بنغازي عروس الشرق الليبي بين عراقة الماضي وصمود الحاضر

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس ـ «القدس العربي»: لؤلؤة الشرق الليبي الصامدة رغم الظروف والمآسي، شرارة ثورة فبراير وحاملة لواء التغيير، مدينة بنغازي الليبية تحمل في طيات قصتها محطات عدة من التاريخ والحضارة.

هي إحدى أكبر المدن في ليبيا، تطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن العاصمة طرابلس حوالي 1023كم، ويعتقد أنّ بداية إنشاء بنغازي ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد وهي ثاني أكبر المدن الليبية من حيث عدد السكان.
تقع بنغازي في الجزء الشمالي الشرقي من ليبيا، وتطل على ساحل البحر المتوسط، وتتميز بطقس دافئ ومناخ شبه جاف، فصيفها حار وجاف، وشتاؤها معتدل ممطر في بعض الأحيان.
وتعد بنغازي ثاني أكبر مدن ليبيا من حيث عدد السكان بعد طرابلس العاصمة، إذ بلغ عدد سكانها حسب التعداد العام للسكان سنة 2012 حوالي 562 ألف نسمة.
موقعها الإستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط وتقاطع طرق قوافل التجار والحجاج جعلها مقصد هجرات من الداخل والخارج، فجمعت تركيبتها الديموغرافية بين شرائح وأعراق مختلفة عربية وبربرية وتركية ويونانية وأفريقية وغيرها، مسلمين ويهودا.
وكان معظم سكان بنغازي من المهاجرين والتجار القادمين من مصراتة وساحل طرابلس ثم استقرت جماعات من التجار تنسب إلى تاجوراء ومسلاته وزليتن وأعادوا إليها الحياة وحملت اسم كوية الملح، أي قرية الملح وفي منتصف القرن السادس عشر للميلاد عرفت كميناء وتنسب إلى صاحب أقدم ضريح بها من الأولياء فكانت مرسى ابن غازي.
أما عن مناخها فيتصف بأنّه معتدل يميل إلى الدفء بشكلٍ إجمالي، حيث يسود مناخ البحر المتوسط شمال المدينة، ومناخ شبه صحراويّ في المنطقة الجنوبية منها، ويمتاز صيفها بأنّه حارّ، يرتفع فيه معدل الرطوبة، أمّا الشتاء فهو معتدل الحرارة، وتتساقط فيه كمية من الأمطار، يتراوح معدل الهطول السنوي 268 ملليمتراً.

حدائق التفاح الذهبي

سميت بنغازي بمدينة هيسبيريدس وهم مستوطنون من الإغريق ربما جاءوا من قوريني أو برقة وقاموا بتأسيس المدينة وأطلقوا عليها اسم هيسبيريدس والتي تعني حدائق التفاح الذهبي في الفترة من 525 ق.م إلى 515ق.م ولهذا الاسم مدلول عند الإغريق ربما يعنى أقصى الغرب وكما إن له ارتباطا بمعالم الأساطير اليونانية خصوصا أسطورة هيسبيريديس.
وحسب الأسطورة فقد أهدتها الأرض إلى الآلهة هيرا بمناسبة زواجها من كبير الآلهة زيوس، أما اسم هيسبيريدس في الميثولوجيا اليونانية فيخص الحوريات اللائي لجأن إلى حديقة غناء في العالم المحظوظ في ليبيا القديمة.
ومن المعروف إن هذه المدينة قد بنيت عند الطرف الشمالي لسبخة السلماني فوق مرتفع من الأرض التي تعرف باسم مقبرة سيدي عبيد، ومع مرور الزمن نمت وامتدت نحو الجنوب الشرقي بجوار سبخة السلماني وهي المنطقة المقابلة لمقبرة سيدي أعبيد.
وأقدم إشارة لمدينة هيسبيريديس هي في أثناء الحملة الفارسية التي بعث بها والي مصر الفارسي للانتقام من مدينة برقة بعد مقتل اركسيلاوس الثالث عام 515 ق.م حيث يذكر أن هذه الحملة الفارسية تقدمت حتى مدينة هيسبيريديس.
وأقدم قطعة للعملة أصدرتها هذه المدينة يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 480 ق.م حيث يحمل أحد وجهيها نقشاً يمثل نبات السيلفيوم بينما تظهر على الوجه الآخر صورة دلفين.
وتسمية المدينة باسم بنغازي قد حلت شيئاً فشيئاً محل تسمية برنيق القديمة. ويرى البعض أن بن غازي أصلها بالتركية لغوياً الألف غازي، حيث أن الدولة العثمانية قد جعلت هذه المدينة نقطة غزو ضد سفن النصارى، فكلمة بن هنا معناها الألف.
ووقع اختيار عدد من المؤسسات والمنظمات على مدينة بنغازي كعاصمة ومقر لها ومن أبرزها البرلمان الليبي، والمكتبة الوطنية، والخطوط الجوية الليبية، والمؤسسة الوطنية للنفط، وتعتبر مركزاً للوحدات الاقتصادية من أبرزها شركة الخليج العربي للنفط، ومصرف الإجماع العربي، والمصرف المتوسط والخطوط الجوية الليبية.
كما تحظى مدينة بنغازي بمكانة ثقافية كبيرة، إذ تعتبر عاصمة للثقافة الليبية، وتعتبر مقراً لأول جامعة أنشئت في البلاد وهي الجامعة الليبية، بالإضافة إلى وجود مسارح ودار الكتب الوطنية الليبية.

تاريخ المدينة

يعود تاريخ بنغازي إلى العصر الفينيقي والروماني وقد كانت مركزًا اقتصاديا وثقافيًا وتجاريًا في المنطقة الشرقية لليبيا في القرن التاسع عشر، احتلت بريطانيا المدينة وأصبحت جزءًا من ليبيا بعد استقلال البلاد عام 1951. في السنوات الأخيرة، تعرضت بنغازي للعديد من الصراعات والانقسامات بين التيارات المختلفة للمجتمع الليبي، وخاصة خلال الثورة الليبية في عام 2011 والحرب الأهلية في الفترة بين 2014 و2020.
كانت المنطقة الواقعة بين مدينة الإسكندرية في الشرق وطرابلس في الغرب تعرف قبل الفتح الإسلامي ببلاد إنطابلس وتتبع مصر إداريا وكان بطريق الإسكندرية يحمل لقب طريق مصر وإنطابلس.
وفي سنة 22 هجرية اتجه القائد عمرو بن العاص بعد أن فتح الإسكندرية غرباً نحو بلاد إنطابلس، فلم يجد مقاومة تذكر من سكانها الذين صالحوه على دفع جزية قدرها ثلاثة عشر ألف دينار سنويا، وأصبحت بلاد إنطابلس تنعم بالأمن والسلام وحرية ممارسة الطقوس الدينية أكثر من أي منطقة أخرى تحت السيادة الإسلامية ولذلك قال عنها عبد الله بن عمرو بن العاص: «لولا مالي بالحجاز لنزلت ببرقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها».
عاودت المدينة الظهور من جديد في أواسط القرن الخامس عشر ميلادي، ومن بين من ساهموا في ذلك التجار القادمين إليها من إقليم طرابلس، وأطلق عليها في عام 1450 بنغازي وكان لديها مرسى اسمه مرسى بني غازي الذي ظهر إلى حيز الوجود لأول مرة عام 1579 على خريطة قديمة رسمها جغرافي عربي اسمه علي بن أحمد بن محمد الشريف من صفاقس بتونس نسبة إلى ولي صالح يعرف باسم سيدي غازي كان ضريحه فوق ربوة داخل مقبرة سيدي خريبيش.
استولى الأتراك على المدينة سنة 1578 ثم بعد ذلك حكمها القرنامليون سنة 1711 إلى أن عادت إلى الأتراك سنة 1835 وبقيت كذلك إلى الاحتلال الإيطالي 1911.
ثم بعد الحرب العالمية الثانية صارت مقراً للإدارة العسكرية البريطانية في برقة وعاصمة لحكومة برقة سنة 1949 ثم إحدى عاصمتي المملكة الليبية المتحدة منذ الاستقلال سنة 1951 وقد عرف العهد القرناملي في مدينة بنغازي بحدوث المجاعة وانتشار الأوبئة والفوضى السياسية وانتشار الذباب انتشاراً ملفتا للنظر. وعند سقوط أسرة القرمانليين عاد الاحتلال التركي وكان إيداناً ببدء عهد من الازدهار بالنسبة لمدينة بنغازي وأبرز مظاهر التقدم تجلى في الجانب الصحي وفي نهاية الحكم التركي دخلت معالم جديدة على مدينة بنغازي.
وقد كانت أهم هذه التجديدات إنشاء ضاحية البركة وربطها بمدينة بنغازي وبدأت تظهر عدة قرى حول مقابر سيدي حسين وسيدي داود كما شيدت ثكن عسكرية كما بنى مقر ومبنى عسكري ثم قاموا بمد أول خط للسكك الحديدية وشيد أيضاً عند الميناء رصيف صغير ومنارة لهداية السفن، أما بالنسبة للمدينة فاقيمت فيها عدة مساجد كما تم ترميم جوامع أخرى وكذلك شيد فيها دار للبلدية.
من الأحداث التي وقعت خلال العهد العثماني الثاني من حيث علاقتها بتاريخ برقة المعاصر دعمها للحركة السنوسية، ومن المعلوم أن أولى الزوايا السنوسية أنشأها السيد محمد بن علي السنوسي في البيضاء عام 1843.
وقد أسست في مدينة بنغازي عدة زوايا تمثل عدة طرق صوفية إسلامية، والعروسية والعيساوية والرفاعية والسعدية.
وفي فترة الاحتلال الإيطالي تم إنشاء الحدائق كما شيدت عمارات ضخمة مثل المسرح الذي شيد سنة 1932 والجامعة التي كانت مقراً للحاكم ومبنى للبرلمان كان مشيداً على الطراز المغربي وحول فيما بعد إلى مقر للقيادة الفاشستية، كما أن هناك بناية كبيرة ذات أبراج تعرف بقصر الأعيان.
وعقب نيل الاستقلال شرع سكان بنغازي في بناء المباني والعمارات وزودت الحكومة المدينة بمحطة كهربائية كما مدت خطا جديدا من الأنابيب وشهدت المدينة طفرة اقتصادية ونشاطاً عمرانياً بعد تصدير البترول سنة 1963م.

منارة بنغازي

وبالحديث عن أبرز المعالم فيها فتتربع منارة بنغازي على عرش أهم المعالم التاريخية بالمنطقة، أو كما تعرف عند السكان الأصليين بمنارة سيدي خريبيش، نسبة لاسم مقام الولي الصالح الذي يشاركه في حراستها أيضاً مقام سيدي غازي رغم إزاحة الرئيس الليبي الراحل لأضرحتهم.
وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بها جراء اشتباكات السنوات الماضية، إلا أنها ما زالت تقف شامخة على أعلى نقطة في «العصية» (لقب تعرف به بنغازي) قبالة البحر، فلا يمكن لأي زائر أن يغمض عينيه أمام حضورها التاريخي والاستراتيجي باعتبارها كانت تسهم بفانوسها المعلق في الأعلى بإرشاد السفن القادمة لميناء بنغازي.
جمالها الخارجي تشوه بسبب الثقوب التي نحتتها قذائف الحرب على جدرانها، لكنها لم تستسلم ولم تسقط، بل استعادت رونقها من جديد إثر عمليات الترميم التي سهر على تنفيذها بعناية جهاز المدن التاريخية فرع بنغازي بالتعاون مع السفارة الإيطالية.
أما عن تاريخ تأسيسها فيقول المؤرخ فرج نجم إنه «لا توجد وثائق رسمية تثبت صحة تأسيسها، فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنها أنشئت في القرن الـ19 الميلادي من قبل شركة فرنسية، لتهدم بعد ذلك من قبل الاستعمار الإيطالي الذي شيدها من جديد إلى أن اكتملت عام 1932».
ويصف المؤرخ التاريخي منارة بنغازي بأنها عبارة عن صهريج ماء كبير جداً كان يستخدم لرفع منسوب المياه في المدينة، وأيضاً لتنظيف البيوت التي تنتشر بصفة عشوائية بالقرب منها.

معالم

وتضم المدينة عدداً من المعالم المهمة وهي:
المسجد العتيق: هو من أقدم وأشهر المساجد في مدينة بنغازي، ويعرف باسم الجامع الكبير، يرجع تاريخ بناؤه إلى أوائل القرن الخامس عشر، ويتميز هذا المسجد بتصميمه العثماني، ويقع في الجزء الشمالي من ساحة الحرية.
كاتدرائية بنغازي: هي واحدة من أكبر الكنائس في مدينة بنغازي وفي شمال أفريقيا عموماً، يعود تاريخها إلى عام 1929 وتتميز بتصميمها المعماري الكلاسيكي المستوحى من العمارة الدينيّة الإيطاليّة، ويضم المدخل في الكاتدرائية رواقا بستة أعمدة دوريك، وقبتين مميزتين تغطيان صحن الكاتدرائية.
مسجد الشهيد عمر المختار: هو من المعالم المعمارية الدينيّة الرئيسيّة في مدينة بنغازي، يستطيع السيّاح زيارته والصلاة فيه، ويتكون المسجد من طابقين، الطابق الأول للرجال والطابق الثاني للنساء.
جامعة بنغازي: هي من الجامعات العريقة في المدينة، وهي أول جامعة حديثة انشأت في ليبيا في عام 1955 وتبلغ مساحتها 4.6 كيلو متر مربع، وتصم العديد من الكليّات والمرافق المتعددة.
دار الكتب الوطنيّة: هي المكتبة الرسمية لدولة ليبيا، تأسست في عام 1972 وافتتحت في عام 1979 وتقع في وسط مدينة بنغازي ويحدها من الشرق السوق البلدي، ومن الغرب مبنى إدارة شركة الخطوط الجوبة الليبيّة، وتحتوي المكتبة على 150000 مجلد.
ميدان الشجرة: هو من أكبر الميادين في مدينة بنغازي، تحدث في هذا الميدان العديد من الفعاليات العامة، والاحتفالات، ويربط هذا الميدان بين شارعين رئيسيين، شارع جمال عبد الناصر وشارع بن العاص عمرو.
ساحة سليمان الضراط: هي ساحة رياضية تقع في مدينة بنغازي، افتتحت في عام 1967 يمارس فيها الرياضة الداخليّة مثل كرة السلة، كرة الطائرة، وتتسع هذا الساحة إلى 10000 شخص وهي من الأماكن السياحيّة المهمة والمناسبة للنشاطات الرياضيّة.
ملعب شهداء بنينا: هو ملعب رياضي يقع في ضاحية بنينا شرق مدينة بنغازي، افتتح في عام 2009 وسمي بهذا الاسم تكريماً للشهداء في ثورة فبراير من أبناء ضاحية بنينا في مدينة بنغازي.
وحديثاً مرت المدينة بعدة ظروف صعبة وبحرب دامية إلا أنها حافظت على رونقها الدائم ومركزها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية