لندن- “القدس العربي”: كشفت مجلة “بوليتيكو” عن الضغوط التي تتعرض لها باكستان للمساعدة في مقاومة تنظيم “الدولة- ولاية خراسان”، في وقت تطالب إسلام أباد على الأقل بالاعتراف بما قامت به من استقبال اللاجئين الذين فرّوا من أفغانستان بعد سيطرة طالبان على السلطة في كابول.
وفي تقرير أعدته ناحال توسي قالت إن الاتصالات بين باكستان والولايات المتحدة تم توثيقها في رسائل إلكترونية حساسة لكن ليست سرية، بالإضافة إلى مواد أخرى مكتوبة حصلت عليها “بوليتيكو” وتقدم كلها لمحة عن التوترات التي لا تزال بين واشنطن وإسلام أباد بعد عقدين من الحرب في أفغانستان. وتشير إلى أن البلدين ليسا على خطوة واحدة في الطريق إلى الأمام، حتى بعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان.
وفي لقاء مع مسؤول في الخارجية الأمريكية، تساءل سفير باكستان في واشنطن، أسد مجيد خان، عن صحة التقارير التي زعمت أن طالبان تقوم بأعمال انتقامية في أفغانستان وأنها تقوم بإعدام أعدائها المفترضين في مداهمات منزلية. وأخبر خان المسؤول أنه “بناء على مراقبتنا الميدانية” فطالبان أفغانستان لا تحاول الانتقام، بل تقوم بزيارة البيوت لتطمين الأفغان بأنه لن تكون هناك عمليات انتقام وعقاب لمن تعاونوا مع القوات الأجنبية.
وقال المسؤول إريفين ماسينجا من وزارة الخارجية إنه شاهد العكس، وعبّر عن أمله بألا تحاول طالبان الانتقام. وفي الوقت نفسه، تواجه السفارة الأمريكية في إسلام أباد ضغوطا بسبب تدفق اللاجئين. وينتظر الدبلوماسيون منذ عدة أيام ردا من واشنطن على عدد من الأسئلة حول كيفية التعامل مع تدفق اللاجئين إلى باكستان من الجارة أفغانستان. ولم ترد السفارة الباكستانية على أسئلة المجلة وكذا وزارة الخارجية التي قال المتحدث باسمها “لا نعلق على الوثائق المسربة ولا على الحوارات الخاصة”.
وتعلق المجلة أن إدارة بايدن حاولت المراوغة في الكشف عن مناقشاتها مع باكستان. ورغم التضارب في المواقف بين إسلام أباد وواشنطن، إلا أن باكستان بلد مهم وعلى علاقة مع طالبان أفغانستان، ويمكن أن يكون تعاونها مهما في مكافحة التطرف. ولا يُعرف إن كان المسؤولون الأمريكيون يريدون خسارة دولة نووية بالكامل للتأثير الصيني. ولم يتصل بايدن بعد مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وكان انتظار الأخير لمكالمة بايدن محلا للشائعات في الإعلام الباكستاني.
وتحدث وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في الشهر الماضي مع نظيره الباكستاني شاه محمود قريشي، وذلك أثناء تدهور الوضع في أفغانستان وتقدم طالبان نحو كابول ثم السيطرة عليها. وقبل أسبوع اتصل وزير الدفاع لويد أوستن مع نظيره الباكستاني قمر جافيد باجوا، كما التقى مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان مع نظيره الباكستاني مؤيد يوسف في نهاية تموز/ يوليو، وهو لقاء أكدته تغريدة لسوليفان، ولكن ليس إيجازات البيت الأبيض.
ويرى دانيال ماركي، الذي عمل في وزارة الخارجية من 2003- 2007 والخبير في شؤون جنوب آسيا: “من الواضح أن إدارة بايدن وعلى أعلى المستويات لديها تحفظ من باكستان نابع من تجربة سنوات وهي غير مستعدة لأن تعطي باكستان علامة نجاح أو مجدا ترغب فيه”.
وتعاونت إسلام أباد في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر ضد طالبان، ولكن النقاد اتهموا باكستان بممارسة لعبة مزدوجة. وتُتهم قوات الأمن والاستخبارات الباكستانية بتربية حركة طالبان أثناء حكمها في فترة التسعينات، وأنها منحت ملجأ آمنا لقادتها بعد الإطاحة بهم عام 2001، بل هناك من يقول إن الباكستانيين دربوا طالبان على الأساليب التي أسهمت في اجتياحهم السريع لأفغانستان الشهر الماضي.
ويرى مسؤولون سابقون أن الدافع وراء دعم باكستان لطالبان لأنها تعتبرها شريكا في المستقبل لمواجهة الهند، مع أنها ساهمت في دفعها إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية التي سقطت في كابول، حتى مع رفض المسؤولين في إسلام أباد دعمهم النشط لطالبان أفغانستان. وتعاونت باكستان أكثر في الحرب ضد القاعدة وبقية الجماعات الإرهابية، مع أن هناك من تساءل عن نواياها، فقد اكتشفت المخابرات الأمريكية مخبأ أسامة بن لادن في أبوت أباد عام 2011، ونفت الحكومة الباكستانية معرفتها بمكان وجوده هناك.
ومع كل هذا، فتعاون باكستان في ملاحقة وضرب أهداف إرهابية مهم بعد خروج القوات الأمريكية، وسيكون “نافعا” حسب دبلوماسي أمريكي. وأضاف أن إيصال المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان في المستقبل قد يقتضي استخدام خطوط ومعابر من باكستان إلى أفغانستان. وأشارت المجلة أن انتصار طالبان في أفغانستان قد لا يكون في مصلحة إسلام أباد، فقد جرّأ النصر حركات مثل طالبان باكستان التي تستخدم العنف من أجل الإطاحة بالحكومة الباكستانية، كما ستثقل أزمة اللاجئين كاهل الحكومة التي استقبلت أصلا ملايين اللاجئين الأفغان.
وتقول المجلة إن لقاء ماسينجا وخان عقد في 26 آب/ أغسطس، وهو نفس اليوم الذي قُتل فيه 170 أفغانيا و13 جنديا أمريكيا نتيجة تفجير في مطار كابول الدولي، نفذه تنظيم الدولة- ولاية خراسان.
وقدم السفير الباكستاني تعازيه وعرض المساعدة الطبية، واستخدم ماسينجا المناسبة قائلا إن باكستان يمكن أن تساعد في جبهات أخرى. وبحسب الوصف الذي ورد للقاء “معترفا بالمأساة، أكد ماسينجا على المصلحة المتبادلة لباكستان والولايات المتحدة في مهاجمة تنظيم الدولة- ولاية خراسان والقاعدة”. وردّ سفير باكستان معترفا بأن “تنظيم الدولة- ولاية خراسان هو عدو مشترك”.
وبحسب ملاحظات اللقاء، عبّر ماسينجا عن امتنانه للدور الذي لعبته باكستان في مساعدة من تم إجلاؤهم عن أفغانستان. مع أن ما اطّلعت عليه المجلة لا يفصّل الدور الذي قامت به باكستان. وفي نقطة من اللقاء “ألمح خان أن بلاده ستعبر عن امتنانها لو تم الاعتراف علنا بالدور الذي قامت به في عملية الإجلاء”، مع أن بيان بلينكن في 20 آب/أغسطس لم يذكر باكستان من ضمن الدول التي ساعدت في عملية الإجلاء.
وبعيدا عن مساءلته للتقارير حول انتقام طالبان، بدا خان مدافعا عن الحركة و”زعم أن طالبان لم تمنع مواطني بلد ثالث من الذهاب إلى مطار كابول، ولكنه اعترف بوجود مشاكل مع الأفغان ووصولهم إلى نقاط التفتيش”. وأشار خان إلى الجهود الباكستانية لدفع طالبان لتشكيل حكومة تمثل الجميع، مع أنه اعترف بصعوبة الاتصال بهم.
وترى ليزا كيريتس، التي كانت تدير ملف باكستان وأفغانستان في مجلس الأمن القومي بالإدارة السابقة، أن الولايات المتحدة وباكستان لا تزالان بعيدتين حول كيفية التعاون في أفغانستان و”لو جادل البعض أننا بحاجة لدعم باكستان كي تعدل من سلوك طالبان، فعليهم تذكر أننا لم نحصل على هذا الدعم لمدة 20 عاما ومن المستبعد أن نحصل عليه اليوم وقد وصلت طالبان إلى السلطة في أفغانستان”.
وفي برقية اطّلعت عليها المجلة وأرسلت في 28 آب/ أغسطس طلبت فيها “إرشادا عاجلا” حول كيفية التعامل “مع العدد المتزايد من طلبات المساعدة للأفغان في باكستان” ممن زعموا أن لديهم الأوراق اللازمة لإعادة التوطين في الولايات المتحدة. وفي الكثير من الحالات، أحالت السفارة الطلبات إلى الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية المتعاونة معها.
ومن الأسئلة التي طرحها المسؤولون في السفارة الأمريكية تلك المتعلقة بكيفية مساعدة الأفغان الذين يحملون طلب هجرة تأشيرة للهجرة الخاصة يتم النظر فيه لكن لم يصدر قرار بالموافقة علية أو من يقولون إنهم مؤهلون للتأشيرة لكنهم لا يحملون معهم ملفات تحويل للسفارة.
واعترف المسؤولون في السفارة أن الامور قد تزداد صعوبة. وفي 30 آب/ أغسطس أعلنت السفارة عن إنشاء وحدة مهام خاصة لمعالجة موضوعات أفغانستان- باكستان. والهدف من الوحدة هو “قيادة وتنسيق مهمة الرد على الموضوعات الإنسانية وإجلاء اللاجئين وغير ذلك من الموضوعات المتعلقة بأفغانستان”.