لندن- “القدس العربي”: يحاول الرئيس جوزيف بايدن تمييز نفسه عن الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب فيما يتعلق بالشرق الأوسط. فهو من جهة يريد تأكيد القيم الأمريكية وحقوق الإنسان والاعتراف في الوقت نفسه بالحقائق الباردة ولكن من الصعب الحفاظ على هذا التوازن.
وترى فريدا غيتس بمقال لها نشره موقع “بوليتكو” أنه من الصعب بعد مرور ستة أسابيع على وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض الحديث عن “عقيدة بايدن” في السياسة الخارجية مع أن الطموحات باتت واضحة في الشرق الأوسط وبشكل محدد وتختلف بدرجة كبيرة عن أوباما وترامب. وأن تختلف سياسة بايدن عن ترامب أمر لا يدعو إلى الاستغراب، ذلك أن الرئيس السابق تبنى السعوديين والإسرائيليين بدون تحفظ وحاول الضغط على إيران مع أنه غض الطرف بشكل كبير عن محاولات طهران والجماعات الوكيلة عنها ضرب أمريكا وحلفائها.
وتخلى ترامب عن المنطقة وفتح المجال أمام روسيا وتركيا لملء الفراغ ولم يهتم بحقوق الإنسان. وتظهر الإشارات أن بايدن سيحاول الابتعاد عن نهج أوباما الذي وصل إلى السلطة ووعد بتأكيد حقوق الإنسان وانتقد حلفاء أمريكا في السعودية وإسرائيل. وحاول أن يضع الدبلوماسية مع إيران في مركز سياسته الخارجية ووضع خطا أحمر في الموضوع السوري وحذر النظام المدعوم من إيران بعواقب لو استخدم السلاح الكيماوي. وعندما استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية قرر أوباما الذي صنع اسمه بمعارضته الغزو الأمريكي للعراق، قرر عدم تنفيذ خطه الأحمر.
وفي الوقت الحالي يحاول بايدن أن يوجد نوعا من التوازن بين هذين النهجين، وتأكيد نهج يؤكد المبادئ العزيزة على أمريكا ويعترف بالحقائق الباردة، وهو نهج يلوح بالدبلوماسية والعمل العسكري في الوقت نفسه. ففي منطقة طالما تعرضت فيها المبادئ الأمريكية لامتحان قاس يحاول بايدن أن يجد طريقا وسطا. وفي الوقت الذي استطاع تحقيق هذا التوازن إلا أنه سيجد صعوبة في الحفاظ عليه مع ظهور تحديات جديدة بالمنطقة. وبدت الخلافات التكتيكية بين بايدن وسلفيه واضحة عبر تعامله مع إيران والسعودية وإسرائيل.
بدت الخلافات التكتيكية بين بايدن وسلفيه واضحة عبر تعامله مع إيران والسعودية وإسرائيل.
وجاء ذلك في الوقت الذي عبر فيه بايدن عن رغبة بالعودة للاتفاقية الشاملة المشتركة للعمل أو الاتفاقية النووية مع إيران في 2015. ومن أجل الدفع باتجاه هذه الاتفاقية تجنب أوباما الرد على الابتزاز الإيراني في المنطقة، وهو ما دفع نقاده لاتهامه بترضية طهران. ومن أجل تحقيق الاتفاقية اتخذ أوباما قرارات مثيرة للجدل كما في سوريا، مع تأكيده أن هذا لن يمنعه من اتخاذ موقف متشدد هناك. وفي حالة ترامب الذي خرج من الاتفاقية النووية وأعاد فرض العقوبات على إيران ضمن استراتيجية “أقصى ضغط”، إلا أنه لم يرد على الهجمات المتكررة التي شنتها الجماعات الموالية لإيران على حلفاء أمريكا. وكان هذا واضحا في عدم رده على الهجمات ضد المنشآت النفطية السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، وأول الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية في العراق.
ورد ترامب بقتل القائد العسكري لفيلق القدس، قاسم سليماني. ومع ذلك لم يكن لديه استراتيجية واضحة حيث تم تجاهل الهجمات الإيرانية. لهذا السبب فوجئ الإيرانيون الأسبوع الماضي عندما قام بايدن بضرب جماعات موالية لهم على الحدود السورية- العراقية. وكانت الضربة الأمريكية محسوبة وقصد منها عدم التسبب بمشاكل للحكومة الأمريكية. وناقش بايدن الخطة مع الحلفاء في المنطقة قبل الغارات. وبدد بهذه العملية المواقف التي رأت أنه سيغض الطرف عن أفعال إيران لأنه يحاول دفعها للتفاوض معه والعودة للاتفاقية النووية.
ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي قوله “لم يعرف الإيرانيون أن بايدن ليس أوباما”. ولا يعرف السعوديون كيف يتعاملون مع بايدن، فقد انتظروا بفارغ الصبر خروج أوباما من السلطة. واتهموه بأنه تعاون مع إيران على حسابهم وغضبوا عندما دعاهم لمشاركة الجوار مع إيران ووصفهم بـ “ما يطلق عليهم الحليف”. ثم جاء ترامب الذي تبنى السعوديين بشكل كامل وغض الطرف عن حقوق الإنسان ورفض الكشف عن تقرير الاستخبارات المتعلق بجريمة قتل خاشقجي وتورط محمد بن سلمان فيها. ورفض بالضرورة تطبيق القانون.
سحبت إدارة بايدن اعترافها بولي العهد كزعيم للسعودية في وقت واصل فيه مسؤولو الإدارة التواصل معه
وفي الملف السعودي ظهرت سياسات بايدن، ففي الوقت الذي تعاملت فيه إدارة ترامب مباشرة مع محمد بن سلمان، فضل بايدن التواصل مع نظيره الملك سلمان وخفض مستوى التواصل مع بن سلمان مع وزير الدفاع الأمريكي، نظرا لتولي ولي العهد منصب وزارة الدفاع السعودية. وبهذه المثابة سحبت إدارة بايدن اعترافها بولي العهد كزعيم للسعودية في وقت واصل فيه مسؤولو الإدارة التواصل معه.
وفي المكالمة مع الملك السعودي أكد بايدن على التزام بلاده بدعم السعودية للدفاع عن نفسها وطالب بتحسين ملف حقوق الإنسان. وفي اليوم التالي وافق على نشر التقرير المتعلق بجريمة قتل جمال خاشقجي. وفي هذا، تبنى بايدن موقفا وسطا، فمن جهة حمل الأمير مسؤولية القتل، ورفض من جهة أخرى فرض عقوبات عليه أسوة ببقية المسؤولين السعوديين. وتم انتقاد بايدن بحق لعدم معاقبته الأمير، لكن الرئيس يعرف أن محمد بن سلمان سيصبح ملكا وفضل عدم التضحية بالعلاقات معه.
وفي إسرائيل، اختار أوباما في أول زيارة له للشرق الأوسط القاهرة وألقى فيها خطابا وعد فيه بعلاقة جديدة مع العالم الإسلامي وانتقد إسرائيل والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية. أما ترامب فقد ترك الحبل على غاربه لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولم يتوقف عن منح الهدايا له، من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وشرعية المستوطنات.
أما بايدن فلن يعيد نقل السفارة الأمريكية من القدس ولكن الإسرائيليين غير مرتاحين لخطط العودة للاتفاقية النووية. وفي أول مكالمة مع نتنياهو تحدث بايدن عن أهمية التقدم في المساعي السلمية مع الفلسطينيين وعبر عن التزامه بأمن إسرائيل. وقال أثناء حملته الانتخابية إنه سيحل الخلافات مع إسرائيل بطرق خاصة. ويؤمن بايدن بالعلاقات الشخصية وسيحاول استخدامها في تشكيل سياسته الخارجية. ولديه خبرة طويلة فيها نظرا لعمله في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
وعبر بايدن عن رغبة بجعل الشرق الأوسط أولوية ثانوية في استراتيجيته، مع أن المنطقة معروفة بنزاعاتها المتداخلة والتي قد تؤدي في معظم الأحيان لتدخل أمريكي عاجل. بالإضافة لتأثر السياسة المحلية الأمريكية بأحداث الشرق الأوسط بشكل سيدفع بايدن للتحرك وإرضاء القواعد الانتخابية. وعاجلا سيتخذ بايدن قرارا حادا لا تنفع فيه المواقف الوسط أو المزج بين القيم والواقعية السياسية. وعندها سنرى فيها عقيدة بايدن وإن كانت قادرة على تحمل تحديات الشرق الأوسط.