تستمر إسبانيا رهينة الجدل السياسي المرتبط بعمليات التجسس ببرنامج بيغاسوس الإسرائيلي، حيث استعملته وكانت ضحيته في آن واحد. ويبقى المثير هو ما كشف عنه وزير الخارجية مانويل الباريس بقوله، إن الأمر لا يتعلق فقط بدولة أجنبية، بل ربما بعنصر أجنبي مستقل. وهذا يجعل عالم الجاسوسية يدخل مرحلة جديدة، تفقد فيها الدول جزءا من سيادتها، كما فقدتها في قطاعات أخرى مثل الدفاع والقطاع المالي.
واعترفت الدولة الإسبانية بالتجسس على ناشطي الحركة القومية في كتالونيا، ومن ضمنهم رئيس حكومة الحكم الذاتي، لأنهم رغبوا في الانفصال عن إسبانيا. وجاء الاعتراف، وهو سيد الأدلة، من طرف مديرة المخابرات الإسبانية في جلسة مغلقة في لجنة الشؤون السرية في البرلمان. في الوقت ذاته، اعترفت الدولة الإسبانية بأنها كانت عرضة للتجسس من طرف جهات أجنبية، استهدفت هواتف عدد من المسؤولين منهم رئيس الحكومة بيدرو شانتيش، ووزيرة الدفاع مارغريتا روبلس ووزير الداخلية غراندي مارلاسكا، إضافة إلى مسؤولين آخرين.
ونقلت جريدة «بوبليكو» في تقرير لها عن المؤسسة التي تصنع بيغاسوس وهي الإسرائيلية «إن أس أو» بأنها تبيع للدول بموجب اتفاقية تنص على استعمال البرنامج ضد الإجرام المنظم والإرهاب، وليس ضد الصحافيين والحقوقيين وناشطين سياسيين معارضين. وبهذا، تلقي الشركة الإسرائيلية بالمسؤولية على عاتق الحكومات التي اقتنت البرنامج. ومن ضمن المفاجآت، اقتناء الدول الأوروبية برامج تجسس مثل بيغاسوس، علما أنها كانت دائما تركز على البرامج التي تطورها الدول بنفسها من دون الاستعانة بدولة ثالثة باستثناء برامج من الولايات المتحدة. غير أن الجديد في هذا الملف الذي يشغل العالم، هو تصريح لوزير خارجية إسبانيا خوسي مانويل ألباريس لقناة التلفزيون الثانية الجمعة الماضية يقول فيه حرفيا حول التجسس «لم نخص بالاسم الجهة الأجنبية التي تجسست على إسبانيا، لم نقل هل هي دولة أو هيئة مختلفة»، وتابع قائلا «لم نتحدث عن دولة أجنبية، لقد جرى الحديث عن وكيل أجنبي خارج مؤسسات الدولة».
تصريحات وزير الخارجية تعكس حتما نوعية التحقيقات التي تجريها الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الإسبانية حول تعرض هواتف المسؤولين في مدريد للتجسس، وهي تكشف في العمق معطى مثيرا للغاية وهو احتمال قيام هيئات مستقلة حصلت على بيغاسوس من طرف الشركة، أو من طرف دول ثالثة لتنظيم فريق استخباراتي دولي مستقل يتخصص في بيع المعلومات الحساسة للدول والشركات، ومختلف الهيئات الراغبة، مثلا إذا كانت دولة تريد التجسس على الصحافيين والحقوقيين ستحصل على المعلومات في السوق الدولية، وإذا كانت دولة ترغب في الحصول على معطيات حول أسرار دولة ستجد المعطيات في السوق الدولية. منذ أكثر من عقدين انتشرت في العالم مكاتب التجسس، التي اتخذت صورة مراكز الدراسات الاستراتيجية أو مكاتب الاستشارات. وهذا الانتشار مواز لانتشار الوكالات العسكرية التي تبقى أشهرها «بلاك ووترز» الأمريكية و»فاغنر» الروسية، حيث تقومان مقام الدول في الحروب خارج الحدود، الأولى اشتهرت في التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان، واشتهرت الثانية في التدخل في القارة الافريقية ومنها مالي وليبيا. وكانت مثل هذه الوكالات قد بدأت بشكل بسيط وهي توفير الحراسة والأمن لمؤسسات في بلادها، نظرا لقلة عناصر الشرطة، حيث تولت حراسة البنوك والسفارات، وقفزت إلى الحروب وحققت قفزة نوعية نحو تولي دور الجيش الكلاسيكي الرسمي. ويشهد عالم التجسس الأمر نفسه، من عملاء يتجسسون على أشياء بسيطة إلى وكالات استخبارات مستقلة. وإذا كانت شركات الجيوش العسكرية الخاصة تحصل على الأسلحة، سواء بدعم من دول أو من السوق السوداء، ومنها الأسلحة الثقيلة وليس فقط البنادق والرشاشات وبعض القذائف، وهو تطور مخيف بحكم أن شركة «بلاك ووترز» تستطيع وحدها هزم عدد من الجيوش في افريقيا وآسيا، أصبحت الآن هيئات معينة تحصل على برامج التجسس المتطورة للغاية التي لا يحق سوى للدول امتلاكها.
قرار واشنطن إضافة بيغاسوس وكانديرو إلى اللائحة الأمريكية للشركات السوداء، سابقة خطيرة، بررته بتهديد بيغاسوس السلم العالمي
برامج مثل بيغاسوس وشقيقه الأخطر كانديرو تصنف ضمن خانة برامج الأسلحة، أي تعد سلاحا يخضع لشروط الاستعمال والتصدير، وكما لا يمكن لأي شخص أو هيئة شراء مقاتلات أف 35 الأمريكية، أو سوخوي 35 الروسية، لا يمكن لهيئات مستقلة شراء برامج مثل بيغاسوس. ويبدو أن إسرائيل ارتكبت خطأين رئيسيين، على الأقل في عين واشنطن، الأول وهو بيع هذا البرنامج لعدد من الدول الصديقة وغير الصديقة، علما أنه يوجد عرف وسط الدول الغربية لا يسمح ببيع مثل هذه البرامج المتطورة إلى دول غير غربية، مثله مثل عدم بيع أسلحة متطورة إلى هذه الدول. ويتجلى الخطأ الثاني في فرضية بيع هذه البرامج إلى دول وهيئات مستقلة عن الدول أو الترخيص لبعض الدول بتفويت البرنامج إلى هيئات استخباراتية مستقلة. وعمليا، عمدت دول إلى إنشاء هيئات استخباراتية مستقلة من خلال استقطاب خبراء عملوا في كبريات شركات التجسس مثل، وكالة الأمن القومي الأمريكي. وهذا يعني ظهور سوق حقيقية لأسرار الدول ومنها الغربية طالما جرى التجسس على هواتف شخصيات مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتيش ورؤساء دول أوروبية أخرى يلتزمون الصمت حتى الآن.
على ضوء هذا يجب فهم قرار واشنطن خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإضافة بيغاسوس وكانديرو إلى اللائحة الأمريكية للشركات السوداء، وهي سابقة خطيرة، وبررت القرار بتهديد بيغاسوس السلم العالمي، وهو اتهام خطير للغاية لشركة يفترض أنها تابعة للحليفة إسرائيل. ويعود هذا إلى أن مثل هذه الشركات أفقدت الغرب التحكم في حرب المعلومات، ولم يعد الغرب يواجه التجسس الصيني والروسي، بل من طرف دول قادرة على تغيير بوصلتها وفق مصالحها كما يحدث حاليا في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. لقد فقدت الدول جزءا من سيادتها عندما قامت مؤسسات مالية مستقلة بشراء قروض دول وفرض شروطها على هذه الدول، وتكرر السيناريو عندما تولت شركات عسكرية دور الجيوش الرسمية مثل «بلاك ووترز» و«فاغنر»، وأخيرا تمتد هذه الظاهرة إلى عالم الاستخبارات بفرضية حصول هيئات مستقلة على برامج متطورة للتجسس مثل بيغاسوس، الذي يفترض أن تكون فقط في حوزة الدول لمحاربة الإجرام والإرهاب وليس مواجهة الصحافيين والحقوقيين والسياسيين.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
بل قنبلة إسرائيل للعالم بأسره ورسالة للعالم أن هذه إسرائيل الدويلة المارقة الحارقة هي التي تتجسس على العالم وتتحكم فيه و تديره لصالحها و كيفما تريد حتى على ماما أمريكا اللعينة الخبيثة وأوروبا العنصرية المنافقة هههههه هههههه هههههه هههههه هههههه هههههه هههههه