عمان- «القدس العربي»: «طالت فترة انتظار القرارات». هذا هو الانطباع عند غالبية السياسيين الأردنيين وهم يراقبون عن كثب صنفين من الترتيبات، الأول اتخذ وقرر وحمل اسماً ورسماً، وعنوانه تحديث المنظومتين السياسية والاقتصادية.
والثاني لا يعرف ماهيته الجميع بعد، لكن في الخلاصة السياسية يربطه المختصون بمجسات الاستشعار لمرحلة ما بعد الزيارة الملكية الأخيرة لواشنطن، التي يفترض المفترضون أن لها انعكاسات على المشهد الداخلي سياسياً. مجدداً، النخبة وصالوناتها وأوساطها ومراكز القرار ورموزها وأدواتها في الانتظار.
الجميع ينتظر تحولاً ما وقرارات مهمة داخلياً، ومجالسات السياسيين مليئة بالموسم المألوف، حيث شائعات وتكهنات وتسريبات بالجملة من الصنف الذي يسبق بالعادة تغييرات دراماتيكية كانت جميعها في الماضي لها علاقة بالأشخاص والأدوات وليس بالمنهج والبرامج.
هل سيختلف الأمر قريباً وتبرز خطوات توحي لكل مراقب في الداخل والخارج بأن خطة ما وضعت وفي طريقها للتنفيذ وفوراً؟
سؤال افتراضي لكنه يتجول بين كل المهتمين، ولا جواب حتى اللحظة عليه بصورة متسرعة؛ ليس لأن اتجاهات القرار لم تتضح بعد، لكن لأن الشارع شغوف ومتعجل، والحسابات تحتاج إلى تقييم، والتغيير بطبيعته مقلق وأحياناً مكلف. وهذا الوضع دائم ومتكرر في الحالة الأردنية الداخلية.
لكن الإلحاح قوي في مراكز القرار الأساسية على أن الحاجة ملحة وبسرعة لمنهجية برامجية تدخل إلى حيز التنفيذ وفوراً، لتقديم مشروع متكامل قدر الإمكان على صعيد الملفات الداخلية تجنباً للتجاذبات، وسعياً لاحقاً لـ»التكييش السياسي» مع الأمريكيين أو غيرهم؛ لأن الغموض في المدخل المحلي وصل إلى درجة أن كل أطراف الإقليم اليوم تريد أن ترى وجهاً محدداً لخطة ما حتى تقام التوازنات والعلاقات على أساسها.
حتى عندما تعلق الأمر بجلسة حوار خبيرة صريحة ومغلقة، الأحد، لها علاقة بسؤال المأزق الإسرائيلي السياسي، وجد المشاركون السياسيون أنفسهم مجدداً أمام إشكالات الحائط الوطني. وطرحت هنا تساؤلات: هل نحن بحاجة لإقرار قواعد الاشتباك مع إسرائيل اليوم عبر حوار وطني؟
هل حاجاتنا ملحة لمصافحة فصائل المقاومة الفلسطينية؟
هل نحن بحاجة لوقف برنامج شيطنة الإخوان المسلمين؟
هل نعود لمربع جوهري بعنوان إصلاح سياسي حقيقي وجذري ويتجاوز بصمات وتأثيرات الفتنة الشهيرة وما بعدها؟
وسط مطر الأسئلة على «كوادر التحديث»، سأل أحد المشاركين في النقاش أيضاً: هل الإصرار على «أمننة» كل المسارات لا يزال الاستراتيجية الأفضل؟
.. ما الذي ينبغي أن نفعله بصورة أوضح بخصوص وثائق تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية وفكرة البداية في حكومة إنقاذ وطني تستعيد الدولة، وفقاً لما طرحه الوزير الأسبق والسياسي المثقف الدكتور طالب الرفاعي؟
مجرد أسئلة كبيرة ومتوسطة الحجم وصغيرة تتجول في كل المواقع بين الأردنيين الآن بانتظار صافرة الحسم والقرارات، لأن كل خطوة اليوم وكل قرار، مهما صغر، يعني الكثير في المشروع السياسي الملتبس، الذي يؤمن الجميع وسط نخبة القرار بأن هندسته ينبغي أن تنتهي ويتم إطلاقه قبل نهاية العام الحالي.
صمت الأمريكيون مؤخراً عندما طرحت عليهم بعض الملاحظات الأردنية تجاه مسائل «حساسة قليلاً» وبشكل مريب للدوائر الرسمية.
ذلك سلوك يعني رغبة الأمريكي في مبايعة الاتجاهات والقرارات بالقطعة وليس بالجملة، مما يزيد الضغط على حلقات القرار والمطبخ، إن وجد مطبخ أصلاً بالمعنى البيروقراطي السياسي.
رغم هذا الإلحاح الشديد، يفترض أن تحسم بعض المعطيات وقريباً جداً، مثل مصير الحكومة الحالية، وشكلها، والانتخابات المقبلة في ضوء تحديث المنظومة، والموقف من التيار الإسلامي، والمساحة التي سيجلس فيها جسم دستوري جديد وضخم اسمه مجلس الأمن القومي، وأيضاً مثل مصير وكيفية التعاطي مع القضايا الإشكالية التي برزت في مضمار وثيقة باسم تحرير الاقتصاد قد ترد عليها الحكومة قريباً بخطة اسمها تحفيز الاقتصاد.
وفي السياق السؤال القديم المتكرر الذي يثير كل الأشجان والألحان سياسياً وإعلامياً: من هم أفراد الطاقم الجديد الذي سيتولى ورشة العمل الجديدة؟
قضايا كثيرة وكبيرة على المحك وبالانتظار، وخلافاً لكل المرات يمكن القول وببساطة هذه المرة بأن ثمة خطة موجودة ومتفقاً عليها وحظيت بقدر من الشرعية اسمها تحديث المنظومتين الاقتصادية والسياسية.
والخطة قيد التنفيذ وأصبحت عنواناً للتوافق، ليس بين الأردنيين كما وصف رئيس لجنتها سمير الرفاعي لـ«القدس العربي» مباشرة، بل بين مؤسسات القرار أيضاً. وجرعة الحماسة عند الرفاعي واضحة الملامح، لكنه يطلب بإظهار قدر من الصبر والحكمة في الممارسة والتطبيق.
وخطة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وكما فهمت أيضاً ا»لقدس العربي»، مواجهة جاهزة في إطار إصلاح ما يمكن في الإدارة والقطاع العام، وبانتظار وضع منهجية التحفيز الاقتصادي.
لكن أي خطة عند الجسم الحكومة يعلم الجميع أنها تحتاج لتفويض اليوم يسمح للخصاونة بمراجعة طاقمه تحت عنوان حسابات متقاطعة قد يكون لها علاقة بإعادة تشكيل الحكومة – إذا سمح بذلك صلاً – أو الذهاب في اتجاه التعديل الوزاري الموسع، بينما وجهتا النظر تتقاذفان الملف الأصغر بخصوص دورة استثنائية صيفية للبرلمان واحدة «مع»، والثانية ترى بعدم وجود مبرر ملح.
قيل مؤخراً لشخصيات بارزة في مركز القرار، بأن أزمة الثقة مع الأردنيين أصبحت كبيرة بعدما طالت الدولة مؤخراً، وليس الحكومات فقط، وبأن استعادة المصداقية تتطلب اليوم جرأة وقرارات سريعة وشجاعة والتدخل لإلزام جميع المؤسسات بالمنهجية التي تقررت، حتى يسقط من الشارع ولعبته ذلك الهتاف الذي طالما طالب بتغيير النهج وليس الأشخاص.
هنا حصرياً وتحت عنوان «اتجاه لاستعادة المصداقية» سباق وتزاحم، وأحياناً عراكات، في العتمة بين من يجدون أنفسهم الأجدر في الصف الأول عند العرض.
يعلم الجميع بالتوازي بأن شيئاً لن يتحقق في سياق التحديث بمجمل فروعه ما لم يدخل مجلس الأمن القومي الجديد على خلطة المنظومة الأمنية ويعيد إنتاج عقيدتها البيروقراطية.
وتلك طبعاً مهمة صعبة ومعقدة، لكنها أساسية ويؤشر عليها علية القوم بين الحين والآخر. وعليه، لا يزال الجميع في الانتظار.