بوكستاغرامرز العصر الذهبي للكتاب

حجم الخط
2

هل بقي هناك من يكتب قراءات مفصّلة عن الكتب؟ أم أن الأمر أصبح في خبر كان؟ فأغلب الإصدارات الجديدة لم تعد تحظى بالاهتمام الكافي إعلاميا، ولأنني كائن متفائل فلا أريد أن أسأل هل مهنة الصحافة انتهت فعلا؟ أم أنّ الصحافي الذي يهتم بالمادة الثقافية لم يعد يهمه الأمر لأسباب مادية محضة؟
لكن مهلا، قبل الذهاب بعيدا بهاتين الفرضيتين، دعونا نلقي نظرة على تطبيق أنستغرام، والذي اعتبرته منبرا إعلاميا حساسا وقويا أكثر من غيري، بل إنني منحته من الأهمية ما دفعني لإصدار كتابي «أنستغرامياتي» شاملا لصور رحلاتي وأسفاري، وقراءاتي وأهم نشاطاتي التي أغلبها ثقافي إلا في ما ندر منها.
ملايين الفئات الشابة تقبل على القراءة من خلال متابعتها لصفحات أنستغرام، بدون قراءة مراجعات لتلك الكتب، ولا آراء نقدية، فقط أغلفة الكتب الجذابة مصحوبة بجملة واحدة مؤثرة، تجذب الآلاف، شيء كالسحر، لكن هذا ما يحدث فعلا. نحن هنا نتحدث عن نوع جديد من الإعلاميين الذين يتخذون من موقع إنستغرام « الشهير منبرا لهم لإطلاق مواهبهم، للترويج لأي شيء، وهم بذلك يخاطبون أكثر من مليار مستعمل في العالم أجمع.
في المنطقة العربية يتفاوت الإقبال على أنستغرام، لكنني أعتقد أنه المنصة الأولى لجذب الفئات الشابة، وهو على هذا الأساس عالم تلتقي فيه الأجيال الجديدة، وهو مختلف تماما عن باقي مواقع التواصل الاجتماعي. ولنركز على هذه الفئة التي تطلق على نفسها لقب «بوكستاغرامز» وهي تتابع بطريقة غير مسبوقة كل ما ينشر في العالم من كتب، سواء باللغة الإنكليزية أو العربية أو المترجم للعربية. يختار المسؤول على صفحة أنستغرامية مخصصة للكتب، الصورة المناسبة لجذب القارئ، قد لا يكتفي بغلاف الكتاب، بل بإضافات لطيفة، مثل فنجان قهوة، أو وردة، أو صبية جميلة غارقة في القراءة، أو هر نائم قرب الكتاب… كل إضافة لها لمسة على ذهن القارئ، وهي حتما تجره لاكتشاف خبايا الكتاب، وهنا يخترع صاحب الصفحة «جملته الطعم» تلك التي لا يمكن المرور بمحاذاتها بدون التوقف عندها، لأنها تعكس شيئا ما مشتركا بين أغلب البشر، شيئا يلامــس وجعا ما، وهذه هي النقطة الأهم، حين يكتشف هذا الإعلامي الجديد جملة واحدة تغنيه تماما عن كتابة مقال طويل، مختصرا فيه محتوى الكتاب مع كثير من الشرح لإبراز أهميته.
المتابعون للكتب على أنستغرام يقولون إنه «العصر الذهبي» للكتاب، فكل هذه الأجيال الشابة المقبلة على القراءة ستزداد نضجا بعد سنوات، وسيكون إقبالها على ذخائر الكتب بشكل أكبر. وتقول بعض الدراسات إن سوق الكتاب له مستقبل ممتاز لسببين اثنين أولهما، أنستغرام، وثانيهما نوادي القراءة التي بدأت تنتشر بشكل مذهل، حتى في أكثر المناطق عزلة، والغريب أن النساء أكثر تحمسا لهذه النوادي لأسباب مرتبطة بارتفاع الوعي النسائي، وهذا موضوع آخر قد أكتب فيه من وجهة نظري في الأيام المقبلة.
الممثلة البريطانية الشابة إيما واتسون أطلقت نادي القراءة خاصّتها منذ سنوات قليلة، وأعلنت عنه عبر صفحتها تويتر، وقد ابتكرت أفكارا لا تخطر على بال الكهول للترويج للكتاب، ففي بداية صيف 2017 أخفت نسخا من رواية « قصّة خادمة» للكاتبة الكندية مارغريت آتوود في أماكن كثيرة في العاصمة الفرنسية باريس، ودعت محبينها للبحث عنها، ومع أن الرواية نشرت عام 1985 إلاّ أن هذه الحركة اللافتة للنظر، من طرف النجمة الشابة، أعادها للواجهة بشكل جنوني.

أصبح من الممكن أن يقول القارئ رأيه عبر يوتيوب، أو عبر صفحته على الفيسبوك، أو عبر مواقع مختصة فقط بالكتب مثل «غودريدز» التي بلغ عدد أعضائه الأربعين مليونا، كما ورد في عدة مقالات، أن عدد الكتب المسلجة فيه فاقت المليار كتاب.

سنة 2018 صدر فيلم «بوكليب» للمخرج الأمريكي بيل هولدرمان، يحكي بطريقة كوميدية قصة مجموعة من النّساء ينشئن نادي قراءة، ويجتمعن كل شهر لمناقشة كتاب، وقد كان الكتاب المختار في الفيلم للكاتبة البريطانية إي. أل. جيمس «خمسون درجة من غراي» وهي رواية رومانسية مثيرة مدججة بالمقاطع الإغرائية الحارّة، وخلال الفيلم نوقشت الرواية بمستويات تتفاوت بين الإعجاب والانتقاد اللاذع، وهذا في حدّ ذاته كان إضافة مهمة للرواية، التي حققت مبيعات خرافية في بريطانيا والولايات المتحدة، قبل أن يرد ذكرها في الفيلم.
الخلاصة التي أود أن أصل إليها هي، أن كل وسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الرقمية التي اكتسحت يومياتنا اليوم، ليست منافسا شرسا للكتاب، بقدر ما هي عوامل مساعدة وجد مهمة لرفع مستوى القراءة وخدمة الكتاب. وإن كانت نوادي الكتاب أو صالونات القراءة منتشرة منذ الأزل في العالم أجمع، فإنّها اليوم تأخذ شكلا حداثيا لم نشهد له مثيلا سابقا.
فقد أصبح من الممكن أن يقول القارئ رأيه عبر يوتيوب، أو عبر صفحته على الفيسبوك، أو عبر مواقع مختصة فقط بالكتب مثل «غودريدز» التي بلغ عدد أعضائه الأربعين مليونا، كما ورد في عدة مقالات، أن عدد الكتب المسلجة فيه فاقت المليار كتاب.
أما أهم ميزة لهذا الموقع الجميل فهو المراجعات التي يتركها أصحابها بشأن الكتب التي قرأوها، بدون أي ابتزاز عاطفي، أو تأثير من الكاتب نفسه أو الناشر أو غيره، إذ نعرف جيدا أن أسوأ أنواع مراجعات الكتب هي تلك التي تقوم على المجاملات الشخصية، وقد حفلت بها الصحافة المكتوبة منذ ظهورها إلى يومنا هذا، لكنّها خفت كثيرا أمام الثورة التي أحدثتها الوسائل الرقمية، مانحة حرية تعبير مشهود لها لكل الفئات القارئة.
هذا زمن لم نحلم به أبدا، لكننا نعيشه بقدرة القادر، زمن «البلوغرز» و»اليوتوبرز» و»البوكستاغرامز» كما نعيش ظاهرة النصوص القصيرة، والقصص التي تُروى في مئتي وخمسين كلمة، والتي رغم استهجان البعض لها إلا أنّها نوع من التحدّي لإنتاج أكثر بلاغة وأقل إسفافا. هذا الزمن الرّقمي عجيب، ورغم رفضنا له نحن الجيل الورقي، إلا أن بوادر التغيرات الإيجابية تشرق من أجهزته التي تسهّل نمط حياتنا. يمكن حمل مكتبة بأكملها عبر «كيندل» أو عبر تطبيق ننزله على هواتفنا المحمولة، يمكننا اقتناء كتب مسموعة نصغي لمحتواها بأصوات جميلة في ما نستمتع برحلتنا من بلد لبلد، أو ونحن نسوق سياراتنا لمسافات، لقد ابتكرت التكنولوجيا ما يكسر ضغوط الحياة اليومية بهذه الفواصل اللطيفة.
يبقى أن نشير إلى أننا قد نتأخر قليلا لاستيعاب أهمية العالم الرّقمي والاستثمار فيه ثقافيا، إذ يبدو جليا أننا لا نزال نتخبط في الدوامة نفسها، دوّامة الجسد، والإكسسوارات، ومواد التجميل، والتنحيف، والمياعة التي لا معنى لها، والتي تجذب فئات شاسعة من ضحايا الإهمال التربوي، لكن بصيصا من الأمل يبزغ علينا بمجرد كتابة هاشتاغ كتب لنكتشف أن فيروس القراءة حملته إلينا التأثيرات المباركة للثورة الرقمية، آلاف المتابعين لصفحات عرف مبتكروها كيف يجعلون الكتاب قبلة لهواته، وبعضهم يجتهد يوميا بدون مقابل، فقط لمتعة وشغف شخصيين.
وقد نجحت في بعض بلدان الخليج هذه النوادي «الإنستغرامية» حتى أنّها تجاوزت الفضاء الافتراضي، وأصبحت نوادي معترفا بها، يلتقي أصحابها شهريا، والأجمل أنهم ينظمون رحلات ثقافية لزيارة مكتبات عالمية واكتشاف كنوز خارج حدود بلدانهم.

٭ شاعرة وإعلامية من البحرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكاتب الأديب جمال بركات:

    احبائي
    العزيزة الدكتورة بروين
    الصحافة الورقية تراجعت جدا بسبب قلة القراء
    والكتب الإبداعية في محنة ايضا للقصاصين والروائيين والشعراء
    لكن البديل لن يكون مواقع التواصل فهي مازالت شبه وهمية الوجود والأسماء
    ورواد هذه المواقع لايبحثون عن القصص والروايات والأشعار ولكن الغراميات والهجاء
    أحبائي
    دعوة محبة
    أدعو سيادتكم الى حسن التعليق وآدابه…واحترام بعضنا البعض
    ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
    جمال بركات..رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة

    1. يقول د حسناء البيومي:

      أستاذنا الأديب الكبير جمال بركات
      نعم لم يعد هناك القراء الذين يلهثون خلف الكتاب
      لدينا الآن حاملي الهواتف الذكية الذين لايرفعون أعينها عنها حتى في وقت الطعام
      وهؤلاء لايبحثون عن ثقافة حقيقية ولكن عن فقاعات وشائعات وغراميات وعلاقات وهمية
      تحياتي لشخصك النبيل

إشترك في قائمتنا البريدية