حين يسمي الناس الطيور لا يكونون دائما محايدين في تسميتها، وأن يخلع الناس على الحيوانات مشاعر أو ينسجون حولها الحكايات والخرافات، فهذا مألوف في الثقافات، لكن أن يسمّوها بتلك الانطباعات فهذا في ذاته مهمّ لأحد أمرين على الأقل أوّلهما، إن التسمية جاءت بعد مخاض ثقافي هو في الغالب وصف لانطباع جماعة ثقافية حول سلوك طائر وتأويل سلوكه وكأنّه بشر؛ والثاني إن هذه التسميات هي أقرب إلى الألقاب والأوصاف منها إلى الأسماء، وهناك فرق بين أن تُسند إلى الكيانات المرجعية أسماء، وأن تسند إليها صفات تريد منها أن تكون أسماء. إن هذا أشبه بتسمية الأسد بكثير من الأسماء، التي هي في الأصل صفات مثل الضرغام ويعنون به الضاري من الأسود، لذلك لا يكون كلّ أسد ضرغاما.
هناك طائر بحريّ من صنف البجعيّات يعيش في الجزر الاستوائية في شرق المحيط الهادئ على سواحل أمريكا اللاتينية، ويعرف هذا الطائر باسم «الطائش أزرق القدمين» وهي ترجمة حرفية لاسمه الإنكليزي Blue-footed booby. سمّي بأزرق القدمين، لأنّ قدميه التي تشبه رجلي البطّ زرقاوان زرقة باردة. لكنّ ما يشدّ في التسمية هو عبارة الأطيش، أو الأبله، أو المغفّل لأنّها مدعاة للتساؤل: فما الذي يفعله هذا الطائر المسكين حتى يرمى بالبله والطيش والغفلة؟
أوّل تسميات هذا الطائر كانت بلغة إسبانية وهي بوبو Bobo وترجمت بقية اللغات هذه العبارة، فالفرنسية ترجمتها بالمجنون إذ تسمّيه Fou à pieds bleus أي المجنون ذا القدمين الزرقاوين. في الثقافة الغربية يُطلق اسم دودو Dodo القريب من بوبو قربا لا نعتقده بريئا على طائر شبيه بالحمام انقرض بسبب الصيد والإبادة باسم المنفعة البشرية. هذا الطائر الذي كثيرا ما يصوّر في الأفلام كان قبل أن ينقرض رمزا للبلاهة، فهو حيوان غبيّ أخرق، ويبدو أن هذا الرمز اكتسبه من زمان طويل وظلّ قائما رغم اندثار الطائر الذي يمثّله، ويبدو أن تسمية بوبو هي قلب صوتي لدودو، أو العكس، المهمّ أن التسميتين تعكسان حالة بدائية أو قديمة من استعمال اللغة باستعمال صوتين مكرّرين، ويبدو أن التسميتين هما من المحاكيات التي تقلّد صوت الطائر المنقرض أو طائرنا ذي الأرجل الزرقاء.
أغلب من يتحدّثون عن سرّ التسمية يركزون على طريقة مشيته، التي تشبه مشية من لا يمشي على نهج سويّ ومنها من يردّه إلى أنّه سهل الانقياد، وعلى العموم فهي تسميات تتعلق بسلوك الطائر الذي يؤوّله المراقبون له تأويلا عقليا نفعيا.
بقطع النظر عن أسباب الجنون والطيش والعَتَه، فإنّ هذا الحيوان قد تَسمَّى بخرقٍ لقيمة إنسانية مميَّزة هي التعقّل والحكمة. وفي تاريخ الأدب العربي استعملت الحيوانات رموزا لقيم إنسانية كثيرة مثل، السمكات الثلاث في كتاب ابن المقفع، إذ رتّبهنّ من جهة العقل والكياسة درجات مَن أكثرهنّ عقلا، كانت الناجية من شرك الصيد، نجاة سهلة إلى أنقصهنّ عقلا، لذلك وقعت في الشباك، مرورا بأوسطهنّ كياسة نجت من الشباك بأعجوبة بعد أن تماوتت.
إنّ تحميل النصوص الأدبية للطيور أو للحيتان أو لغيرها رموزا، لا يعني أن الترميز مقتصر على الأجناس الأدبية الراقية ولا على الثقافة الراقية؛ فهذا الاسم الذي يسند إلى هذا الطائر يدلّ على تصرّف شعبي في الرمز يختلف عن التصرّف الأدبي الراقي فيه ويهمنا ههنا أن نتحدّث عن هذا الضرب من الترميز الشعبي المختلف عن الترمز الأدبي. الترميز الشعبي الذي تندرج فيه تسمية الطائر المذكور طائشا أو أخرق أو مجنونا، لا يربط هذا الحيوان برمز مثلما فعل ابن المقفع مع السمكات الثلاث، ومثلما فعل هوميروس في الإلياذة حين شبّه ساربايدون بالأسد، وهو على وشك مهاجمة جدار الآخيين فكان قويّا باطشا متوثّبا للهجوم رغم وجود العراقيل.
غير بعيد عن هذا الإسقاط تسمية طائر آخر بمالك الحزين، فهو حزين لأنّه كما قيل في بعض التأويلات إنّه يظلّ مرابطا على المستنقعات التي جفت والبحيرات التي نضبت مياهها مرابطة من يحزن على جفاف الأرض. هكذا يخلع الإنسان صفاته وأحواله على الطيور
لا تسند الرمزية الشعبية إلى الحيوان رمزا معينا بأن تجعله شكلا مجسدا لقيمة مجردة، فالرمز بهذا هو ضرب من حَسْحَسَةِ القيمة أي جعلها حسّية مرئيّة مراقبة في سلوك الحيوان، كأن يقال إن الوفاء للكلاب مثلا، ويكفي أن تراقب سلوك كلب وفيّ (وليست كلّ الكلاب كذلك) حتى تفهم في سلوك الحيوان غير العاقل ما معنى أن تكون القيمة؛ وتسقطها على البشر العاقلين احتذاء أو وصفا وتقريبا. يعمل الرمز الشعبي بواسطة آليّة الإسقاط Projection وتعني أن تسقط مُجردا على مُجَسد كأن تسقط قيمة بشرية إنسانية على سلُوك حيواني. يقول العرفانيون اليوم إن أيّ عملية استعارية هي عملية تنبني على آليات إدراكية من بينها الإسقاط ويعنون به وبشيء من التبسيط أن تعكس معطيات تجربة مجرّدة على تجربة ملموسة، مثال ذلك أن تعكس تجربتك مع الحبّ على تجربتك مع السفر، كما في قول نزار مثلا (سافرتُ في دخّانِه) أو أن تعكس تجربتك مع هذه العاطفة نفسها على تجربة القراءة، كما في قول الشاعر نفسه (يا ليت هذا الرجل المسكون بالأسرار فكّر أن يقرأني) لقد أسقطنا في القولين تجربة هدفا مجرّدة (هي تجربة الحبّ) على تجربتين مصدرين محسوستين (هما تجربة السفر والقراءة). ليس هذا ما يحدث بالضبط عند تسمية الطائر ذي الرجلين الزرقاوين بالمجنون. صحيح أن العمليّة التي تمّت بها التسمية هي عملية إسقاط والإطار الذي حدث فيه هذا الإسقاط هو إطار استعاريّ غير أن الاستعارة ههنا هي طريقة في إدراك الكون ومن بعد ذلك في تسميته.
يسقط الإنسان العاقل الذي سمّى هذا الطائر بالمجنون عليه عاقليته البشرية وسلبها منه. وبهذا الإسقاط يصبح الطائر ذكيا أو غبيا، عاقلا أو طائشا. وأن يمشي الطائر الذي جعل ليكون في السماء وهو على الأرض بطريقة لا تمشي بها في الأصل الحيوانات، فهذا يعني لدى من يستقرئ ويُسقط أن الحيوانات يمكن أن تمشي بطريقة العقلاء، أو تمشي بطريقة الطائشين تماما كالإنسان نفسه. أن يمشي الإنسان مشية معتدلة أو طرازية، فلا يمكن أن يكون ذلك موضوع نظر أو تأمّل، لكن يكفي أن تمشي امرأة في خفر ودلال، أو في غنج وجمال، فذلك يمكن أن يصوّب عليها الأنظار، ويمكن للماشية أن تغيّر في مشيتها وهي ترسل رسالة إلى العيون التي تتابعها، فعندئذ تكون المشية رسالة مشفرة لمن أراد أن يفكّ شيفراتها. الأمر نفسه يمكن أن يقال عن السكران المترنّح أو عن المريض الذي يفتقد توازنه، فإنّ المشية يمكن أن تدلّ على ما بالماشي من سكر أو مرض. المشية المجنونة هي مشية تحمل فيها السيقان الزرقاء طائر السماوات الزرقاء إلى حتفه أو هلاكه، فهو وإن كان يمشي متثاقلا أو خفيفا متمايلا أو مستقيما، فإنّ الجنون ليس في المشية، بل في المسعى الذي ستحمل الرجل الزرقاء صاحبها إليه. يحدث الإسقاط حين يصبح من يراقب الطائر ذا الأرجل الجميلة عاقلا حكيما، يعرف الخطى وقياساتها وعقلها ومصائرها التي ستصير إليها.
غير بعيد عن هذا الإسقاط تسمية طائر آخر بمالك الحزين، فهو حزين لأنّه كما قيل في بعض التأويلات إنّه يظلّ مرابطا على المستنقعات التي جفت والبحيرات التي نضبت مياهها مرابطة من يحزن على جفاف الأرض. هكذا يخلع الإنسان صفاته وأحواله على الطيور، في ممارسة هي من أقدم أشكال الاستعارات المتبادلة: يسقط الإنسان ما به على الحيوان ويأخذ منه ما يريد أن يأخذه في ضرب من الإسقاط النفعي. غير أن الحزن صفة في هذا الطير يمكن أن تؤوّل ويظلّ غريبا تسميته بمالك، إذ ليس من فائدة اللغويّ أن يعرف من مالك هذا لكنّ ذلك شأن ثقافي وشمّاعة تعلق عليها كثير من الأساطير ثيابها، لتسقط ما تريد من حكايات وأخبار يمكن أن تقبلها عقول تمشي كما يمشي مالك الحزين حزينا أو تمشي كما يمشي ذو الأرجل الزرقاء طائشا مجنونا.
أستاذ اللسانيّات في الجامعة التونسية
من وجهة نظر لغة القرآن وإسلام الشهادتين، التي لا تمثل فكر (فلان) أو ثقافة (علان)،
(الإسم) شيء يمثل خلاصة حكمة أي مجتمع في قاموس لغته، و(الرمز) شيء آخر يمثل فكر أي مجتمع،
هو أول ردة فعل على عنوان (بين الرمز الشعبي والرمز الأدبي)، نشره أستاذ علم اللسانيات، في الجامعة التونسية، د توفيق قريرة، ذو ثقافة مناهج تعليم اللغة الفرنسية، نشرته له جريدة القدس العربي، البريطانية، فالإشكالية في خلط الحابل بالنابل فيؤدي إلى سوء الفهم أو التأويل والتفسير الفاسد،
هو استخدام قاموس وهيكل لغة (أوروبية)، على لغة أفريقية أو آسيوية، بسبب مناهج التعليم والتدريب والتكوين المهني في كل نماذج دولة الحداثة في نظام الأمم المتحدة، لا تتلاءم مع حاجة الدولة في آسيا أو أفريقيا وغيرها من قارات العالم التي تختلف عن قارة أوروبا،
زاد الطين بلّة، ما فات عضو مجلس الشورى السعودي (صالح النملة)، في تصريحات عن حجم الاختلاف، بين سعر برميل أي منتج من منتجات الطاقة، مقارنة مع سعر أي برميل، لأي منتج أوروبي أو أمريكي من وجهة نظري،
ميزانية دولة الحداثة، عالة، على (الضرائب) من جهة، و VAT من جهة أخرى، التي تفرضها على منتجات الطاقة، وغيرها، التي يجب أن يدفعها،
فقط، ممثلي القطاع الخاص عند إنتاج أي شيء، يخلق إقتصاد وأعمال وخدمات الدولة، وهنا قمة الظلم، على الإنسان والأسرة والشركة المنتجة للمنتجات الإنسانية في أي دولة، على أرض الواقع.
ثم ما بين عنوان الجزيرة القطرية
(بعد هجوم الخضيرة.. الفصائل الفلسطينية تبارك العملية وهجمات للمستوطنين في الضفة)
https://aja.me/s6xexv
وعنوان جريدة القدس العربي، البريطانية (رئيس الحكومة الفلسطينية يندد بـ”لقاءات التطبيع العربي” مع إسرائيل)، في سياق ما يحدث في فلسطين، دليل عملي، على مقدار الهوة، بين ممثلي (آل البيت) في دولنا، وبين ممثلي (شعب الرّب المُختار) على أرض الواقع،
ولذلك قل لي، كيف تنسف أساس حججها وتبريراتها، وأقصد هنا، فلسفة الشك والتشكيك؟!
لأن كل صيغ دولة الحداثة، تجد أنها مبنية على مفهوم آل البيت وشعب الرّب المُختار وموضوع دفع الخُمس، من دخلك، بلا أي مقابل، كدليل على العبودية المادية،
ومن جانب آخر ما ظهر من مستوى الترف والبذخ والاستهتار بكل معنى الأخلاق، الذي كشفته عملية الهروب من جهة، وما حكمت به محكمة (بريطانية/أوروبية)، بخصوص قضية طلاق، لأسرة من ممثلي أسرة (آل البيت) الحاكم، في دولنا،
الأميرة (هيا بنت الحسين)، والشيخ (محمد بن راشد)، والإعلام مُقصّر تماماً هنا، عن عمد وقصد، لماذا؟!
ومثال عن الظلم، العام، قصة الشاعر العراقي اليهودي أنور شاؤول (1904-1984)،
عندما تعرض اليهود للمضايقة والمطاردة من جديد، في بداية السبعينات، ألقي القبض على أنور شاؤول وزج به في السجن، وكان على وشك أن يُعدم، فتذكر صديقه (صالح مهدي عماش) فارسل له هذه القصيدة..
إن كنتُ من موسى قبسْتُ عقيدتي
فأنا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الإسلام كانت موئلي
وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لأمة أحمد
كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذيّاك السموأل في الوفا
أَسَعِدتُ في بغداد أم لم أَسْعدِ
فتأثر عماش كثيرا، وكان وزيرا للداخلية، فأخذها إلى أحمد حسن البكر رحمه الله، فقرأها فتأثر وأمر بإطلاق سراحه فورا، والسماح له بالسفر،
هل هذا رفع للظلم، أم شفاعة ومحسوبية/واسطة (رشوة)، دون بقية من تم ظلمهم من (اليهود) في العراق بداية من (الحزب الشيوعي العراقي) بعد توقيع صك شهادة ميلاد الكيان الصهيوني في عام 1947، حيث كانت الوجبة الأولى من المضايقات، أم لا؟!??
??????