بيروت: قلب ينبض داخل تابوت!

حجم الخط
49

(بشّرتنا) موسوعة غينيس للأرقام القياسية 2018 بإدخال بيروت (في أحضانها) كأكبر «مرآب للسيارات في العالم»، أي بصفتها المدينة الأكثر ازدحاماً بالسيارات، حيث تدور حوالي مليون سيارة في مساحة صغيرة نسبياً هي بيروت.
ولكن ذلك قد يكون (ألطف) هموم لبنان قياساً إلى الكوارث المالية والسياسية التي تترصده في وطن يحتاج فيه تأليف وزارة إلى ستة أشهر حتى الآن، من «الغنج السياسي» على حصة هذا أو ذاك والشعب العظيم (عفواً.. الشعب اليتيم) يئن تحت أثقال من مخاوفه، حيث تنشط هجرة الشبان، ويذوي الوطن كما لو كان دراكولا أو فرنكشتان المسيطر الحقيقي على لبنان.. وفضائح الفساد تنفجر كالمجارير القذرة في «الرملة البيضاء»، ولكن يجري على نحو ما (لفلفتها) ربما انطلاقاً من مبدأ: إذا حاولت عقاب فسادي سأفضح فسادك! ولبنان الوطن يكاد يتحول إلى كابوس وانتهى زمن «سعيد من له مرقد عنزة في لبنان» كما قيل من زمان! والمواطن العادي الطيب صار يعرف كل شيء. بل ويكاد يألفه.. وكم سيدهشه مثلاً حل أزمة الكهرباء المروعة التي تمضي من انحدار إلى آخر. وصار يعرف جيداً أن الذئاب لا تحرس الخرفان والأغنام!

هل يقرأ السياسيون الصحف؟

الصحافي والشاعر والكاتب وحملة الأقلام يدركون مدى وصول لبنان إلى حافة الانهيار على كل صعيد.. ولا يملون من ترداد تحذيرهم وتشخيصهم لمآسي (المواطن اليتيم) والعجز المالي وخطورته، والدَيْن العام إلى ارتفاع، والأوضاع الاقتصادية متردية على نحو بالغ الخطورة، أما أهل السياسة فمعظمهم مشغول (بحصته) من الوزارات (السيادية) ولا يبالون حقاً بوجود لبنان في غرفة العناية الفائقة على وشك الاحتضار، ولعل البعض يريد تدمير لبنان إذا لم يستطع أن يمتطيه أو يقتنيه! ثمة توحش، ولبنان بأكمله صار سجناً كبيراً مكرساً لتمارين على الخوف وانتظار ما هو أدهى. البراكين السياسية يتوالى انفجارها وتصيب شظاياها الناس الذين يفترض أن (المسؤول) جاء للاهتمام بالمواطن وليس لسلبه حلمه بمستقبل لوطن الحرية والكرامة والعيش غير البائس! ذلك كله نطالع ما هو أكثر منه كل يوم في الصحف اللبنانية (أو ما تبقى منها) حتى بدأت أشك في أن سياسياً لبنانياً يقرأ الصحف أو يلحظ أن الوطن بات ممدداً بالإرغام في تابوت. ومر عيد الاستقلال حزيناً والناس تحلم باستقلال القرار اللبناني وإطلاق سراح الوطن المخطوف.

قلب ينبض بإرادة الحياة وحبها

على الرغم من كل ما تقدم، ما زال اللبناني مصراً على حب الحياة والإبداع والتعبير عن ذلك مشعاً بالعطاء، كما احتضان الآتي إليه.. كأن النشاط الفني والأدبي بأنواعه كلها إعلان عن إرادة الحياة في لبنان.. ويدهش المرء مثلاً لوجود (صالون الشوكولاته) في بيروت كما في باريس، ويتأمل جمال عارضة فستان الشوكولاته وسواها وقص قالب الحلوى الشهي بالمناسبة، ويسره حضور سفراء عدة دول (بلجيكا، فرنسا، وسواهما) وقد ارتدوا أجمل ابتساماتهم، وحضور العديد من الوزراء إلى جانب وزير السياحة.. عدة عارضات (شهيات) كالشوكولاته في ملابس مختزلة مضرجة بالشوكولاته.. هذا إلى جانب «مهرجان بيروت للطهي» الذي استضاف أيضاً العديد من مشاهير الطهاة في فرنسا وإيطاليا وسواهما..
نعم، ذلك يحدث في بيروت كصرخة احتجاج على إغراق الشعب في مرض الاكتئاب، وأبجدية (اللطم)، وشوقه إلى إعلان إرادة الحياة على الرغم من أنف كل شيء.

لبنان وطن اللامعقول؟؟

لا، بيروت ليست مريضة بازدواج الشخصية، بل بحب الحياة، وتعلن ذلك بكلمات من شوكولاته من جهة وبإبداع فني وشعري وأدبي من جهة أخرى. لبنان هو وطن اللامعقول، حيث يتجاور الموت مع إرادة الحياة، وفيها نشاطات أدبية وفنية راقية، وصحيح أن مديرة صندوق النقد الدولي تحذر لبنان «من عواقب اقتصادية خطيرة جراء التطورات السياسية»، والكل يعرف ذلك، لكنك أيضاً تذهب مثلاً إلى غاليري مارك هاشم لترى معرضاً استعادياً للمبدع ألفرد بصبوص (وسبق لي أن مضيت إلى بلدة راشانا للاطلاع على إبداع البصابصة الأخوة).. معرض بالغ الإبداع، وإقبال على مشاهدته كما الذهاب إلى «مسرح المدينة» للاستماع إلى جهاد وهبة عازفاً على غيتاره زارعاً بذور الجمال الموسيقي والضوء والأمل..
ويتجلى نبض بيروت الثقافية المبدعة في «بيت بيروت» وفي أعمال للفنانة الكاتبة زينة الخليل وأليس مغبغب مؤسِسة «غاليري» يحمل اسمها، ومهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية، وهانية مروة مؤسسة ومديرة سينما متروبوليس، ورانية معلم مديرة «دار الساقي»، وسواهن في حقول إبداعية عديدة..

شهادة إعجاب سورية بالنهضة الشعرية

الفنان التشكيلي الفراتي جمعة الناشف (من الرقة السورية) الذي يعرض إبداعه في «دار الندوة» في بيروت يدلي بشهادة جميلة قائلاً: «النهضة الشعرية في لبنان تفوق الخيال».
وإلى جانب الإبداع الأدبي تنشط بيروت في حقل التكنولوجيا في معرض «ايديكس 2018»، ويدور حول «التربية الرقمية»، فهي ضيف شرف في معرض التعليم والتوجيه المهني من تنظيم شركة «بروموفير» بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.
ويدهش كثيرون من إصدار مجلة جديدة في الوقت الذي أُغلقت فيه عشرات الصحف والمجلات في لبنان وسواه، الواحدة تلو الأخرى، والمجلة فنية تشكيلية تدعى «غاليري» يصدرها رمزي الحافظ (ابن الأديبة ليلى عسيران ورئيس الوزراء السابق أمين الحافظ، رحمهما الله)، وهو صاحب شركة «انفوبرو» التي يصدر عنها مجلته: مجلة «غاليري» مشروع جميل شجاع يشهد على نبض قلب بيروت رغم (الأهوال) السياسية كلها التي يعاني منها لبنان «عاصمة اللامعقول والحرية العربية» بجدارة.. ولا أدري ما الذي كان سيكتبه «بيكيت» و«يونيسكو» وسواهما من مؤسسي «مسرح اللامعقول» لو عاشوا في بيروت!!
لبنان وطن حاولوا دفنه وظل قلبه ينبض بحب الحياة حتى داخل تابوت.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عصمت صيري:

    تفاحةٌ للبحر، نرجسة الرخام، فراشةٌ حجريةٌ بيروت

    شكل الروح في المرآة

    وصف المرأة الأولى ورائحة الغمام

    بيروت من تعب ومن ذهب، وأندلس وشام .

    فضّة، زبد، وصايا الأرض في ريش الحمام.

    وفاة سنبلة، تشرّد نجمة بيني وبين حبيبتي بيروت .

    لم أسمع دمي من قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمي… و تنام …

    من مطر على البحر اكتشفنا الإسم، من طعم الخريف وبرتقال

    القادمين من الجنوب، كأنّنا أسلافنا نأتي إلى بيروت كي نأتي إلى

    بيروت …

    من مطر بنينا كوخنا، والريح لا تجري فلا نجري، كأنّ الريح

    مسمار على الصلصال، تحفر قبونا فننام مثل النمل في القبو

    الصغير

    كأننا كنا نغنيّ خلسة :

    بيروت خيمتنا

    بيروت نجمتنا

  2. يقول عصمت صيري:

    من قصيدة بيروت لمحمود درويش

  3. يقول أبو تاج الحكمة:

    السيدة شلبي سيدة السلام، وهي قدوة لكل نساء العرب

  4. يقول أبو تاج الحكمة:

    انا لا اتكلم من وحي صفقه القرن انا اتكلم عن قناعه
    السلام امنياتي

  5. يقول أبو تاج الحكمة:

    بالعكس صفقة القرن صدى لماقاله جدي بدر الدين الحامد
    وحدة الفكر نجمع الشام طرا
    من ذرى طورس الى سيناء

  6. يقول أبو تاج الحكمة:

    الفاضلة شهيرة الشلبي عمدة مساعدة لحيفا العزيزة
    ديسمبر 12, 2018 at 11:36 م
    حيفا السلام :شهيرة الشلبي
    فخر النساء بأمة العرب

  7. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    رغم حرب أهلية طاحنة دامت 15 سنة لامتداد أيادي خبيثة لتعبث بهذا البلد نهض لبنان يلملم جراحاته وعاد قلبه للخفقان من جديد لكن هذه الأيدي لا زالت تعبث بهذا البلد لكي لا ينبض قلب بيروت ويجب أن تقطع منها على وجه التحديد يد إيران.

  8. يقول أبو تاج الحكمة:

    الاخ الحبيب فؤاد مهاني
    علينا ان نستوعب ايران انظر الى عمان السلطنه علاقات متوازنه مع ايران
    يجب تصحيح الخطاب العربي الرسمي والشعبوي نحو ايران
    نحن نريد السلام مع الجميع

  9. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    أخي العزيز أبو تاج الحكمة كيف تريد السلام على من يذبحك.إيران تذبحنا بالعراق وسوريا واليمن.تقتل الأطفال والشيوخ وتهتك الأعراض بشكل طائفي مقيت.كنت ألوم قبلا من كان يقول أن إيران أخطر من إسرائيل ولكن الآن علمت سبب ذلك لأن إيران الصفوية تحاربنا سياسيا وعقائديا بتواطؤ مع أمريكا.إيران الصفوية تسعى لنشر مذهبها الفاسد في أي مكان تصل إليه لتحطيم الإسلام.ألا تلاحظ يا أخي في بلدك سوريا في نشر التشيع على قدم وساق في المناطق التي احتلها النظام السوري.ولبنان الذي هو تحت رحمة حزب الله.أما تصحيح خطاباتنا مع إيران فقد تمت عدة محاولات لكي تتحول إيران لجارة مسالمة مع جيرانها العرب سواء على الصعيد الرسمي بمحاولات جادة من المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى ومن كرف علماء ومشيايخ مسلمين على رأسهم العلامة يوسف القرضاوي لكن بدون جدوى.سنظل هكذا مع إيران ما دمنا متخاذلين وضعفاء.شكرا على التعقيب وأرجو أن تتفضلوا بالنشر.

  10. يقول الشاعري/ Boston:

    هيدا لبنان بلد الناس الاطايب
    بعشق لبنان وقلبي بغرامو دايب
    مارد جبار مكلل بالغار
    بغصن الزيتون تحدى الاعصار

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية