بنية شبه سرية قد تهدد سلامة المغرب

حجم الخط
13

أعتذر مسبقا للقراء عن النبرة الشخصية ولو جزئيا لهذا المقال والتي تجد أحد أسبابها في تأكد إصابتي منذ ثلاثة أيام بفيروس كورونا اللعين ونظرا لمعاناتي من مرض السكري ومرض القلب فلا أدري هل سأكون قادرا على كتابة مقالي القادم.
أقول إن هاته البنية شبه سرية لأن أغلب أعضائها غير معروفين للعموم، كما أنها غير رسمية ولكن فعاليتها كبيرة في ما يخص تحريك وتوجيه جزء كبير من النخبة السياسية والضغط وإلهاء بل واستنزاف ما يمكن أن نسميه النخبة المضادة. هاته الأخيرة المكونة من مناضلين سياسيين معارضين وحقوقيين وبعض الصحافيين والمثقفين المغردين خارج السرب، أصبحت خلال السنوات القليلة الأخيرة الهدف الأول لما سميناه بنية شبه سرية وما يسميه البعض بمبالغة ظاهرة الحزب السري أو حتى الدولة الموازية.
ممن تتكون هذه البنية وكيف تشتغل؟ طبعا المجال لا يتسع للرجوع إلى تاريخ المغرب المعاصر للتدليل على وجود مجموعات غير مهيكلة إداريا، خلال الستينيات والسبعينيات، اشتغلت في أمور واضطلعت بأدوار تشبه تلك التي تقوم بها البنية شبه السرية اليوم. وحتى يفهم القارئ ما أعنيه أبدأ بقضية أعرفها جيدا لأنها تهم كاتب هذه السطور: نشرتُ في الأيام الأولى من يناير/كانون الثاني من السنة الجارية مقالا في صحيفة دولية إليكترونية محترمة، حللتُ فيه بسرعة دور البنية المشار إليها، دون أن أسميها، في قضيتي الصحافيين هاجر الريسوني وعمر الراضي وكيف أن تدبير القضيتين من لدنها فشل فشلا ذريعا إذ ظهر بوضوح للرأي العام أن استهداف هذين المواطنين كان ذا دوافع سياسية لا غبار عليها مما دفع النظام إلى إطلاق سراحهما في الأخير.
يومان بعد صدور مقالي نشر موقع إعلامي مغربي كبير إذ هو الأول من حيث عدد زوار صفحاته المكتوبة تصريحا لمصدر أمني قدم نفسه بهاته الصفة الرسمية التي أذكر، كما أن التصريح قد وُضع بين علاماتي استشهاد أي بين مزدوجتين حتى تظهر جدية المقام. أشار التصريح في البداية إلى مناسبته أي المقال عن اعتقال الريسوني والراضي ليضيف مهددا وبشكل غريب وعلني بإمكانية عقل ممتلكات كاتب المقال وكشف التحويلات المالية المشبوهة التي يستفيد منها(كذا). رد كاتب المقال علانية أنه لا مشكل أن تعقل ممتلكاته مذكرا بأن عدم إخبار القضاء بالتحويلات المشبوهة المزعومة يعتبر خرقا للقانون. عشرة أشهر بعد هذا السجال العلني بين أحد ممثلي ما يسميه البعض الحزب السري وكاتب المقال، فُتح فعلا بحث قضائي أولي بشبهة غسيل الأموال ضد الأخير وأعضاء من عائلته، وبين التاريخين نشرت مئات المقالات التشهيرية لتهييئ الرأي العام للمتابعة. نُشر البلاغ القضائي الذي »يزف« الخبر للساكنة على نطاق واسع بما فيه على شاشة التلفاز رغم لا قانونية النشر بسبب خرقه لقرينة البراءة وللحياة الخاصة للشخص موضوع البحث الذي يحميه الفصل 24 من الدستور.
حوالي شهرين قبل الإعلان الرسمي عن فتح هذا البحث، أعلنت عدة مواقع إعلامية أن الثالث على لائحة الاعتقال بعد الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي هو كاتب المقال. بينما »نصحته« مواقع أخرى مقربة من السلطة أنه من الأفضل له أن يبقى خارج المغرب هو وعائلته الصغيرة. كما نشرت نفس المواقع صورا أخذت للمعني غفلة منه بالليل وهو بفرنسا يجر حقيبة سفره مع إعطاء معلومات دقيقة حول لباسه وأماكن إقامته وعمن يلتقي من الناس.

النخبة المضادة المكونة من مناضلين سياسيين معارضين وحقوقيين وبعض الصحافيين والمثقفين المغردين خارج السرب، أصبحت خلال السنوات القليلة الأخيرة الهدف الأول لما سميناه بنية شبه سرية

نفس الشيء تقريبا حدث مع عدة فاعلين ومواطنين ممن ينتمون لما وسمتُه بالنخبة المضادة وعددهم مهم. ولكن سأكتفي بتناول مثالين معروفين ذكرتهما أعلاه. فرئيس تحرير جريدة أخبار اليوم تعرض لحملة إعلامية شرسة خلال ما يقرب من ستة أشهر قادها المكون الإعلامي للبنية، قبل أن يعلن أحد المواقع الكبرى خلال شهر رمضان أنه سيقضي العيد بالسجن وكذلك كان. فقد اعتقل الريسوني بالضبط ستا وثلاثين ساعة قبل صباح عيد الفطر وقضى عيده فعلا رهن الحبس الاحتياطي. ويظهر من معالجة قضية عمر الراضي بشكل أجلى من القضايا التي سبقته أن البنية شبه السرية ذات الأذرع الإعلامية والأمنية والقضائية تريد أن تؤكد أنها فعلا قوة ضاربة وأنها لا تهاب أن يُشار إليها بالبنان بل هي تعلن وجودها وجاهزيتها وأنها تفعل ما تقول وتقول ما تفعل. هكذا ورغم سابقة الإخبار المسبق باعتقال الصحافي الريسوني والذي كان فضيحة سياسية حقيقية اهتزت لها فعلا النخبة المدنية النشيطة، فإن نفس البنية شبه السرية ستعلن عن اعتقال عمر الراضي قبيل عيد الأضحى بقولها بالحرف الواحد بأنه سيأكل «أبو اللفاف» ضيفا على مدير السجن. وأبو اللفاف نوع من المشاوي تلفه طبقة رفيعة من الشحم يستهلك يوم عيد الأضحى. وفعلا اعتقل الصحافي يومين قبل العيد. يبدو أن هذا التنسيق المخيف والمحكم عبر البنية شبه السرية لم يصل مداه إلا خلال هذه السنة، فقضايا سياسية ـ حقوقية أخرى وقعت قبل سنوات فشلت نظرا لعدم التنسيق الواضح بين المتدخلين في ضبط العناصر النشيطة ضد الحكم. فقضية الصحافي علي أنوزلا سنة 2013 فشلت لأنه بعد أيام من اعتقاله تحدثت عدة صحف مقربة من السلطة عن أنه اُكتشف، بحاسوبه المحجوز بعد اعتقاله بتهمة الدعاية للإرهاب، أمر أخطر بكثير من الدعاية وهو وثيقة مزعومة تفيد مراقبة تحركات الجيش.
أكد وزير مهم بالحكومة رسميا هذه التهمة الجديدة. إلا أنه وحسب مقربين من الملف، الجيش بحث في الأمر ولم يصل لشيء فكان ذلك إعلانا بإطلاق سراح أنوزلا. نفس الشيء تقريبا حدث في قضية تسريب وثيقة تبادل علاوات ضخمة ولاقانونية بين وزير المالية والخازن العام للمملكة سنة 2012. الناشطان المتهمان بتسريب الوثيقة سيحكم عليهما بحكم مخفف جدا لأن متابعيهما أفادا علانية بأن المعنيين سربا في نفس الوقت وثائق تحمل أسرارا عسكرية، وهو شيء لم يتأكد بعد بحث المؤسسة المعنية حول الأمر.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سعيدة:

    على السلامة أستاذ منجب خروجك من السجن بعد الإضراب عن الطعام . الحرية لباقي المعتقلين السياسيين

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية