيلاد بندوق جديد شقيق لأوسلو. أما مقاصد الإدارة الأمريكية من توقيت المفاوضات وتكثيفها في هذا الظرف الدولي الحرج، فهو إنتاج اتفاق فلسطيني إسرائيلي بالتزامن مع تقليم أظافر الأسد، لإنتاج جار سوري هزيل وبهذه الطبخة تكون أسرائيل قد أحيطت بجيران مهذبين من جميع الجهات، ويتعايش معها في الداخل الفلسطيني شعب مهذب يأكل ويشرب وينام ولا يفكر بالحرية والمقاومة والاستقلال؛ ليتم بعد هذا السيناريو تتويج إسرائيل بصفتها أمريكا الشرق الأوسط، وضمن هذه المعادلة ستتفاوض إيران على ملفها النووي، وتقدم تنازلات في سورية مقابل مكاسب تسعى إليها تاريخيا في منطقة الخليج وترسيخ نفوذها في العراق، ورفع للعقوبات الاقتصادية، وهذا يعني أن السيطرة والنفوذ بالمطلق ستكون لإسرائيل وإيران. وصح النوم ياعرب. د. أحمد عرفات الضاوي