بين الجزائر ومدريد والرباط: هل تبدأ المفاوضات؟

حجم الخط
48

أقوى تعبير عن رغبة مدريد بالتطبيع سريعا مع الرباط، هو وصف خوزيه مانويل، في حفل تنصيبه الاثنين الماضي على رأس الخارجية الإسبانية، المغرب بـ«الصديق الكبير». لكن إن فُتح الباب أمام الإسبان، فهل سيضيق على الجزائريين؟
حتى الآن لا إشارة تدل على تطلع الجزائر لفتح صفحة جديدة مع جارتها الشرقية، غير أن ذلك لا يعني أن الحال سيبقى على ما هو عليه، فالتطورات التي حصلت الأسبوع الماضي في العاصمتين، قد تحمل مؤشرات، ولو بسيطة، على أن هناك فرصة لتحريك المياه الراكدة. ولعل أول ما يلفت الانتباه هو أن الفاصل الزمني بين إعلان رئيس الوزراء الإسباني، السبت الماضي، عن تعديل وزاري واسع على تركيبة الائتلاف الحاكم في بلاده، وكشف الرئاسة الجزائرية عن التشكيل الحكومي الجديد كان ثلاثة أيام لا غير. كما أن أبرز ما حمله التعديلان كان إبعاد صبري بوقادم عن دفة الدبلوماسية الجزائرية، وإزاحة أرانشا غونزاليس ليا، التي توصف بـ«صانعة الأزمات» عن قيادة الخارجية الإسبانية. لكن هل حصل هذا بمعزل عن ذاك، ولم تكن هناك أي صلة أو علاقة بين الحدثين؟ أم أن هناك رابطا ما جمع بين رغبة الجزائريين والإسبان في إعادة ترتيب بيتهم الدبلوماسي في وقت واحد؟
لا شك بأن الأزمة التي اندلعت قبل أكثر من شهرين على خلفية استقبال مدريد لزعيم البوليساريو، كانت ثلاثية الأبعاد، فهي إن وضعت في الظاهر مدريد فقط في مواجهة مع الرباط، إلا أنها كرست كذلك جانبا من صدام الأخيرة المستمر مع الجزائر، وألقت الضوء على معطى مهم وهو، رفض المغرب لاستمرار أي تحالف أو تنسيق إسباني جزائري ضده. ومع أن المساعي تركزت على تطويق الشق الإسباني المغربي من الأزمة، فإن الحديث عن وجود جزء جزائري مغربي منها ظل مغيبا، والسبب أن العقود الطويلة من خلاف الجارتين، جعلت القطيعة بينهما تبدو وكأنها من تحصيل الحاصل، لكن إن كانت مشكلة الرباط مع مدريد تتركز بالأساس على ملف الصحراء، فمن ينكر أن جزءا كبيرا من أوراق ذلك الملف توجد في الجزائر؟ ومن يتصور أن الإسبان سيبقون طويلا على موقفهم في حال ما إذا تخلى الجزائريون غدا عن البوليساريو؟ فكيف يمكنهم أن يقفوا حينها ضد إرادة بلدين مغاربيين، ويرفضوا أي تسوية قد يتوصلان لها في شأن يعنيهما أكثر من غيرهما؟ سيكون من الصعب جدا على الإسبان أن يقوموا بأي دور مهم في ذلك الملف، متى فقدوا جزءا من الأدوات القديمة التي كانت بحوزتهم، ولم تعد الأسباب والظروف التي جعلتهم ينجحون في اللعب على الحبلين المغربي والجزائري، واستغلال تناقضات وخلافات البلدين موجودة. لكن كيف يقتنع الجزائريون بعيدا عن الشعارات، أن مصلحتهم كانت وستبقى مع المغرب، وليس مع إسبانيا؟ إن ما يحصل هو أن هناك من يساعدهم على توهم العكس. فساعات قبل الإعلان عن إقالتها من منصبها، ظهرت أرانشا غونزاليس ليا إلى جانب نظيرها الفرنسي أيف لودريان في مؤتمر صحافي عقداه في مدريد، في أعقاب جلسة محادثات جمعتهما.

لا إشارة تدل على تطلع الجزائر لفتح صفحة جديدة مع جارتها الشرقية، غير أن ذلك لا يعني أن الحال سيبقى على ما هو عليه

وعندما سأل لودريان إن كان يقوم بوساطة بين المغرب وإسبانيا بادر للقول «إن الامر لا يتعلق بفرنسا للتوسط بين المغرب وإسبانيا وهما دولتان تتمتعان بالسيادة، وتتحملان مسؤوليتهما الخاصة» قبل أن يضيف، أن لفرنسا علاقات ممتازة بكلا البلدين إلا أنها «تبدي الكثير من التضامن مع إسبانيا لكونهما عضوين في الاتحاد الأوروبي». وربما كانت الجملة الأخيرة للوزير الفرنسي أقرب ما تكون إلى فخ أو طعم. ففي وضع طبيعي كان سيكون الطرف المعني بها مباشرة هو الرباط، إلا أن لودريان لم يكن ينظر على ما يبدو للكأس من زاوية واحدة، وأراد أن يوجه، وعلى طريقته رسالة ترحيب إلى المسؤول الجزائري عن مقاليد الخارجية، أي الدبلوماسي المخضرم رمطان لعمامرة، ساعات قليلة بعد استلامه لمهامه، لقد كان يعلم جيدا أن إظهار أي نوع من الميل، أو الانحياز للإسبان في نزاعهم الأخير مع المغرب، سوف يكون إشارة ذات مغزى لن يتخلف من يوصف في الجزائر بـ«الساحر الدبلوماسي» ويحسب واحدا من أهم أصدقاء باريس، عن تلقيها بالتقدير المطلوب، لكن لم فعل الفرنسيون ذلك؟ وهل كان وزير خارجيتهم وهو يتحادث مع وزيرة إسبانية تمضي آخر ساعاتها في المنصب يحاول استباق الزمن، وإعادة ترتيب الأوراق الإسبانية الجزائرية، لتعبيد الطريق أمام تطور ما؟ لقد أرادت باريس أن تدخل على خط الأزمة، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي في حاجة للمغرب، ولأجل ذلك فهي تقدم له وبقدر محدود بعض الرسائل الإيجابية والمطمئنة حول الملف الصحراوي، وهي لا تقدر أيضا على التخلي عن الجزائر، ولا تغفل عن إبلاغها بأنها مستمرة في الوقوف في المنطقة الرمادية، حيث لا حسم لا لصالح المغرب ولا ضده في ذلك الملف. كما أنها تنظر بقلق بالغ لأي تدخل أمريكي محتمل في المنطقة، وترغب بإظهار نوع من الدعم الرمزي لمدريد، حفاظا على ما تبقى لها من زعامة قارية.
لكن هل يعني ذلك أنه سيكون باستطاعتها أن تجعل مدريد أداة طيعة بيدها، وأن تقنع الجزائريين، بأن لا جدوى من تصالحهم مع المغرب؟ وفي تلك الحالة هل سيكون التغيير الذي حصل على رأس الدبلوماسية الجزائرية والإسبانية شكليا فقط؟ أم أنه سيسمح بإذابة الجليد وتحقيق انفراج في علاقة البلدين بالرباط؟ بغض النظر عن طبيعة الأسماء فإن الأمر يتعلق بقدرة الأطراف الثلاثة على الجلوس إلى طاولة مفاوضات، إما ثنائية أو موسعة، قد تسمح لهم بالتوصل إلى تفاهمات حول الملفات العالقة بينهم. وتصور تلك العملية ليس بالأمر السهل. لكن ما الذي سيدفع الجزائريين والإسبان للانخراط فيها؟ ألن يمثل جلوسهم مع المغاربة إلى طاولة واحدة في هذا الظرف انتكاسة كبرى لمشروعهم؟ إن المحدد هو، ما الذي سيكسبونه، وربما أيضا ما الذي سيخسرونه إن هم واصلوا التمسك بمواقفهم؟ لكن هل يستطيع المغرب بالمقابل أن يقدم لهم بعض المحفزات؟ وهل سيكون بمقدوره مثلا أن يعرض على الجزائريين مقترحات سخية وجذابة تجعلهم يوافقون بالأخير على تصوره لحل النزاع الصحراوي بشكل نهائي ودائم، من خلال منح الصحراويين حكما ذاتيا؟ وهل يستطيع أن يقدم للإسبان أيضا نوعا من التطمينات، بأنه حتى إن طالب لاحقا بخروجهم من باقي أراضيه المحتلة في الشمال، فإنه سيمنحهم فيها بالمقابل امتيازات قد تحفظ مصالحهم؟ إن كل ذلك يتعلق، بلاشك باستعداد كل طرف للتنازل للطرف الآخر، وقدرته على استيعاب المعطيات والمتغيرات الإقليمية والدولية، وإدراكه الجيد لطبيعة التوازنات المقبلة في المنطقة. وما تدل عليه أغلب المؤشرات حتى الآن، أن فرضية التفاوض باتت اقرب من فرضية التصادم وربما الحرب. أما كيف؟ ومتى؟ وإلى أين سيفضي ذلك؟ فهذا وحده ما سيقرره المعنيون بالأمر.

كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ahmed HANAFI:

    تذكروا أيها السادة:
    تذكروا أن وزير خارجية فرنسا قال وهو في مدريد: علاقاتنا بإسبانيا ممتازة، وعلاقاتنا بالمغرب ممتازة ايضا، لكننا نساند إسبانيا لأننا أعضاء في أسرة واحدة ( الاتحاد الاوربي).

    ثم تذكروا أن وزير خارجية الجزاير ( السابق ) قال وهو في مدريد: … بعد هذا لا أجد ما اقول، اترك السيدة الوزيرة ( لايا ) تتحدث باسم الجزاير… .
    بعد هذا، لماذا نلوم اليهود والنصارى الذين يستصغرون العرب ويذمون العروبة.
    تحية حارة للكاتب العزيز المحترم.

  2. يقول Muhammad:

    هناك الواقع الحتمي وهناك السياسة.
    الواقع الحتمي هو أن الصحراء مغربية وستبقى مغربية، ولن يخرج أحد المملكة المغربية من جزء من ترابها.
    السياسة هي أن من مصلحة فرنسا وإسبانيا إطالة أمد وجود القضية ما أمكن، مهما كانت آراؤهم حول الموضوع، وهما لا يريان بعين الترحيب تزايد التأثير الأمريكي على حسابهما.
    أما الجزائر، فهي تعمل ضد مصلحتها وضد مصلحة المنطقة. وتعطي للأجنبي على طبق من ذهب ذرائع لإدامة تأثيره، وفي نفس الوقت تقضي على بذور المحبة بين شعوب المنطقة.

  3. يقول مختار بهمود:

    عن اي مواقف لكم ايها الجزائريون نحن في صحراءنا وصحراءنا في مغربنا فطبلو وزمرو كما بدا لكم،لكن سياتي عليكم يوم مقداره الف سنة

  4. يقول Admirateur:

    الصحراء مغربية ولا تقادم في وضعيتها مع مرور العقود والازمان . المغرب ثابت في موافقه لا يبيع أراضيه بالخير الاثمان .المملكة المغربية مع الشرعية وامريكا جزء من الشرعية هي مع المملكة المغربية والصحراء المغربية هي في مغربها في امان والمغرب في صحرائه في اطمئنان …

  5. يقول عزيز المغرب:

    الغباء السياسي يدفع بعض الدول لان تسبب الادية لشعبها نكاية في الجيران
    مند تحرير الكركرات وافتتاح العديد من الدول قنصلياتها في الصحراء المغربية ونجاح المغرب في فضح اسبانيا بما عرف بقية بطوش اصبحت قضية الصحراء تحصيل حاصل واصبحت البوليزارو مشكلة جزائرية من باب الاخوة نقترح على اشقائنا عسكر الجزائر ان يمنحوهم دولة في صحرائهم الشاسعة وتنتهي المشكلة .

  6. يقول محمد مغربي:

    انا لم اعود اعلق على الموضوع الجزاءري المغربي او اهتم بيه اصبح الموضوع العبثي المستهلك سءمت منه حتى كتاب والمعلقين يردون نفس الاسطونة مشروخة لمدة السنوات لذلك افظل نسيان الموضوع يبقى كل البلد في حاله حتى ينضج مسؤولين بلدين خاصة مسؤولين الجزاءر

  7. يقول المغاربي:

    وهل سيقبل المغرب من اسبانيا والجزائر بأقل ما صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية و هو الإعتراف الصريح بمغربية الصحراء؟.
    تصريح الوزير الفرنسي بتأكيد تضامن فرنسا مع اسبانيا لكونهما عضوان في الاتحاد الاوروبي، مخجل للجزائر التي اخلت بالتضامن المغاربي وتسعى الى تقسيم المغرب لاضعافه بالدفاع عن الحدود الاستعمارية وخلق كيان سادس يزيد من تشتيت شمل البلدان المغاربية. اضف الى ذلك مواقف ليبيا و تونس و موريتانيا المخالفة لتعاليم القرآن التي تدعوا الى محاربة الطائفة الباغية اذا اعتبرنا التقسيم والانفصال والتنازع بغيا.

  8. يقول نوري:

    قراءة مغربية للاحداث.

    1. يقول طاهر العربي:

      الحمد لله ?

    2. يقول نوري:

      لا تفهمني غلط.قصدي ان الكاتب منحاز للمغرب.

  9. يقول عبد الكريم البيضاوي:

    الأخ نزار.

    أحترم مقارنتك بين المغرب والجزائر من جهة مع جارتهما الشمالية اسبانيا. أوراق اللعب في يد المغرب أظنها أكثر وذات فعالية. خد فقط الهجرة السرية, الاتحاد الأوروبي اعترض على “ استعمال “ الأطفال, أما وإن “نجح“ الأفارقة المقيمون في المغرب وهم بعشرات الآلاف في اختراق الحدود والدخول للمدينتين المحتلتين ,كما حصل مؤخرا في مدينة مليلية فالأمورعادية.
    المدينتان المغربيتان المحتلتان سبتة ومليلية , تصور لو وصل الحال بالمغرب وقام بتنشيط منظمات و جمعيات و أحزاب مغربية ـ طبعا تحت سكوت الجهات الرسمية ـ بفتح ملف تحرير المدينتين ثم العمل على ذلك دعائيا وتنظيميا وبكل الوسائل التي تثقنها مخابرات الدول؟ ألا تكون تصبح اسبانيا في ورطة كبيرة؟ هم يعلمون ذلك, لماذا تظن كل هذه التصريحات الإسبانية الصديقة نحوالمغرب في الأيام الأخيرة ؟

  10. يقول عبد الكريم البيضاوي:

    تتمة :
    ذكرت ورقتين فقط , لكن هناك أوراق أخرى , منها التجارة , الاستثمارات الاسبانية في المغرب , الجالية في اسبانيا , الملاحة إلخ ….
    ماهي أوراق الجزائر, البترول والغار؟ ماذا بعده ؟ العالم يسير في اتجاه آخر حتى فيما يخص هذه المادة.

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية