بغداد ـ «القدس العربي»: يُنّذر تصويت البرلمان على قانون الاقتراض الحكومي، وحرمان البرلمان الاتحادي موظفي إقليم كردستان العراق من مرتباتهم الشهرية حتى نهاية العام الحالي، بأزمة سياسية جديدة بين بغداد وأربيل من جهة، وبين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الحاكم في كردستان، وغريمه «الاتحاد الوطني» والقوى السياسية الكردية المعارضة من جهة ثانية.
«مؤامرة»
ويتهم حزب بارزاني الشيعة والسنّة في مجلس النواب الاتحادي بقيادة «مؤامرة» ضد شعب إقليم كردستان العراق، بوضعهم شرطاً في قانون تمويل العجز المالي ـ صوّت عليه البرلمان فجر أول أمس ـ يقضي بتسليم الإقليم واردات نفطه ومنافذه الجمركية تحت تصرف بغداد، مقابل إرسال معاشات الموظفين الأكراد.
ووصف رئيس الحزب «الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، قانون الاقتراض، أنه «ورقة سياسية وضغط على الإقليم ومعاقبة لشعب كردستان».
وأضاف، في بيان صحافي: «بأسف بالغ تطعن الجهات السياسية من المكونين الشيعي والسني في مجلس النواب العراقي مرة أخرى ظهر شعب كردستان، لجأوا إلى استخدام موازنة وقوت شعب كردستان كورقة للضغط على إقليم كردستان».
وزاد: «يحدث هذا الأمر بينما أبرمت العديد من الاتفاقيات في الفترات الماضية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية ولم يتم تنفيذها» لافتا إلى أن «القانون الذي شرعه مجلس النواب العراقي دون أخذ الشراكة والاتفاقيات المبرمة بنظر الاعتبار نعتبره ورقة سياسية وضغطا على الإقليم ومعاقبة لشعب كردستان، وتجاوزا على مبادئ الشراكة والتوافق والتوازن بين مكونات العراق، كما نعتبره تضييقا للخناق على شعب كردستان ومحاربته».
موقف موحد
ووفقاً لبارزاني، فإن «من الجلي أنهم قد اتخذوا قرارهم المسبق بمحاربة الإقليم وشعب كردستان، وبهذا المنطق يتعاملون مع الدستور والاتفاقيات وحقوق ومطالب شعب كردستان» مؤكدا القول: «يجدر بي أن أعبر عن امتناني لوحدة موقف ممثلي كردستان في بغداد الذين دافعوا وبموقف موحد عن حقوق شعب كردستان ووقفوا ضد السياسية المحاربة لشعب كردستان والتي ظهرت داخل مجلس النواب العراقي، نكن لهم التقدير والامتنان».
ودعا، رئاسات الإقليم والبرلمان والحكومة، إلى «عقد اجتماع مع ممثلي كردستان في بغداد والأحزاب السياسية للإقليم للوصول إلى قرار مشترك بهذا الشأن» منوها إلى أن «ينبغي اتخاذ قرار يكون على مستوى المسؤولية لمعالجة المشاكل ويحفظ فيه كرامة شعبنا ويضع حدا للسياسات والتصرفات التي تهدف إلى معاقبة شعب كردستان».
موقف بارزاني حفّز رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني- ابن شقيق زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، على التعبير عن موقفه إزاء تصويت البرلمان على قانون تمويل العجز المالي.
غياب الشراكة
وقالت الرئاسة في بيان صحافي: «بخصوص قانون تمويل العجز المالي الذي جرت المصادقة عليه في مجلس النواب العراقي بالأغلبية وبدون الأخذ بمبادئ الشراكة والتوافق والتوازن، وبدون الالتفات إلى ملاحظات ومقترحات ممثلي إقليم كردستان، نشد على أيدي جميع الكتل الكردستانية والنواب عن إقليم كردستان الذين اتخذوا موقفاً موحداً للدفاع عن حقوق ومستحقات شعب كردستان».
المركز اشترط صرف معاشات الموظفين الأكراد مقابل نفط الإقليم
وأضاف البيان، أن «رئاسة إقليم كردستان تنظر بقلق ومنتهى الاهتمام إلى هذه المسألة وستسخر جهودها للدفاع عن حقوق ومستحقات شعب كردستان، وستجتمع الرئاسات الثلاث للإقليم والجهات المعنية وممثلو إقليم كردستان في الحكومة الاتحادية ومجلس النواب لهذا الغرض، ومن أجل توحيد مواقف الجهات المعنية في إقليم كردستان تجاه هذه المسألة».
«الاعتماد على الأغلبية»
كذلك، عبّر برلمان الإقليم عن «أسفه» لخطوة البرلمان الاتحادي، وعدم أخذه بنظر الاعتبار «مبادئ التعايش والشراكة الدستورية» واعتماده على «الأغلبية» في تمضية القانون دون مراعاة «حقوق شعب كردستان».
وجاء في بيان لرئاسة البرلمان الكردستاني: «إنّ في هذه الخطوة انتهاك لروح التعايش والمشاركة، وهي مخالِفة للخطوط العامة المتفق عليها سابقاً، كما تأتي مضادة لأي تقارب نحو معالجة المشاكل العالقة ما بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية وفقا لمبادئ الدستور».
وأضاف: «لذا، وفضلا عن شكرنا وتقديرنا للكتل الكردستانية كافة، ولنواب إقليم كردستان جميعاً الذين اتخذوا موقفا واحدا في عدم المشاركة في جلسة التصويت، نعلن وبالتنسيق مع رئاسة إقليم كردستان وحكومة إقليم كردستان وممثلي إقليم كردستان في المؤسسات الفدرالية العراقية، وبعد مشاورة الكتل البرلمانية أن برلمان كردستان سيعقد جلسة، لمداولة كافة أبعاد هذا الأمر المستجد، وسيُتَّخذُ قراراً وموقفاً موحداً بهذا الشأن، لأنه يتعلق بحياة شعبنا ومعيشتهم، مما يحملنا واجبات ومسؤولية مشتركة».
«استقلال» الإقليم
تمرير القانون بأغلبية نواب الشيعة والسنة، بالإضافة إلى الأقليات، وحرمان الإقليم من أموال «الاقتراض الاتحادي» أحيا الآمال مجدداً بإمكانية انفصال كردستان عن العراق.
ورأى المنسق العام لحركة «الإصلاح والتنمية» في اقليم كردستان، محمد بازياني، أمس، إن مجلس النواب والحكومة الاتحادية يرغبان و«بشكل علني» باستقلال الإقليم عن العراق.
وأضاف في «تدوينة» له، إن «البرلمان والحكومة العراقية يقولان لنا وبشكل علني أذهبوا وأزيحوا إقليم كردستان من على عاتقنا ولا نريد منكم شيئا، وتمتعوا بالخيرات التي تمتلكونها أنتم وشعبكم».
ونوه إلى الأوضاع التي يمرُّ بها العراق والمنطقة، متسائلا: «أليست الفرصة مؤاتية لمن يحلمون بإعلان الدولة الكردية؟».
أخطاء وانفعالات
في مقابل ذلك، حذّر حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» المنافس الأبرز لحزب بارزاني في إقليم كردستان، من الوقوع في أخطاء أخرى تسببها «الانفعالات والمشاعر القومية».
وعلق لاهور شيخ جنكي، الرئيس المشترك للاتحاد، على خطوة تشريع قانون تمويل العجز المالي من قبل مجلس النواب دون مشاركة الكتل الكردستانية.
وقال في «تغريدة» على «تويتر»: «دغدغة المشاعر القومية لن تعالج الأزمة المالية» مشدداً على أهمية «ألا نسمح أن تضع الأخطاء السابقة المتراكمة مستقبل شعبنا أمام المخاطر، الأوضاع المعيشية لأي عائلة في إقليم كردستان مقدسة ويجب علينا حمايتها».
وأوضح: «لا يجوز أن تضعنا الانفعالات على طريق أخطاء أخرى، قيادة كردستان تحتاج الى هدوء ومراجعة جذرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في كردستان العراق، ويجب أن يكون الحل عندنا وليس الأزمات».
ويحمل الحزب الكردي، غريمه «الديمقراطي» مسؤولية «غياب الشفافية» في إدارة موارد إقليم كردستان، داعياً إلى الحوار مع الحكومة الاتحادية.
لا مؤامرة على الأكراد
وأكدت النائبة عن كتلة «الاتحاد الوطني الكردستاني» النيابية، آلا طالباني، أن «لا مؤامرة على الكرد» في ردها على بيان رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، الذي اعتبر جلسة التصويت على قانون الاقتراض أنه «طعنة في ظهر شعب كردستان».
وقالت في «تدوينة» لها، إن «ما حصل (فجر الخميس) في مجلس النواب ليس بمؤامرة طائفية أو عرقية على الكرد، بل هو نتيجة السياسة غير الشفافة لإدارة موارد الإقليم تجاه الشركاء».
وأضافت: «لا حل دون الجلوس مع الشركاء للوصول لحل جذري لجميع الملفات العالقة».
كما انتقدت القيادية في «حراك الجيل الجديد» الكردي المعارض، سروة عبد الواحد، إطلاق تعبير «المؤامرة» على نواب الكتل الشيعية والسنية بعد تمريرهم قانون تمويل العجز المالي.
وقالت عبد الواحد في «تغريدة» لها على «تويتر»: «عجبي لمن يتحدث عن المؤامرة ضد الشعب الكردي وهو مسؤول عن قوت الشعب الكردي منذ 1991».
وأضافت: «نواب الشيعة والسنة قاموا بواجبهم تجاه موظفيهم، ومن المعيب أن يتم إطلاق اسم المؤامرة على المصلحة العامة» داعية السلطة الكردية إلى «إعادة واردات النفط والمنافذ الحدودية والإيرادات المحلية وهذا يكفي للرواتب».
«التلاعب بمصير الكرد»
وذهب «حراك الجيل الجديد» إلى أبعد من ذلك، عندما اتهم الحزبان الكرديان الرئيسيان بـ«التلاعب بمصير الأكراد».
وقال المجلس السياسي للحراك في بيان صحافي، إن «الإقليم يستلم منذ سنوات القروض ولم يدفع شيئا للعراق، وإن ما يحدث في بغداد لا علاقة له بالرواتب مطلقا» مبينا أن «على القوى السياسية الأخرى عدم ترديد خطاب الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني».
وأضاف: «ما تقوم به بغداد شيء طبيعي، ومن يقوم بالسرقات والتلاعب بمصير الكرد، هما حزبا الديمقراطي والاتحاد واتباعهم».
وأشار إلى أن «ما يحدث في بغداد لا علاقة له بالرواتب مطلقا، نتعجب من القوى السياسية الأخرى في بغداد واصطفافها مع الحزبين الحاكمين وترديد خطاب الديمقراطي والاتحاد نفسه، دون ذهابهم بصورة منفصلة إلى قاعة البرلمان العراقي من أجل طرح حلول أخرى والعمل من أجلها».
انعدام الموارد
وعدّ المكتب السياسي لحراك الجيل الجديد، الذي يتزعمه رجل الأعمال الشاب، شاسوار عبد الواحد، ما حصل في البرلمان العراقي «عبارة عن أخذ قرض لدفع رواتب موظفيهم في هذا الوقت الذي يعانون فيه من انعدام الموارد».
وزاد: «يستلم الإقليم منذ سنوات القروض ولم يدفع شيئا للعراق، بل انه لم يصرفها للمواطنين، إذن لماذا ننتظر أن يأخذ العراق القروض ويعطي حصة منها للإقليم؟».
ومضى بالقول: «السلطات الكردية في إقليم كردستان تصرف 79 بالمائة من الرواتب لموظفيها كل شهرين، أي شهريا يصرفون 320 مليار دينار (267 مليون دولار) (كل شهرين يستلمون 640 مليار دينار). بالمختصر المفيد حكومة الإقليم تريد أن تستلم 320 مليار دينار من بغداد لصرف ربع الرواتب».
ووفقاً للبيان فإن «السلطات الكردية تريد أيضا أن تكون الواردات المحلية وواردات المنافذ الحدودية والنفط والمساعدات المقدمة من قبل التحالف الدولي وواردات الإقليم الأخرى للحزبين الحاكمين والعوائل الحاكمة وشركاتها. هم يريدون عدم صرف دينار واحد من كل تلك الأموال التي يحصلون عليها للرواتب، والقيام بصرف الرواتب كل شهرين مرة واحدة من الأموال التي تأتي من بغداد، أما بقية الأموال فستذهب لجيوب العوائل المتنفذة».
ووجه الحراك رسالة إلى «العراق والقوى الوطنية» جاء فيها: «أنتم لستم صادقين، وفي وقت الانتخابات ومن أجل كسب الشارع العراقي تطلقون بعض التصريحات ضد الديمقراطي والاتحاد، وفي النهاية المواطنون هم من يدفعون الضريبة وبعد الانتخابات تعود الأوضاع إلى طبيعتها».
تحمّل المسؤولية
فيما وجه رسالة أخرى خاطب فيها الحزبين الحاكمين «الاتحاد، والديمقراطي» بالقول: «أنتم تتحملون المسؤولية الكبرى عن كل المصائب التي تحل بالشعب الكردي وتسرقون واردات كردستان ولا تصرفون أي شيء للموظفين والمواطنين، لذا فعليكم التحدث عن كل تلك الواردات، وليس الحديث عن أموال القروض العراقية، المستلمة من أجل رواتب موظفيهم».
وجاء في الرسالة الثالثة الموجهة إلى «القوى السياسية خارج الديمقراطي والاتحاد»: «عليكم أن تسألوا أنفسكم، هل أنتم مع مواقف الحزب الديمقراطي والاتحاد؟ هل تؤيدون كل هذه السرقات لواردات النفط والمنافذ والواردات المحلية؟ هل تبررون ما يحصل من سرقات لقوت المواطنين من قبل السلطة وتحملون العراق السبب؟ أم بالعكس تبينون للمواطنين أن السبب الرئيسي هو السلطة الكردية؟ نتمنى أن تختاروا الطريق الثاني».
أما الرسالة الأخيرة «لشعب كردستان» فنصّت على أن «من المهم أن تعلموا أن واردات الإقليم الشهرية أكبر بكثير من الأموال الضرورية لصرف الرواتب، لكن العائلتين الحاكمتين يستولون عليها، يسرقون كل شيء لا يصرفون رواتبكم، هذا هو أصل المسألة، المسألة غير متعلقة ببغداد والقروض وتلك المواضيع».
واقترح الحراك في ختام بيانه «اتخاذ موقف جماعي وتكاتف الشعب من أجل التعبير عن الرفض والمطالبة بحقوقكم المشروعة، عدا هذا لا يوجد حل آخر، لأن صمتنا سيؤدي إلى تفاقم الاوضاع الحالية».