بين بري وجنبلاط هبّات باردة وهبّات ساخنة
بين بري وجنبلاط هبّات باردة وهبّات ساخنة بيروت ـ القدس العربي ـ من سعد الياس: قد يكون من النقاط المضيئة القليلة في قضية مقتل الشابين الشهيدين زياد الغندور وزياد قبلان الصدمة الايجابية التي أوجدتها لدي اللبنانيين لوأد الفتنة وعدم السماح بامتدادها، وهو ما عبّر عنه الخطاب الهاديء والواعي لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي ظهر كرجل دولة في الملمّات وليس كأحد رؤساء ميليشيات السلطة.وجاء تصرف النائب جنبلاط مشابهاً لتصرفّه عند أول استحقاق كبير هو محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة في الاول من تشرين الاول (اكتوبر) 2004 حيث وقف علي باب مستشفي الجامعة الامريكية مهدئاً من غضب الجماهير.ويأتي سلوك الزعيم الدرزي مشابهاً ايضاً لسلوك الرئيس الاعلي لحزب الكتائب الشيخ امين الجميّل لحظة اغتيال نجله الوزير والنائب الشهيد بيار الجميّل حيث دعا أنصاره الغاضبين الي اعتبار اللحظة للصلاة والتأمل في أبعاد استشهاد بيار،وكذلك لسلوك النائب غسان تويني في مأتم ولده النائب والصحافي الشهيد جبران تويني حيث دعا الي نبذ الاحقاد والاقلاع عن الانتقام. غير أن الامر الابرز في سلوك جنبلاط هو اتصاله بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خصوصاً كما قال أن ما يجمعنا من نضال أكبر بكثير من الخلاف السياسي . واذا كان هذا التصرف الجنبلاطي لقي ارتياحاً وتنويهاً من قوي اساسية في المعارضة في طليعتها الرئيس بري، فإن رئيس المجلس النيابي صاحب الباع الطويل في المبادرات كان سبق الزعيم الدرزي الي التهدئة من خلال صيامه عن اطلاق المواقف،وعودته الي فتح الخطوط من خلال السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة حيث أبدي امامه استعداداً للنقاش في طرح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الجديد القائم علي تشكيل حكومة وحدة وطنية علي اساس 17 وزيراً للموالاة و13 وزيراً للمعارضة بعد الاتفاق علي تفاهم سياسي حول البرنامج يشمل مقررات طاولة الحوار والنقاط السبع وباريس 3. فهل يمكن أن تُستكمل أجواء التهدئة بإعادة فتح خطوط الحوار تفادياً للوصول الي الاسوأ والي الانقسام الكبير المتمثل بإحتمال قيام حكومتين في نهاية ولاية الرئيس اميل لحود ؟ من رافق تجربة الرئيس بري والنائب جنبلاط منذ العام 1977 مروراً بفترة الاجتياح الاسرائيلي وانتفاضة 6 شباط وما بعدها وحتي التحالف الرباعي وصولاً الي اليوم يدرك أن العلاقة بين الرجلين قفزت كثيراً صعوداً وهبوطاً،وتنقّلت بعض الاحيان من مرحلة الصديق الودود الي مرحلة الصديق اللدود أو التحالف اللدود ، ولم تخلُ هذه العلاقة في أصعب الاوقات من اشتباكات دامية بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي أو من زيارات مفاجئة كان يقوم بها زعيم المختارة الي بربور كما حصل بعد 4 ايام من حرب العلم الشهيرة في العام 1987، او كما حصل بعد تظاهرة 14 آذار وقبل اقرار التحالف الرباعي.ومن الهبات الباردة والساخنة التي كانت تحكم علاقة الصديقين اللدودين وصف النائب جنبلاط لوائح الرئيس بري في الجنوب بـ المحدلة الطائفية والتي كان يردّ عليها الزعيم الجنوبي بـ أن المحدلة الطائفية أفضل من الموتوسيكل المذهبي .ومن وجوه هذه العلاقة ايضاً ما أعلنه وليد بك صراحة عن رغبته بالتحالف مع يسار جديد لافتاً الي وجود حركات لا يحبها في اشارة الي حركة أمل مضيفاً من يبقي علي الكرسي طويلاً سيفسد ويهتريء ، وردت أوساط الرئيس بري عليه بأنه ليس المهم مع من يريد وليد جنبلاط أن يتحالف بل الاهم من سيثق بعد في أن يتحالف معه؟وأمر جيد أنه بقي 400 سنة علي كرسي الاقطاع ليتحدث عن إهتراء الكراسي . واذا كانت للأسلوب الجنبلاطي نكهة خاصة في السياسة اللبنانية، فإن هذه النكهة لا يطيّبها إلا سياسة وحنكة الرئيس بري وخصوصاً خلال الجلسات العامة التي اشتاق اليها اللبنانيون حيث كان يتبادل الرجلان التعليقات بواسطة قصاصات من الاوراق لا يلبثان بعد قراءتها إلا الافراط في الضحك.بناء علي ذلك، فإن الطلعات والنزلات في العلاقة بين كليمنصو وبربور أو بين المختارة وعين التينة تؤشر الي أن ليس هناك شيء مستبعد والي أن باب المفاجآت مفتوح علي كل الاحتمالات مع الاخذ بعين الاعتبار حراجة الظرف الراهن وتبدّل الوقائع والمعطيات، غير أن الاكيد هو أن الازمة الحالية التي لم يعرف لبنان مثيلاً لها تتطلّب كثيراً من الحلول لا الكثير من التحليلات.