بيروت تستعيد هدوءها بعد ليل متوتّر سيطر على أحياء كورنيش المزرعة وعين الرمانة- (صور وفيديو)

سعد الياس
حجم الخط
1

بيروت- “القدس العربي”:

استعادت بيروت وبعض المناطق هدوءها بعد ليلة متوتّرة خيّم عليها التشنج الطائفي والمذهبي، وكادت تأخذ البلاد مرة جديدة إلى فتنة لولا مسارعة بعض القيادات إلى احتواء التوتر وإصدار البيانات التي تدعو إلى التهدئة وتحكيم لغة العقل.

وانطلقت أجواء التشنج منذ ما قبل التحضير للتظاهرة التي رفعت شعار (6-6) أي 6 حزيران/ يونيو التي سعت إلى إعادة بث الروح في ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، وبدا واضحاً أن هذه التظاهرة التي كان سيرفع بعض المشاركين فيها شعارات تطالب بتطبيق القرار الدولي الرقم 1559 ونزع السلاح غير الشرعي، كانت ستُقابَل بشارع آخر يدعو إلى تقديس سلاح حزب الله ورفض المسّ بالمقاومة.

وقد سبق التظاهرة اتصالات لثني بعض مجموعات الانتفاضة عن المشاركة فيها بحجة رفعها شعارات سياسية ومرتبطة بأجندات خارجية، في وقت عمل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل على فصل التحرك عن الأهداف السياسية من خلال الدعوة إلى توحيد المطالب في التظاهرات وحصرها فقط بالمطالب المعيشية والاصلاحية بهدف عدم افشال الحراك.

لكن السلطة يبدو أنها اخترقت هذه التظاهرة بمجموعات مندسّة حوّرت التحرك عن وجهته، فكانت تُطلَق في صفوف المتظاهرين شائعات عن خطف ناشط من جهة، وكان شبّان غير معروفون يقومون برشق شرطة مجلس النواب بالحجارة، وكان آخرون يعتدون على المحلات، في وقت كان شبّان من الثنائي الشيعي قدموا من الخندق الغميق يتجمّعون على جسر الرينغ احتجاجاً على رفع شعارات تطالب بتطبيق القرار 1559 ونزع سلاح حزب الله. فتدخّل الجيش اللبناني وفصل بينهم وبين المتظاهرين الذين تبادلوا الرشق بالحجارة وبالشتائم.

وبعد أعمال الشغب التي طالت محلات تجارية ومحيط مجلس النواب، كان الجيش اللبناني وقوة مكافحة الشغب متأهّبين بأعداد كبيرة للتدخل وإطلاق القنابل المسيلة للدموع وتفريق المتظاهرين حيث شهدت ساحة الشهداء عملية كرّ وفرّ بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين تمّ إبعادهم إلى منطقة الكرنتينا.

وفي وقت كانت الأنظار متركّزة على مواجهات ساحة الشهداء، انتقل التوتر إلى محور الشيّاح عين الرمانة، حيث وقع إشكال على خلفية مرور دراجات نارية للثنائي الشيعي في أحد شوارع عين الرمانة المسيحية مطلقين هتافات مستفزّة، فتصدى لهم أبناء المنطقة.

ولكن الوضع سرعان ما تطوّر، وقدم مناصرون لحزب الله من منطقة الشيّاح المحاورة، واقتحموا أحد أحياء عين الرمانة مطلقين شعارات “شيعة شيعة”، فنزل مناصرون للقوات اللبنانية والكتائب وحصل تضارب بالعصي والآلات الحادة ورشق بالحجارة، وسُمع إطلاق نار في الهواء قبل أن يتدخّل الجيش بقوة ويعيد الهدوء إلى المنطقة، ويشكّل جداراً فاصلاً بين الطرفين.

وفي وقت لاحق، تدخّل مسؤولون من حركة أمل والقوات اللبنانية وعملوا على تهدئة الشبّان الذين تبادلوا الشتائم لكل من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

وبقي مناصرو القوات والكتائب وأهالي المنطقة ساهرين طيلة الليل لترقّب أي تحرّك من قبل الثنائي الشيعي، وحضر النائب نديم بشير الجميّل إلى المنطقة ليلاً حيث استٌقبل بالهتافات المؤيدة للرئيس بشير الجميّل وبالأناشيد الثورية. وقال مسؤول قواتي: “لا نريد خطوط تماس جديدة، ولكن منطقة عين الرمانة لها عنفوانها وكرامتها وتاريخها، ونترك للجيش اللبناني مسؤولية الحفاظ على أمن هذه المنطقة والمنطقة الأخرى”.

تزامناً، أفيد عن انتشار فيديو لشبّان شيعة يوجّهون السُباب للسيدة عائشة أم المؤمنين، حيث ساد الغليان في الشارع السنّي ونزل شبّان سنّة غاضبون إلى شوارع الطريق الجديدة وقطعوا طرقات قصقص والناعمة وخلدة وطرابلس والمصنع في البقاع.

وأطلق الشبان الغاضبون في الطريق الجديدة شتائم للأمين العام لحزب الله، وسرعان ما تطوّر الوضع إلى إطلاق عيارات نارية سُمعت أصداؤها في الطريق الجديدة ووطى المصيطبة وقصقص وبرج ابي حيدر، وسقط جريح بالرصاص من الطريق الجديدة.

بعد هتافات وإهانات طالت أم المؤمنين ونصرالله واعتُبرت جرس إنذار لوأد الفتنة

وحصلت مواجهات في الناعمة بين الجيش اللبناني ومن قطعوا الاوتوستراد الساحلي، وأصدرت دار الفتوى بياناً حذّرت فيه “جمهور المسلمين من الوقوع في فخ الفتنة المذهبية والطائفية”. وأكدت “أن شتم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها من أي شخص كائناً من كان لا يصدر إلا عن جاهل ويحتاج إلى توعية”.

وأشارت إلى “أن أبواب دار الفتوى مفتوحة لتعليمه من تكون السيدة عائشة زوجة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلّى الله عليه وسلم، وأي إساءة بحقها تمسّ كل المسلمين، وانطلاقا من ذلك فإن ما صدر من سب وإهانات من بعض الجهلة الموتورين لأنهم في غفلة من أمرهم ولا يفقهون تعاليم ومفاهيم ومبادئ الاسلام، وعليهم الاقتداء بأخلاق الإسلام استنادا بما جاء في الحديث النبوي الشريف “لم أبعث سباباً ولا شتامًا ولا لعاناً إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.. صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم”.

وفي محاولة لاحتواء التوتر، صدر عن رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بيان يدين الإساءة لأي رمز ديني، كذلك فعل حزب الله في بيان جاء فيه “على أثر الهتافات المسيئة وما يتم تداوله على بعض منصات التواصل الاجتماعي في هذا الشأن، أولاً: ما صدر من إساءات وهتافات من قبل بعض الأشخاص مرفوض ومستنكر ولا يعبّر إطلاقاً عن القيم الأخلاقية والدينية لعامة المؤمنين والمسلمين.. ثانياً: يذكّر حزب الله بالموقف الشرعي والديني لسماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي حفظه الله وفتواه المعروفة بحرمة التعرض لزوجات الرسول (ص) وأمهات المؤمنين وعامة مقدسات المسلمين، ثالثاً: إننا نحذّر بشدة من مسبّبي الفتن والمستفيدين منها وكل أولئك الذين يروّجون للفتنة ويدعون لها، ونرفض بشكل تام كل ما يمكن أن يؤدي إلى الفرقة والاختلاف والتوتر المذهبي والطائفي والديني”.

ودعا الرئيس سعد الحريري إلى التزام الوعي، وقال “أتوجّه إلى كافة المواطنين الذين هالهم التعرّض لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، منبّهاً إلى التزام حدود الوعي والحكمة وعدم الانجرار لأي ردّات فعل يمكن أن تهدد السلم الأهلي وتفسح في المجال أمام الجهلة لإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد..” ورأى “أن أي تطاول على السيدة عائشة أمر مشين ومرفوض أصابنا جميعاً في الصميم ويشكّل إهانة لكل المسلمين دون استثناء وليس لطيف ٍ واحد من أطيافهم، وهو ما كان محل استنكار وإدانة عن أولي الأمر في السياسية ورجال الدين من اخوتنا في الطائفة الشيعية بمثل ما صدر عن أهل السنة ودار الفتوى تحديداً.. ندائي إلى كافة الأهل والأحبة في كل المناطق أن نأخذ بدعوة دار الفتوى وتحذير جمهور المسلمين من الوقوع في فخ الفتنة المذهبية. لعن الله الفتنة ومن يوقظها”.

ولفت رئيس الحكومة حسان دياب إلى “أن رئاسة الحكومة تدين وتستنكر بأشد العبارات، كل هتاف أو شعار طائفي مذهبي، ولا سيما التعرّض لأم المؤمنين السيدة عائشة.. وتهيب بجميع اللبنانيين وقياداتهم السياسية والروحية التحلي بالوعي والحكمة، والتعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية المكلفة حماية الاستقرار والسلم الأهلي”.

أما رئيس الجمهورية ميشال عون فكان له موقف الأحد دان فيه “أي تعرض للرموز الدينية لأي مكوّن من مكونات العائلة اللبنانية”. وقال “إن كلمات الإدانة مهما كانت قوية في شجبها وإدانتها لما حصل لا تكفي، لا سيما وان التعرّض لأي رمز ديني لأي طائفة لبنانية هو تعرّض للعائلة اللبنانية بأسرها، ذلك أن مناعتنا الوطنية نستمدّها من بعضنا البعض، وقوتنا كانت وتبقى وستظل في وحدتنا الوطنية أياً كانت اختلافاتنا السياسية”.

وتوجّه “إلى ضمير كل مسؤول سياسي أو روحي، وإلى الحكماء من اللبنانيين الذين عايشوا أحداث العامين 1975-1976 التي ما زالت ماثلة أمامنا، للقيام بما يتوجّب عليهم، كل من موقعه، من أجل وأد أي شكل من أشكال الفتنة الناجمة عن المساس بمقدّسات بعضنا البعض الدينية والروحية والمعنوية، والتي من شأنها، إن استعرت، أن تقوّض الهيكل علينا جميعاً في الوقت الذي نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نضع اختلافاتنا السياسية جانباً ونسارع إلى العمل معا من أجل استنهاض وطننا من عمق الازمات المتتالية عليه، خصوصاً بعدما ملأت أصوات اللبنانيين الشرفاء المحقة الساحات، مطالبة بعيش كريم لائق لجميع أبناء الوطن الواحد”.

وختم عون: “ليكن ما جرى ليل أمس جرس إنذار للجميع لكي يعوا أنه ليس بالتعرّض لمقدسات بعضنا البعض نحقق أي مطلب مهما كان محقاً، وليس بالشتائم نحقق عيشاً كريماً، وليس بالاعتداء على العسكريين والتعرض للمتاجر والمؤسسات نصل الى أهدافنا، لان أي انتكاسة أمنية إن حدثت لا سمح الله، لن تكون لمصلحة أي كان، فلا نصرة لأحد منا على الآخر بالقوة او العنف وما الخاسر في ذلك الا خيرة شبابنا وهم مستقبلنا وحقهم علينا أن نمنحهم الدفع قدما للحياة الكريمة، لا إلى التقاتل وسفك دمائهم من خلال ازدراء مقدسات وقيم بعضنا البعض”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي سوري:

    لن يتعافى لبنان الا بعد اجتثاث حزب ملالي طهران

إشترك في قائمتنا البريدية