القاهرة: وعدت مصر صندوق النقد الدولي بالعمل على تقليص هيمنتها على الاقتصاد والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص، ورغم ذلك تُظهر العديد من التحركات الأخيرة استمرار الحكومة في توسيع ممتلكاتها وإحكام سيطرتها.
ففي مقابل إعلان صندوق النقد في أكتوبر تشرين الأول الماضي عن حزمة دعم مالي تبلغ ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا، تعهدت مصر بتحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز مناخ الأعمال وتقليص دور الدولة والجيش في الأعمال بالمجالات غير الاستراتيجية.
وتحتاج مصر بشدة إلى عائدات الخصخصة بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية، إذ يمكن أن يحدد الإصلاح الاقتصادي مدى إمكانية تجاوز الأزمة المالية التي كشفتها الحرب في أوكرانيا، وتمهد الطريق أمام نمو مُستدام.
لكن الوعود السابقة بالإصلاح وخطط الخصخصة لم تتحقق في كثير من الأحيان، ويقول محللون إن سياسة ملكية الدولة التي تكشف المجالات التي ستتراجع فيها مصر، وينظر إليها صندوق النقد على أنها مُلزمة، تترك مجالا كبيرا للحكومة للمناورة.
وقال يزيد صايغ، الباحث البارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، “في الواقع الكثير منها تبرير لتدخل ضخم للدولة في قطاعات يُفترض أنها استراتيجية”.
وفي السابع من ديسمبر كانون الأول، أي بعد ستة أسابيع من إعلان صندوق النقد حزمة الدعم المالي، نُشر قانون جديد في الصحيفة الرسمية ينص على وجوب الحصول على موافقات كتابية من الأمن عند إقامة أي من 83 نشاطا اقتصاديا.
وتضمنت بعض الأنشطة محال البقالة والأكشاك وخدمات ديكور الزفاف وصالونات تصفيف الشعر وأكشاك تلميع الأحذية، وبعد انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي ذكرت صحيفة الأهرام الحكومية أنه تم تخفيض العدد إلى 35 نشاطا.
وتستغرق طلبات الترخيص بموجب القانون ما يصل إلى ثلاثة أشهر، وستُفرض رسوم جديدة على المتقدمين.
وفي مرسوم صدر في يناير كانون الثاني، خصص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجيش كيلومترين من الأراضي التي تقع على جانبي ما يقرب من 3700 كيلومتر من الطرق السريعة المخطط لها، وكثير منها يتمتع بإمكانات تطوير عالية.
ولم ترد الحكومة المصرية على طلب رويترز للتعليق.
حصة بيع
في 2022، حددت مصر هدفا بجمع عشرة مليارات دولار سنويا على مدار الأعوام الأربعة المقبلة من خلال الاستثمار في أصول الدولة. وقالت الشهر الماضي إنها ستبيع حصصا في 32 شركة خلال العام المقبل.
ويوم الأحد الماضي، قالت الحكومة إنها ستبدأ هذا الأسبوع إجراءات لإدراج شركتين مملوكتين للجيش في البورصة، هما وطنية لمحطات الوقود وصافي للمياه المعبأة.
لكن العديد من الشركات التي حددتها الحكومة دخلت في نطاق الخصخصة بالفعل منذ سنوات، وتم تأجيل بيع حصص في جميع الشركات الثلاث وعشرين التي كان من المقرر خصخصتها في 2018، حيث ألقى المسؤولون باللوم في التأجيل على الاضطرابات في الأسواق.
ورغم شراء الصناديق السيادية في دول الخليج الغنية بالنفط والغاز لبعض الأصول عندما تدخلت لمساعدة مصر العام الماضي، إلا أن الزخم توقف.
وقال صايغ إن مصر أنشأت صندوقها السيادي الخاص لجذب مستثمرين من القطاع الخاص لتطوير أصول الدولة، لكن يبدو أنها خطوة لجذب رؤوس الأموال دون التخلي عن السيطرة.
وأضاف “تريد (مصر) من الآخرين مساعدة الدولة في أعبائها المالية، لكن الدولة ما زالت هي التي تحدد الأولويات والاستثمارات”.
إعفاءات ضريبية للجيش
يقول محللون إن مبيعات الأصول في المستقبل ستتعقد بسبب توغل الدور الاقتصادي الغامض للجيش تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كثير من الأحيان.
ويُعفى الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى من ضرائب القيمة المضافة للسلع والخدمات اللازمة للتسلح والدفاع والأمن القومي بموجب قانون عام 2016، ومن الضرائب العقارية بموجب مرسوم عام 2015، ومن ضرائب الدخل بموجب قانون عام 2005، ومن رسوم الاستيراد بموجب قانون عام 1986. وتحدد وزارة الدفاع السلع والخدمات.
واشتكى رجال الأعمال سرا من سلبيات أخرى، منها التعامل مع بيروقراطية غاشمة.
ووفقا لبيانات الرئاسة، فعادة ما يحضر ضباط كبار في الجيش الاجتماعات التي تُناقش فيها السياسة الاقتصادية.
وفي مقابل التمويل الجديد، فرضت دول الخليج شروطا مشددة أكثر مما كانت تفعل في الماضي، بما في ذلك الدعوة إلى إصلاحات اقتصادية تتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي.
لكن محللين يقولون إنه حتى لو حدث ذلك، فإن استثمار مثل هؤلاء الحلفاء قد لا يحفز القطاع الخاص، وهو ما يعكس غياب إشارات واضحة على انسحاب الدولة.
وحتى الآن تميل الحكومة إلى بيع حصص الأقلية والإبقاء على سيطرتها، مما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين المحتملين.
وفي البرلمان المصري، عارض نواب قوميون صندوقا تم تأسيسه للاستفادة من أصول قناة السويس، واحتمال قيام دولة مثقلة بالديون ببيع موارد مخفضة لمستثمرين خليجيين.
وحسبما جاء في إفصاح للبورصة خلال الشهر الماضي، اشترت سلسلة توليب المملوكة للجيش فندقا فاخرا آخر في شرم الشيخ من شركة رمكو لإنشاء القرى السياحية مقابل 700 مليون جنيه مصري (22.7 مليون دولار)، لينضم إلى ما يقرب من 20 فندقا تملكها الشركة.
(رويترز)