بين أمريكا أو روسيا: تركيا أمام اختيار صعب للتعاون السياسي والاقتصادي

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: تقترب تركيا شيئاً فشيئاً من استحقاق تاريخي، ربما يجبرها على الاختيار بين الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا، للاستمرار في التعاون السياسي والاقتصادي، رغم مساعيها الكبيرة لتفادي ذلك، من خلال التوصل إلى صيغة حل وسط، يمكنها من خلق علاقات متوازنة مع القوتين الأكبر والأهم في العالم.
وتصاعدت الخلافات بين أنقرة وواشنطن حول العديد من الملفات لكن أبرزها وأهمها حالياً، إصرار تركيا على شراء منظومة أس 400 الدفاعية من روسيا، رغم التهديدات الأمريكية التي وصلت حد التلويح بفرض عقوبات اقتصادية والنظر في عضوية أنقرة بحلف شمال الأطلسي «الناتو».
ورغم أن الولايات المتحدة عرضت بيع تركيا منظومة باتريوت الدفاعية، لكن الأخيرة أكدت أنها لا يمكن تشتري المنظومة الأمريكية دون التخلي عن نظيرتها الروسية.
ويجزم كبار المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان بأن بلادهم سوف تستلم المنظومة الروسية في موعدها المقرر بعد أشهر قليلة، ولن تتراجع مهما بلغت التهديدات الأمريكية.
وتبدو الخيارات أمام تركيا صعبة للغاية، وبعيداً عن الخيار المفضل بتحقيق توازن واستمرار العلاقات السياسية والاقتصادية مع البلدين، يبدو تفضيل أحدهما خياراً معقداً، لا سيما وأن لأنقرة علاقات اقتصادية وحجم تبادل تجاري متقارب مع كلاً من موسكو وواشنطن، وأي أزمة سياسية مع إحداهما سوف يؤدي لانتكاسة كبيرة للاقتصاد التركي الذي يمر في أصعب فتراته منذ نحو عقدين.
وفي وقت بلغ فيه التبادل التجاري بين تركيا والولايات المتحدة عام 2018 أكثر من 20 مليار دولار، ارتفع التبادل التجاري مع روسيا خلال العام نفسه لأكثر من 15٪ وأصبح يتجاوز الـ26 مليار دولار، وسط مجالات أوسع للتعاون ورفع حجم التبادل التجاري بين أنقرة وموسكو.
أردوغان وبوتين اتفقا «على تكثيف العمل من أجل إيصال حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 100 مليار دولار»، مقابل تقدم بطيء في التبادل التجاري بين أنقرة وواشنطن بسبب الخلافات المتواصلة بين البلدين منذ سنوات.
ومن بين 20.7 مليار دولار هو حجم التبادل التجاري بين أنقرة وواشنطن عام 2018، بلغت الصادرات التركية 8.3 مليار دولار، بينما وصلت الواردات التركية من الولايات المتحدة إلى 12.4 مليار دولار وهو ما يعني اختلال الميزان التجاري لصالح واشنطن بفارق ضئيل جداً.

خريطة العلاقات والمصالح تكشف استحالة تفضيل طرف على آخر

في المقابل، ومن بين 25.6 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين أنقرة وموسكو عام2018، وصلت الصادرات الروسية لتركيا 21.3 مليار دولار، في حين لم تتجاوز الصادرات التركية لروسيا 4.2 مليار دولار، وهي البيانات التي تكشف عن اختلال كبير في الميزان التجاري لصالح روسيا.
وفي هذه النقطة، وعلى الرغم، من أن العلاقات التجارية بين أنقرة وواشنطن، تبدو عادلة أكثر وفي صالح تركيا مقارنة بعلاقات الأخيرة مع روسيا، إلا أن الواردات التركية من روسيا تبدو حيوية وإجبارية أكثر حيث يتربع على عرشها واردات النفط والغاز الطبيعي.
وتستورد تركيا قرابة 20٪ من احتياجاتها من المشتقات النفطية من روسيا، كما تستورد أكثر من 50٪ من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا وبأسعار تفضيلية، وهو يجعل أي أزمة اقتصادية مع روسيا تؤثر بشكل بالغ على الاقتصاد التركي وقدرة الدولة على توفير احتياجات المواطنين من الوقود والغاز الطبيعي.
لكن المقارنة لا تقف عند هذا الأمر، فللمشاريع الاستراتيجية جانباً هاماً في معادلة العلاقات الاقتصادية التركية مع روسيا والولايات المتحدة.
وترتبط تركيا بسلسلة من المشاريع الاستراتيجية الضخمة مع روسيا أبرزها مشروع خط الغاز السيل التركي الذي أنهي العمل في جانب كبير منه ويجري العمل حالياً على إنشاء الجانب المتبقي منه وصولاً لأوروبا تحت اسم «السيل الجنوبي»، وهو مشروع استراتيجي تسعى تركيا من خلاله لأن تحصل على غاز بأسعار أقل وتتحول تدريجياً إلى ممر استراتيجي لخطوط الغاز في المنطقة.
وإلى جانب ذلك، بدأت روسيا العمل في مشروع بناء محطة استراتيجية للطاقة النووية في تركيا «أق قويو» باستثمار اجمالي يصل إلى أكثر من 20 مليار دولار، ومن شأن أي أزمة بين البلدين أن تؤدي إلى توقف هذا المشروع الضخم.
وفي الجانب المقابل، تعتبر تركيا شريك استراتيجي في برنامج صناعة طائرة إف35الاستراتيجية وهو المشروع الذي استثمرت فيه الحكومة بشكل مباشر أكثر من مليار يورو، فيما يتوقع أن تبلغ استثمارات الشركات التركية في هذا المشروع قرابة 10 مليار دولار.
جميع المعطيات السابقة تشير إلى أن الاختيار التركي بين روسيا أو أمريكا سيكون صعباً جداً، الأمر الذي يرجح أن أنقرة سيكون أمامها خياراً واحداً يتمثل في التوصل لأي حلول استثنائية تتمكن من خلالها من الحفاظ على علاقاتها مع البلدين كون الاختيار بين أحدهما لا يبدو خياراً مطروحاً على الإطلاق أو من الناحية الاقتصادية على الأقل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية