بن علي.. الوجه الآخر

روعة قاسم
حجم الخط
0

تونس- “القدس العربي”: لم يكن الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، على امتداد سنوات حكمه الـ24 معنيا بالتواصل “العفوي” والمباشر مع الجماهير. فقد اعتمد على ما يمكن اعتباره “الاتصال المعلب” الذي لا مكان فيه للارتجال والعفوية. وصورته كانت تخضع لعمليات توظيب تجعلها تفقد كل جوانب الحيوية، وخطابه كان يعد بشكل مسبق ويكاد الخروج عن النص فيه يكون ممنوعا.

ويعتبر البعض هذا “العجز الاتصالي” أحد أسباب انهيار بن علي الذي هزمه “الاتصال الاجتماعي ” بما يقوم عليه من عفوية وخاصة من إصرار على تحدي سلطة النص و”هيبة التزويق” . وإذا كان التونسيون قد اعتادوا زمن حكم بورقيبة على رؤية رئيسهم يوميا من خلال “توجيهاته” التي يتم من خلالها استعادة فقرات من خطب قديمة فيها ما يمكن اعتباره تصور “الزعيم ” لأهم المسائل وأمهات القضايا فإن خطب بن علي كانت “مناسباتية” ذات مضمون ولكن إخراجها رتيب ولا جديد فيه.

الرئيس الكتوم

وفي هذا الإطار يرى الكاتب والباحث و المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي، في حديثه لـ”القدس العربي”، أن التونسيين لم يفقدوا زين العابدين بن علي حين وجد نفسه مجبرا على التخلي عن السلطة واللجوء الى المملكة العربية السعودية. بل تساوق هذا الرحيل مع “ثورة” الشباب المهمش قد جعلت من ذكر الرجل خارج دائرة ما ارتكبه في حق الشعب التونسي من تجاوزات أمرا مرفوضا، بحسب الحاجي، يخلق الاستهجان  يكاد يستدعي الدعوة إلى المساءلة القانونية.

ويضيف “وقد شجع ما أحاط بتحول زين العابدين بن علي إلى جدة تغذية هذا النزوع لأن الرئيس الكتوم والصامت وجد نفسه معزولا عن العالم وفي وضع من فرض عليه المنع من الكلام. ولكن تطور الأحداث فرض تطلعا إلى معرفة موقف زين العابدين بن علي من عدة مسائل و لعل أهمها معرفة خفايا الأحداث التي تسارعت يومي 13 و 14 يناير/ كانون الثاني 2011 لتدفعه إلى مغادرة تونس تاركا وراءه شعبا في الشوارع في مواجهة قوات الأمن والجيش وأسئلة معلقة”.

الإهتمام بالصور

و يتابع المحلل السياسي التونسي قائلا: “ورغم أن صمت بن علي عن الكلام المباح تحول إلى ما يشبه الهاجس التونسي، فإن استمراره، رغم تعدد مناسبات أشيع فيها أنه سيدلي بحوار أو سينشر كتابا دون أن يتم ذلك، قد حول الاهتمام إلى بعض الصور التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لزين العابدين بن علي أو أفرد عائلته. في البداية كانت أغلب التعليقات حتى لا نقول كلها لا تخفي عبارات الاستهجان والتشفي من رئيس تونس الأسبق و لكن تزايد حالات الإحباط والشعور بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية وخاصة تنامي الأزمة الاقتصادية جعل الموقف من زين العابدين بن علي يأخذ بالتغير ليصل حاليا إلى ما يشبه الانقسام الواضح في المواقف”.

و يرى محدثنا أن عددا من المتفاعلين يعتبر أن زين العابدين يجسد نموذج الدولة الراعية التي لم تسحق مواطنيها وحرصت على الحفاظ على الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية في حين يعتبره البعض الآخر رمزا من رموز الفساد. و يرى الحاجي أنه لا شك بأن الصور الأخيرة، التي جسدت حفلا بسيطا لعقد قران كريمة زين العابدين بن علي مع مغني الراب التونسي المثير للجدل “كادوريم”، قد اشعلت مواقع “التواصل الاجتماعي “بردود فعل متضاربة خاصة وأن هذه الصور قد حفلت بعناصر تناقض لافتة لأن مغني الراب المشار إليه قد تحول من داعية إلى رحيل بن علي إلى صهر من أصهاره، كما أبرزت هذه الصور بن علي فاقدا للكثير من عناصر قوته ومن جوانب عنفوانه ما جعل أنصاره يصابون بخيبة لم تكن متوقعة.

خيبة غير متوقعة

و يضيف الحاجي قائلا: “خروج بن علي في تلك الصور لم يكن موفقا اتصاليا، فهو و إن أوصل رسالة إلى خصومه بأنه بخير ويعيش حياة عائلية سعيدة، فإنه خسر الكثير من الرصيد في صفوف أنصاره، حتى أن بعضهم علق قائلا بما مفاده أن بن علي انتهى بالنسبة إليه بعد عرض هذه الصور فهو، أي بن علي، سعيد يزوج بناته فيما كثير من أنصاره يعانون الأمرين بفعل تدهور الوضعين الإقتصادي والإجتماعي وبفعل سيطرة خصوم الأمس على القرار السياسي في البلاد، واعتبر أن بن علي غلب مصالح عائلته على مصلحة تونس التي تركها بعده فريسة لمشروع تدميري استهدف مكاسب دولة الإستقلال و هاهو مواصل في هذا النهج في وقت يتألم فيه التونسيون كثيرا”.

ويرى كثير من المراقبين أن توقيت ظهور بن علي غير بريء وخاصة وأن الظهور هذه المرة تزامن وعن قصد على ما يبدو مع ذكرى اندلاع الإحتجاجات الشعبية التي تلاها سقوط نظامه سواء أكانت هذه الإحتجاجات هي السبب المباشر في الإطاحة به أو كانت هناك أسباب أخرى خارجية يتم السكوت عنها وتجاوزها باستمرار. ويرى هؤلاء أن ظهوره و إن استفز البعض و حقق المراد، إلا أنه كان مخيبا لظن أنصاره وقد رأوه هرما متقدما في السن وليس ذلك الرجل القوي الذي كانوا يراهنون عليه ليعيد هيبة الدولة وفرض النظام وعلقوا على أدق التفاصيل في هذه الصور معتبرين أن ذوقه الراقي في اللباس لم يعد كما كان في السابق، وأن أناقته التي تميز بها على الرؤساء العرب وكانت جزء من هيبة ساكن قصر قرطاج باتت في مهب الريح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية