بوليتكو: المخابرات الأمريكية سيست المعلومات عن السعودية فخسرت محمد بن نايف.. وتكرر الخطأ مع بن سلمان

حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشر موقع “بوليتكيو” مقالا لمسؤول العمليات السابق في سي آي إيه والأستاذ المساعد في الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، دوغلاس لندن، قال فيه إن مديري المخابرات الأمريكية السابقين، جون برينان ومايك بومبيو، أخفيا مشاكل السعودية عن الأمريكيين.

وبدأ تقريره بالإشارة لكلمة مسؤول سابق في سي آي إيه أمام معهد بروكينغز، وهو بروس ريدل الذي تحدث في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 عن العلاقات الأمريكية- السعودية. وكانت تصريحاته مدهشة خاصة أنه قضى 40 عاما كـ”مراقب محترف للسعودية”، سياسة ودبلوماسية وأمنا واقتصادا.

السعودية مرت بتغير مهم، فقد تحولت من مملكة “غامضة بشكل طبيعي ويمكن التكهن بتصرفاتها” إلى دولة “متقلبة ومن الصعب التكهن بها”

وقدم ريدل ملاحظتين مهمتين وهما أن السعودية مرت في الآونة الأخيرة بتغير مهم، فقد تحولت من مملكة “غامضة بشكل طبيعي ويمكن التكهن بتصرفاتها” إلى دولة “متقلبة ومن الصعب التكهن بها”. وقال إن علم “السعودولوجي” أصبح أصعب مما كان عليه علم “الكرملينولوجي” في عهد الحرب الباردة. أما النقطة الثانية فهي أن الإدارة الأمريكية لدونالد ترامب قررت منح السعودية دعمها الكامل بدون أن تفكر أو تفهم القيادة فيها. وقال ريدل إن ترامب “منح السعودية ورقة على بياض في السياسة الداخلية والخارجية”.

وتحولت السياسة الأمريكية القائمة تقليديا على “الحذر وتجنب المخاطر” إلى “المغامرة والتدخل وإن لم تكن متهورة فهي متطرفة”. ويعلق الكاتب أن السعودية أرسلت في الفترة الماضية هزات حول العالم عندما أعلنت “حرب دجاج” مع روسيا في مجال أسعار النفط وسط أزمة فيروس كورونا. وقبل هذا دخلت السعودية عملية تطهير قام بها محمد بن سلمان ووطد حكمه ولا يزال يتمتع بدعم من ترامب.

ويتساءل الكاتب، ماذا حدث؟ ومن شاهد كل هذا قادما؟ وماذا يقول كل هذا عن شخص يصر البيت الأبيض على اعتباره حليفا؟

ويعتقد الكاتب أنه كان على ترامب الاستماع إلى ما يقوله ريدل وغيره من خبراء الاستخبارات، وهو أن إدارة ترامب تبنت محمد بن سلمان بنفس الطريقة التي تبنت فيها إدارة باراك أوباما محمد بن نايف، وزير الداخلية وولي العهد السابق. فحتى الآن جر محمد بن سلمان الإدارة الأمريكية إلى مستنقع اليمن، قتل صحافيا كان مقيما في الولايات المتحدة، زعزع سوق النفط وتقارب مع منافسي أمريكا وهي روسيا والصين وإيران. وعندما يتعلق الأمر بالسعودية، فقد اعتمدت الولايات المتحدة على الأجهزة الأمنية وجمع المعلومات من أجل تحديد دوافع القيادة والدينامية الداخلية.

ويرى الكاتب أن السعودية بلد غامض يحكمه ملك عجوز في سن 84 عاما سيكون حكمه قصيرا وهو يحكم كغطاء للحاكم الحقيقي. ولهذا فالمعلومات الأمنية عما يجري في هذا البلد الذي ترتبط به واشنطن بعقود سلاح وعلاقات تجارية ودبلوماسية مهمة أكثر من أي وقت مضى.

علم “السعودولوجي” أصبح أصعب مما كان عليه علم “الكرملينولوجي” في عهد الحرب الباردة

والمشكلة التي أشار إليها ريدل وغيره من المسؤولين السابقين ممن تحدثوا إلى الإعلام هي أن أجهزة المخابرات الأمريكية، خاصة سي آي إيه، تبنت مدخلا مسيسا تجاه السعودية وتحديدا في ظل آخر 3 مدراء لها. فبدلا من طرح أسئلة معقدة وتعزيز جهود جمع المعلومات توصل المدراء للنتائج وابتعدوا عن أية معلومة لا تعجبهم. ولا يزال التوجه قائما، كما في حالة وزير الخارجية مايك بومبيو الذي دفع بحالة الطوارئ لتمرير صفقة أسلحة إلى السعودية. ويعلق لندن أن تصريحات ريدل تكشف عن حقيقة مثيرة للقلق وهي أن الإدارات المختلفة في البيت الأبيض اختارت غض النظر عن تصرفات السعودية وتجاهل ما يجري خلف حجاب المملكة.

ويرى الكاتب أن عملية تسييس المعلومات الأمنية لا تحتاج إلى قرارات متشددة لقتل الحقيقة، فلا يوجد هناك ما يشي أن إدارة باراك أوباما أو جورج دبليو بوش طلبت تقييما قوميا عن السعودية، وهي تقديم ورقة تحليلية عما يجري في المملكة. ويتهم النقاد كلا من ترامب وأوباما بأنهما تبنيا نفس المدخل تجاه المجتمع الاستخباراتي. لكن طريقة تعامل الإدارة الحالية غير مسبوقة، فمنذ 40 عاما لم ير الكاتب جهدا من المخابرات ووكالة الأمن القومي لإخفاء الحقيقة التي تفضح، تناقض أو تزعج الرئيس. فمايك بومبيو وخليفته جينا هاسبل عملا جهدهما للسيطرة على المعلومات المتعلقة بسي آي إيه ومواقفهما وتعليقاتهما التي تشكل صورتهما مع صورة الرئيس.

ويتساءل الكاتب عما حدث للعملية الأمنية الأمريكية المتعلقة بالسعودية وكيف يمكن إصلاحها.

يتذكر لندن كيف زار السعودية مع جون برينان، مدير المخابرات في عهد أوباما، حيث استقبلهم الأمير سلمان الذي كان وليا للعهد على مأدبة غداء. وقال إن الأمير كان مؤدبا وحريصا على استقبال ضيوفه والترحيب بهم من خلال المصافحة مع أن يده كانت ترتعش بشكل مستمر، ولم يكن حديثه مع الضيوف أكثر من العبارات العادية وما كتب له. كان تركيزه قصيرا وخرج سريعا بعد جلوسه. وتوقع ريدل أن يكون الأمير، الملك الحالي، يعاني من أعراض ما قبل الخرف. في تلك الحفلة كان حاضرا شخص لم يكن معروفا بعد وظل ملازما للأمير سلمان بالإضافة إلى مساعديه.

واستغرب الكاتب أن الشخص هذا لم يكن إلا نجل سلمان، محمد بن سلمان. وهذا شخص لم يكن يتوقع رجال الأمن حضوره ولم يكن معروفا لديهم سوى أن اسمه على شجرة عائلة آل سعود. ويقول لندن إنه راقب برينان وهو يتحدث بصوت خفيض مع الأمير الشاب في زاوية الخيمة بعد خروج والده. ولم يكن في الحديث ألفة لأن المخابرات الأمريكية اختارت رجلها، وهو الأمير محمد بن نايف الذي عرف بـ”حبيب خدمات مكافحة الإرهاب والاستخبارات الأمريكية”. وأصبح محمد بن نايف رجل سي آي إيه في السعودية. وصوره ريدل بأنه بطل مكافحة تنظيم القاعدة ونجا من عملية اغتيال. وأثنى رجال المخابرات عليه من جورج تينت الذي وصفه بأنه “محاوري الأفضل”، إلى ليو بانيتا الذي قال بأنه “أذكى سعودي بين جيله”.

وفعل جون برينان الذي عينه أوباما مديرا للمخابرات عام 2013 نفس الأمر وسوق محمد بن نايف إلى الإدارة. ويرى الكاتب أن برينان يدير ملف السعودية بطريقة حدد فيها أي منظور يكشف عن ديناميات جديدة داخل العائلة ويؤثر على الشخص المختار وضعفه، مما حد من منظور الرئيس عن الرجل الذي يريد مساعدته للوصول إلى العرش. وأقنع برينان أوباما للاستثمار في محمد بن نايف. وحاول مدير سي آي إيه استخدام التأثير السعودي لخدمة مبادرات الولايات المتحدة الواسعة والحيوية والتي تتراوح من سوريا إلى إيران والتسوية السلمية وشرق آسيا وروسيا. وفي الوقت الذي عمل فيه برينان على تقديم صورة جيدة عن رجله في البيت الأبيض لم يكن قادرا على حمايته والتعويض عن ضعفه في داخل العائلة.

ويرى الكاتب أن الجميع في السعودية كان يعرف ألا علاقة مودة موجودة بين بن نايف وبن سلمان. ويقول إن محاولة الاغتيال التي تعرض لها بن نايف تركت عليه آثارا أكثر مما كشف عنها، فقد ظل يعتمد على المسكنات. وهي النقطة التي استخدمها محمد بن سلمان لكي يهندس انقلابه وإقناع مجلس البيعة أنه مريض ويعتمد على المسكنات. ومن هنا فقد خسرت أمريكا الحصان الذي راهنت عليه وتركت للتعامل مع نجم صاعد لا تعرف عنه إلا القليل. فكيف حدث هذا؟

برينان الذي كان يعرف بالسعودية سيس المعلومات الأمنية التي كانت ستستخدم من أجل خدمة عملية اتخاذ القرارات

والسبب كما يقول إن برينان الذي كان يعرف بالسعودية سيس المعلومات الأمنية التي كانت ستستخدم من أجل خدمة عملية اتخاذ القرارات. وكان المساعدون المقربون من محمد بن نايف يعرفون ما سيحدث ولهذا غيروا مواقعهم ولم يساعدوا رجلهم، كل هذا بسبب الإدارة المصغرة وعدم مصداقية المعلومات التي قدمها برينان.

ويرى الكاتب أن المخابرات الأمريكية وبعد سبعة أعوام من الخطأ يبدو أنها لم تتعلم. وواجهت مشكلة مع ترامب الذي لم يكن مستعدا للاستماع إلى المواقف المتناقضة من المسؤولين العاملين معه ويفضل حدسه في شؤون السياسة الخارجية. ولهذا وجد في مايك بومبيو أثناء عمله كمدير للمخابرات شخصا يفتقد الفضول والعمق والاستعداد لتقديم ما يتناقض مع سيده. وعلى خلاف برينان فالمديرة الحالية جينا هاسبل لم تتظاهر بأنها تريد بناء علاقة مع محمد بن سلمان أو أي نجم صاعد. وهذا نهج ليس سيئا. ورغم إدارتها لمحطة للسي آي إيه من قبل فمدخلها مناسب للعواصم الأوروبية لا إقامة علاقات مع المجتمع السعودي. ولكنها قامت بنقل الوقائع عن السعودية كما هي بدون أن تفصلها عما يرد في الإعلام عن محمد بن سلمان، ولا تورطه في جريمة مقتل جمال خاشقجي.

ولكنها مثل من سبقها ترددت في النظر عميقا ونقل أخبار سيئة تناقض أو تحرج سيدها. وهي إن كانت مع جمع معلومات عن المملكة لكن سيدها الذي يحمل رؤية إيجابية عن محمد بن سلمان ودافع عنه أمام تقرير سي آي إيه الذي أكد أن قتل خاشقجي تم بأمره، تفضل أن يظل صندوق المشاكل مغلقا. وكان ترامب مصدر قوة وضعف لمحمد بن سلمان، فقد دعمه في ملفات وضغط عليه في أخرى. وكان ترامب مفيدا في ملف خاشقجي وحرب اليمن ولكنه كان مصدر قلق لبن سلمان في إيران والسلام الفلسطيني- الإسرائيلي وسوريا.

ويرى الكاتب أن العائلة السعودية ليست متجانسة وربما واجه محمد بن سلمان ليلة السكاكين مثل ابن عمه لو لم يكن حذرا. فتحركاته الأخيرة تظهر عدم تيقنه بالمدة التي سيظل والده حيا لكي يعطيه الغطاء. ومن ذلك اعتقاله لعمه أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف. ولم تعمل الإدارة الأمريكية التي سهلت عودة الأمير أحمد من المنفى أي شيء. ولم تعترض على اعتقال رجلها السابق محمد بن نايف. وتبع ذلك الضغط على مساعد بن نايف، سعد الجبري، واعتقال ولدين من أولاده لكي يجبره على العودة من كندا. وكان الجبري الذي يعرف كما وصفه الإعلام “أين دفنت الجثث” قد فر بعد الإطاحة بمحمد بن نايف.

ويقول لندن حول اعتقال المقربين من أمريكا أو من يعتبرون أنفسهم في مأمن من الاعتقال بناء على التطمينات الأمريكية، إن محمد بن سلمان كشف عن قسوته وأرسل رسالة واضحة عن مخاطر التعاون مع أمريكا، ثمن المعارضة وضعف أمريكا عن حماية أرصدتها. وفي هذا السياق لا يريد ترامب أي معلومات تكشف عن هذا الوضع وتخرب رؤيته عن المملكة وعلاقته مع الأمير.

ولدى محمد بن سلمان مشاكله الداخلية، فعليه أن يرضى بعائلة الشيخ القوية المرتبطة مع العائلة المالكة بالزواج. ويمكن للواحد التساؤل عن مدى دعم آل الشيخ -أحفاد محمد بن عبد الوهاب- لإصلاحات الأمير مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة والسماح بعزف الموسيقى والاختلاط بين الرجال والنساء في الأماكن العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية