كم أنا في هذا اليومِ حزينْ
بيروتُ حبيبتُنا ثَكْلى
أمُّ الشُّعراءِ جميعًا
ماتتْ من قبلُ كثيرًا
واليومَ تموتْ
في لحظةِ غدرٍ شرقيٍّ مَمْقُوتْ
راحَ المرفأْ ..
بيروتُ عروسُ الشُّطآنْ
ذاكرةُ العربيّ الإنسانْ
الوَجَعُ التاريخيُّ الحَيَوانْ
لمْ يبقَ لدينا الآنْ
جُرْحٌ يُنْكَأْ!
بيروتْ
نامَتْ بالأمسِ الغَارقِ في قلبِ الزِّلزالْ
في نارِ الفجرِ العَصريّ
كقيامِ السَّاعةِ
يغمرُها ضوءٌ صاعقْ
كالصَّمتْ
فقدَتْ شفتَيْها
قُبْلتَها المجنونةَ للبحرِ
ذِراعَيْها
باتَتْ من دونِ يَدَينْ
كم كانتْ رغمَ الأنواءِ العاصفةِ الهَوجاءِ
طوالَ سنينَ
سلامًا للكُلّْ
بِيَدٍ تأخذُ
وَيَدٍ تُعطي
خبزًا، كتبًا، وردًا
كانَتْ عاصمةَ الأحرارْ
المنْفيين المنْسيين الفقراءْ
كانَتْ عاصمةَ الأُمراءِ جميعًا
مَنْ مِنكُمْ يا أخوةَ هذا الدَّمْ
في وطني الممتدِّ جُزافًا كالعُرسْ
مَنْ أقصى الصّحراءِ إلى أقصى الماءْ ..
يا أبناءَ الغَفْلةِ
في سوق الأفكارِ
وبيع الأوطانِ
وقتل الثُوَّارْ
مَنْ مِنكُمْ لمْ يرضعْ من ثديَيْها
نسغَ الحُريَّةْ؟!
مَنْ مِنكُمْ لمْ يلعبْ طِفلًا
في باحتِها الخَلفيَّة؟
مَنْ مِنكُمْ لمْ يتفتَّحْ وَعْيًا
بجرائدِها اليَوميَّة؟
بيروتْ
في خلطتِها السِّحريَّةِ كَنزْ
قاومَتِ الغازينَ تباعا
وارتفعتْ قامتُها باعا
عامَ «ثلاثةْ وثمانينْ»
مَنْ مِنكُمْ لا يذكُرْ: «حادثةَ المارِينزْ»؟!
هذا اليومَ
مَنْ مِنكُمْ لمْ يحزنْ
فليتحسّسْ جهةَ القلبْ:
هل ما زالَ هناكَ بقيَّةْ
مِن تجربةِ الحربْ
أوْ ثمَّةَ تَنَكٌ يصدأْ؟!
يا أبناءَ الكلماتِ العُليا
أعْني التوراةَ .. الإنجيلَ .. القرآنْ
أعْني مهدَ الأديانْ
الغيمةُ حُبْلى:
سترونَ ممالكَ وطوائفَ زائلةً
سترونَ البُومَ وأسرابَ السَّاسةِ والسَّفلةْ
مَرْمِيينَ على الأرصفةِ
وستخلو الشّاشاتُ من الغَبَشِ الأخلاقيّ الزاعقْ
ويعودُ القادةُ شحّاذينْ
بينَ ضحاياهُم في بُلدانِ الإفرنجةِ والفُرسْ
وستحكي قصّتَهُم أشجارُ الأرزِ
ويهزأُ من شأفتِهِم زهرُ اللوزِ
صغارُ البَاعةِ في المقهى ..
السّلطةُ تنهشُ صاحبَها
في وجدانِ الناسْ
السّلطةُ تأكلُ طالبَها
هذا عدلٌ وأساسْ
فانفُرْ من مقعدِها
واحذَرْ أن تتبوَّأْ!
سوفَ يقومُ الفينيقُ
وينفضُ كلَّ رمادِ الذُّلّْ
بجناحَيْه
يخرجُ مَزْهُوًّا وكريمًا كالفُلّْ
كالياقوتْ
مَنْ مِنكُمْ لم يقرأْ درويشًا ونزارْ
مَنْ مِنكُمْ لم يسمعْ تلك الأشعارْ
مَنْ مِنكُمْ لم يعشقْ فيروز
صوتَ الشَّامْ
الكُلُّ سِواها أوهامْ:
تُجَّارُ الدّينِ وحكّامُ اللَّيلةِ واللَّيرةِ
يا للحسرةِ
ما زالَ الحالُ هو الحالْ
ستموتُ الدُّنيا إن غابتْ بيروتْ
ستموتْ!
٭ شاعر سوري