لندن – “القدس العربي”:
نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريرا أعدته ناحال توسي حول تأخر إدارة بايدن بمعالجة تطرف المستوطنين وعنفهم في الضفة الغربية وأن الخطوات التدريجية الأخيرة لمعالجة الوضع قد تكون متأخرة وأن المعركة فيها قد خسرت.
وقالت في التقرير إن الولايات المتحدة اتخذت في الفترة الأخيرة خطوة في الشرق الأوسط غابت وسط هدير الصواريخ الإيرانية وزحف القوات الإسرائيلية: فقد فرضت عقوبات اقتصادية على “شبان التلال”، وهي مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين الذين يهاجمون الفلسطينيين بشكل روتيني في الضفة الغربية.
وهي الخطوة الأحدث في سلسلة من العقوبات التي فرضها الرئيس جو بايدن على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين خلال العام الماضي بينما كانت إسرائيل تخوض حربا في غزة، وفي وقت غرقت فيه الضفة الغربية بشكل أعمق في العنف والاحتلال.
وتعلق أن الاستماع إلى كبار مساعدي بايدن وهم يتحدثون عن هذه الجهود هو بمثابة سماع أشخاص فخورين جدا بأنفسهم. ويمكن أن تشمل العقوبات على تجميد أموال المجرمين المزعومين في محاولة من إدارة بايدن لإظهار أنها تتصرف بنزاهة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وتظهر أنها جادة عندما تتحدث عن إنشاء دولة فلسطينية، رغم الاعتراض الإسرائيلي الشديد.
وتقول توسي إنها وبعد أشهر من الاستماع لتهنئة المسؤولين أنفسهم، ظل لديها سؤال واحد لبايدن وفريقه: لماذا لم تفعلوا هذا منذ سنوات؟
فكل الاتجاهات التي نتحدث عنها في الضفة الغربية كانت موجودة في ذلك الوقت ولو تحركت الإدارة بسرعة، فربما كان الشرق الأوسط اليوم أقل فوضى.
وقد سألت هذا السؤال لبعض أعضاء فريق بايدن البارزين و”لم يعطني أحد إجابة مرضية، ومن المهم أن نستمر في التساؤل، لأن مصير الشرق الأوسط ربما كان كامنا في الضفة الغربية، وما هي الخطوات التي ستتخذها إسرائيل والولايات المتحدة والفلسطينيون أنفسهم هناك الآن”.
وقال خالد الجندي، الزميل في معهد الشرق الأوسط، إن “الضفة الغربية هي آخر بقايا الدولة الفلسطينية التي لم يتم تدميرها أو إزالتها من على الطاولة بعد” و”إذا سقطت، وإذا سيطرت المستوطنات على كل شيء، فلن يكون هناك حتى ادعاء بدولة فلسطينية”. وإذا فقد الفلسطينيون هذا الأمل في تحقيق الدولة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الصراع الذي يكمن في جذور القتال الحالي في غزة، وهو الصراع الذي ظل على مدى عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين على نفس الأرض.
ويعني هذا تضاؤل فرص تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط وتسوية عادلة، ذلك أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يغذي الكثير من المظالم في المنطقة، بما فيها السخط على الولايات المتحدة المتهمة بالتحيز لإسرائيل، رغم زعم إدارة بايدن أن الحل هو في دولتين جنبا إلى جنب.
وتقول توسي: “اليوم، يراقب العديد من هؤلاء المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، الضفة الغربية وهي تنهار بحركة بطيئة، جنبا إلى جنب مع انهيار حلم فلسطين المستقبلية”. واعترف أحد كبار المسؤولين في إدارة بايدن، طلب عدم الكشف عن هويته، بأن “المؤشرات كلها سلبية حقا”.
وتشير توسي إلى أن إسرائيل ومنذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أغلقت الضفة الغربية بشكل كبير وأضافت العديد من نقاط التفتيش والبوابات وغيرها من العوائق التي تحد من قدرة الفلسطينيين على التجول والوصول إلى الخدمات الأساسية.
كما وأوقفت إسرائيل تصاريح العمل لآلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين كانوا يعملون في إسرائيل. كما شن الإسرائيليون مئات الغارات في أنحاء الضفة لمواجهة ما يقولون إنه تصعيد للنضال الفلسطيني، مما أدى في كثير من الأحيان إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية. وقتل أكثر من 700 فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي الوقت نفسه صعد المستوطنون المتطرفون، الذين يريدون ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل من هجماتهم ضد الفلسطينيين، خاصة في الأشهر التي تلت هجمات العام الماضي.
وقد أدت هذه الهجمات إلى إفراغ القرى الفلسطينية، وقتل العديد من الفلسطينيين وسلبت آخرين مواشيهم ومحاصيلهم وغيرها من سبل العيش.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن القوات الإسرائيلية اكتفت في معظم الأحيان بمراقبة الهجمات أو شاركت فيها. وفي الوقت نفسه، كشفت الحكومة الإسرائيلية عن خطط لمصادرة مزيد من الأراضي وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وتضيف أن بعض وزراء الحكومة اليمينية المتطرفة يحاولون معاقبة السلطة الوطنية التي تدير أجزاء من الضفة، اقتصاديا. ورفضوا في عدة مرات تقديم موارد المقاصة الضريبية إلى السلطة. كما هدد الوزراء اليمينيون المتطرفون بمنع البنوك الإسرائيلية من التعامل مع البنوك الفلسطينية، وهي خطوة قد تسحق اقتصاد الضفة الغربية.
ولم تخف مثل هذه الشخصيات رغبتها في ضم الضفة الغربية إلى “إسرائيل الكبرى” التي تشمل حتى الأردن.
ونقلت المجلة عن خافيير أبو عيد، المستشار السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي يعيش في الضفة الغربية: “إننا نشعر بالإحباط، لكننا لسنا مهزومين” و”نحن السكان الأصليون في الأرض. قد ينجح الإسرائيليون في مقاطعة حل الدولتين، لكنهم لن يمحونا”.
وتعلق المجلة أن هذه الاتجاهات كانت حاضرة في الضفة قبل هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. فعنف المستوطنين في تصاعد مضطرد وظل الجيش الإسرائيلي حاضرا ونشطا في الضفة، فيما هدد الوزراء المتطرفون بقطع تمويل السلطة وقبل بداية الحرب. وقال بعض النقاد إن احتلال إسرائيل للضفة الغربية أصبح بمثابة ضم فعلي فيما ذهب آخرون أبعد من ذلك ووصفوا الوضع بأنه فصل عنصري.
وكان بإمكان بايدن وفريقه تحقيق مزيد من التوازن على الوضع وتمييز أنفسهم عن عهد ترامب. لكنهم لم يحاولوا أبدا ولم يعودوا إلى الموقف السابق من المستوطنات والذي تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
وفي الوقت الذي حث فيه بعض مسؤولي إدارة بايدن على اتخاذ موقف نشط، ودعوا لفرض عقوبات ضد المستوطنين المتهمين بممارسة العنف والحد من قدرتهم على التعامل مع التجارة العالمية وبخاصة مع الأمريكيين، إلا أن أصواتهم حجبت وتغلب عليها صوت زملائهم الذين حذروا من التحرك ضد المستوطنين حتى لا يزعزع استقرار الحكومة الائتلافية الإسرائيلية أو يحشد الإسرائيليين حول المتطرفين، كما أخبرها مسؤولان أمريكيان حاليان ومسؤول سابق مطلع على المناقشات.
وتقول “لنفترض أن الإدارة استهدفت هؤلاء المستوطنين في وقت سابق. وربما كان من شأن ذلك أن ينبه القادة الإسرائيليين إلى أن الولايات المتحدة، في عهد بايدن، جادة بشأن الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية. وربما منح ذلك بعض الأمل للفلسطينيين. وربما لم يمنع هذا هجمات حماس في العام الماضي، لكن الموقف الأمريكي الأقوى ضد التطرف كان من شأنه أن يقوض اليمين المتطرف في إسرائيل إلى درجة ربما لا يكون أحد منهم في حكومتها الحالية”.
وفي الوقت الذي تحركت فيه إدارة بايدن ضد المستوطنين المتهمين بالعنف، بدءا بحظر التأشيرات على المستوطنين المتطرفين في أواخر العام الماضي والعقوبات في شباط/فبراير، كان معظم الإسرائيليين غاضبين من هجوم حماس لدرجة أنهم لم يهتموا كثيراً بالرأي الأمريكي ولم يتمكنوا من تفهم قيام دولة فلسطينية.
ولم يغب عن الفلسطينيين أيضا أن بايدن، الذي كان يترشح لإعادة انتخابه آنذاك، فرض العقوبات عندما كان من الواضح أنه قد يخسر عددا كبيرا من الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتأرجحة.
وأكد كبار المسؤولين في إدارة بايدن للكاتبة أن المزيد من العقوبات على المستوطنين قادمة، وأن وزراء حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل قد لا يكونون في مأمن منها.
وتستدرك قائلة: “لكنني أسمع أيضا انتقادات من الفلسطينيين ونشطاء حقوق الإنسان مفادها أن الإدارة تتحرك ببطء شديد، وبشكل تدريجي للغاية، ومن المرجح أن تقوم الرموز المستهدفة بالعقوبات بتحويل أصولها المالية بطرق يمكن أن تحميها من العقوبات”.
وفي النهاية فالإدارة الأمريكية ليست متأخرة بالرد بل وكأنها لا تفعل أو تفعل أقل مما ينبغي عليها فعله.