غزة- رمزي محمود:
بمطرقة صغيرة، يحاول الفلسطيني عبد السلام الدوش، استصلاح عدة ألواح من الصفيح المعدني (الزينكو)، والتي جمعها من ركام الحي السكني الذي كان يقطن به قبل أن تسويه آلة الحرب الإسرائيلية، بالأرض كاملا.
يحاول الدوش بناء خيمة من “الزينكو” لتؤوي أفراد عائلته الكبيرة (بحدود 30 شخصا)، الذين أصروا على البقاء في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة ورفضوا النزوح نحو الجنوب، لكنهم مشتتون بعضهم في مراكز الإيواء والبعض الآخر لدى جيرانهم ممن لم يتم تدمير منازلهم بشكل كامل.
ورغم ظروف الشتاء القاسية والقصف الإسرائيلي العشوائي، يسعى الدوش لاجتراح حياة جديدة لعائلته بهذه الخيمة بين الركام والدمار.
الخيمة تمتلئ بالثقوب جراء تضرر الصفيح من القصف الإسرائيلي، ما ينذر بإمكانية غرقها مع أول هطول للأمطار في المنطقة.
وتعرضت بلدة بيت لاهيا لتدمير إسرائيلي واسع جراء الغارات الجوية والعملية البرية التي بدأها الجيش في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يقول الدوش إن عائلته المكونة من نحو 80 شخصا “غادرت هذه المنطقة قبل تسويتها بالأرض، حينما أنذر الجيش الإسرائيلي سكانها بالإخلاء قبل نحو 3 شهور”.
وأضاف: “البعض نزح نحو الجنوب، والبعض الآخر (عددهم 30 شخصا) اتجه لمراكز الإيواء في الشمال، ومع الانسحاب الإسرائيلي عدنا وفوجئنا بهذا الدمار الهائل”.
ورغم هذا الدمار، إلا أن الدوش قرر أن يبقى وأفراد عائلته من غير النازحين في الشمال مجتمعين سويا داخل خيمة قريبة من أنقاض منزلهم.
واستكمل قائلا: “نلملم أنفسنا داخل هذه الخيمة خاصة مع حلول فصل الشتاء وبدء المنخفضات الجوية”.
لكنه يتخوف من سقوط قذيفة مدفعية أو جوية عليه، أثناء عمله في إنشاء هذه الخيمة البسيطة.
وعن معاناته، قال إن سكان الشمال يعيشون ظروفا إنسانية صعبة للغاية في ظل عدم توفر الطعام والمياه.
وأضاف قائلا: “مطلبنا اليوم خيمة وكيس من الدقيق”.
بدوره، يقول شقيقه سليمان الدوش إن الحصول على كيس من الدقيق في منطقة شمال القطاع مهمة في غاية الصعوبة.
وأضاف: “نحصل على رطل من حبات القمح (غير المطحون) مرة كل 3 أيام، حيث نقف في طابور طويل جدا لمدة يوم كامل”، دون ذكر المزيد من التفاصيل حول مصدر هذا القمح.
وعدا القمح، فإن الدوش يشكو من ندرة توفر الطعام والمياه في المنطقة.
ويفضل الدوش العيش بهذه الخيمة بعد الانتهاء من إنشائها، قائلا إن “المدرسة التي لجأوا إليها تعرضت للقصف وفاضت بها مياه الصرف الصحي”.
وتابع: “الظرف الصحي والبيئي هناك سيئ للغاية، حتى بدأت الفئران والثعابين بالظهور فيها”.
ويندر توفر المواد الغذائية في محافظتي غزة والشمال اللتين تشهدان حصارا إسرائيليا منذ بداية الحرب، بقيود أشد من تلك المفروضة على المناطق الجنوبية.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قطعت إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس أوضاعا متدهورة للغاية.
وسمحت إسرائيل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بدخول كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح، ضمن هدنة استمرت أسبوعا بين الفصائل في غزة وإسرائيل، تم التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أمريكية، تخللتها صفقة تبادل أسرى.
هذه المساعدات تصل إلى المحافظات الجنوبية من القطاع، بحيث تمنع إسرائيل وصول المساعدات للمناطق الشمالية، باستثناء عدد شحيح من الشاحنات التي تحاول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” إيصالها إلى هناك.
وكان القطاع يستقبل يوميا نحو 600 شاحنة من الاحتياجات الصحية والإنسانية، قبل الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، إلا أن العدد تدنى إلى نحو 100 شاحنة يوميا في أفضل الظروف.
وعن الأمنيات في المستقبل القريب، قال الطفل عامر الدوش (8 سنوات)، إن أولى آماله تتمثل في انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وتابع: “أتمنى لو أنه يتم إعادة إعمار منازلنا، وأعود للمدرسة، وأن أقضي أوقاتي في اللعب كما بقية الأطفال”.
وختم حديثه قائلا، إنه كان يحلم بأن يصبح “محاميا أو مهندسا” حينما يكبر.
(الأناضول)