تحل هذا الأسبوع ذكرى وفاة الرئيس هواري بومدين، الثالثة والأربعون- 27 ديسمبر 1978- عن عمر لم يتجاوز 46 سنة. ذكرى عادة ما تمر، من دون ضجيج إعلامي ولا سياسي، لا يتم الاحتفال بها رسميا إلا من قبل عدد قليل جدا من الأوفياء للرجل وذكراه. مع ذلك فبومدين ما زال حاضرا لدى الكثير من الجزائريين بأفكاره ومواقفه السياسية، التي يتذكرها الجزائريون ويعودون إليها. وهم يعاينون ما حلّ بهم وببلدهم، بعد وفاة هذا الرئيس الذي يختلف عن كل من عرفوه من رؤساء.
يعود الجزائريون إلى بومدين، عكس كل رؤسائهم السابقين، بعد أن ربطوا في مخيالهم السياسي الجمعي بين قوة الجزائر ودورها السياسي، على المستوى الإقليمي والدولي، وهذا الرجل الذي لم يتعرفوا عليه جيدا إلا بعد وفاته، هو الذي حكمهم أكثر من عشر سنوات 1965- 78 رئيس جمهورية بعد الاستقلال، وقائدا عسكريا على رأس قياد الأركان أثناء ثورة التحرير.
تجربة خلق بومدين لنفسه فيها هالة من الزعامة استفاد منها للوصول إلى الحكم بعد الاستقلال وهو يتخطى كل الوجوه السياسية المعروفة الأخرى، الأقدم منه في النضال الوطني السياسي، هو الذي لم يعرف النضال الحزبي طول حياته التي قضاها عسكريا على الحدود. بومدين الذي مارس السياسة داخل مؤسسات جيش التحرير- تعلم الدرس فمنعها بشكل صارم على الآخرين – وليس في أحزاب الحركة الوطنية، استطاع أن ينجز الكثير من التحالفات السياسية، التي سمحت له بالوصول إلى قمة الهرم السياسي، بعد الاستقلال وهو ينافس ويتخطى قيادات تاريخية من أمثال آيت أحمد، بن بلة، وبوضياف وغيرهم كثير، في وقت قياسي وظرف صعب، حصلت فيه الجزائر على الاستقلال، بعد حرب تحرير شرسة، لم يشارك فيها بومدين ميدانيا داخل التراب الوطني، كما شارك فيها من نافسهم وانتصر عليهم من الزعامات على السلطة قبل وبعد الاستقلال، ما جعله يحس بعقدة إزاءهم استمرت معه لغاية وفاته، عبرت عن نفسها بالصراعات التي دخل فيها مع قيادات جيش الولايات، من أمثال العقيد الطاهر الزبيري ولخضر بورقعة.
العودة إلى المنبت الاجتماعي لبومدين قد يكون المفتاح الذي يمكن أن نفسر به هذا النجاح الذي حققه الرجل في طريقه إلى السلطة، فهو ابن للفئات الريفية المالكة الصغيرة، الحاضرة بقوة في المجتمع الجزائري، ليس ديموغرافيا فقط، بل ثقافيا وسياسيا كذلك، حتى حين نقارنها بالفئات المالكة الريفية الكبيرة والمتوسطة، التي كانت حاضرة في الريف والمدينة لاحقا، لكنها لم تهيمن لا ثقافيا ولا سياسيا، كما فعلت هذه الفئات البورجوازية الصغيرة، من خلال أبنائها الذين حكموا الجزائر قبل وبعد الاستقلال. أبناء البورجوازية الصغيرة، الذين هيمنوا واحتلوا مواقع السلطة، بعد أن تمكنوا من فرض وجودهم، وهم يقنعون كل أبناء الفئات والطبقات الأخرى بأنهم هم الجزائر، هم الذين يمثلونها ولا أحد غيرهم، استعملوا مواقعهم الاجتماعية الوسيطة للكلام باسم الشعب، الذي يحسون بأنهم قريبون منه كثيرا، من دون أن يبتعدوا عن الفئات المالكة وحتى الميسورة، التي بقوا معها على احتكاك، توسع لاحقا عن طريق المصالح الذي عبرت عنها أحسن تعبير المصاهرات، التي أنجزوها كوسط اجتماعي مع بنات البورجوازية الحضرية الذين بقوا يحسون إزاءها بعقدة مستعصية. فئات مثلت بالنسبة لهم المدينة التي دخلوها عنوة وهم على رأس السلطة، بعد الاستقلال أحسوا دائما بأنها كانت بعيدة عنهم ولم ترض عنهم كحكام عاشوا فيها مثل «الانكشاريين» في أحياء شبه مغلقة، من دون أن يعرفوها لا المدينة، ولا سكانها، في بلد واسع مثل الجزائر استمر عمقه الريفي هو الأساس لغاية السنوات الأخيرة.
منح بومدين العلاقات الشخصية والثقة في الفرد، قيمة مطلقة على حساب الأبعاد السوسيولوجية والأيديولوجية التي تم تغييبها
لا يقتصر الأمر على هذه الهيمنة السياسية الأكيدة بالنسبة لأبناء هذا الوسط الريفي الشعبي، بل تعدى الأمر في حالة الجزائر إلى هيمنة ثقافية وفكرية من قبل أبناء هذه الفئات المالكة الريفية الصغيرة، التي التحقت بسرعة بالمدينة، من دون أن تتخلى عن روابطها المتينة، مع عالم الريف، الذي أصرت على تمثيلها له حتى وهي تفقد معه مع الوقت، الكثير من الروابط التي كانت تربطها به بحكم المولد. فلم يتخل أبناء هذه الفئات المالكة الصغيرة عن لهجاتهم، وطريقة حديثهم ونوعية غنائهم وموسيقاهم التي فرضوها بعد الاستقلال على كل الشعب الجزائري بمختلف فئاته، في إطار مشروع بناء المواطن الجزائري الجديد، عندما وضعوا أيديهم على مؤسسات الهيمنة، كما كان يقول المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي.
نجح أبناء البورجوازية الريفية الصغيرة التي يمثلها بومدين أحسن تمثيل، في التوليف بين التقليدي والعصري في المجتمع الجزائري، كما تم التعبير عنه في علاقاتهم المبهمة بالمرأة، التي علموها بقوة، لكنهم رفضوا لها العمل واحتلال مكانتها في الفضاء العام إلا بقدر يسير، هم الذين استفادوا من التعليم باللغتين العربية والفرنسية بشكل متفاوت، حتى إن لم يكن بمستوى ما استفاد به أبناء الطبقات المالكة، من دون أن ينسوا تذكير الجميع بأنهم هم وليس أحد غيرهم من يمثل الشعب وفئاته الفقيرة والشعبية، التي استعملوها كفئات إسناد في صراعاتهم مع البورجوازية الكبيرة للوصول إلى السلطة والحفاظ عليها، قبل وبعد الاستقلال، داخل المؤسسة العسكرية والسياسية. فقد نجح بومدين في استعمال الضباط الفارين من الجيش الفرنسي على سبيل المثال، أثناء صراعه على السلطة مع قيادات جيش التحرير ومناضلي الحركة الوطنية. كما استعمل بقوة لافتة أبناء القياد والبشاغات وكل الأوساط الميسورة لبناء مؤسسات الدولة الوطنية بعد الاستقلال، بلا حرج، من دون أن يمنحهم مقاليد السلطة الفعلية، التي بقيت بعيدة عنهم، بين يديه هو كشخص حتى على حساب المؤسسات التي رفض بناءها حتى لا يتقاسم داخلها السلطة مع الآخرين. تماما كما فعل مع ممثلي التيارات السياسية المنافسة على غرار الشيوعيين، الذين تعامل معهم لأداء أدوار محدودة في إطار لعبة سياسية استطاع هذا العسكري الأزهري، الذي تعلم الفرنسية لاحقا، إنجازها وهو مقتنع بأنه يمثل الشعب الذي لا يعرفه لا الشيوعي ولا أبناء التيارات المنافسة الأخرى، على غرار أبناء جمعية العلماء، والتيارات الليبرالية الذين استطاع تدجينهم واقناعهم بالمشاركة في لعبة سياسية كان الوحيد المتحكم في خيوطها.
فئات وأوساط ركز بومدين على التعامل معها كأشخاص، من دون عمق اجتماعي مانحا العلاقات الشخصية والثقة في الفرد، قيمة مطلقة على حساب الأبعاد السوسيولوجية والأيديولوجية التي تم تغييبها، تماما كما استمر الجزائريون في التعامل معه هو كشخص بالثقة التي حصل عليها، أربعة عقود بعد وفاته.
كاتب جزائري
من استعمار تركي الى استعمار فرنسي ثم استعمار عسكري وحشي من طرف اشرار وقتلت شعب الدزير وافتعال محرقة القبايل والانقلاب على الشرعية فى بداية التسعينيات وماخلفه من مساوئ فتم قتل ازيد من 300 الف مواطن جزائري من شرفاء الشعب وخسائر مادية لاتحصى .
عاش عظيما ومات عظيما والعظيم هو الله انه محبوب الشعب الجزائري حتى الذين لا يعرفونه يحبونه واسأل اي شخص رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته