لا أحد انتظر أو توقع من تونس والمغرب بالذات أن تطلقا، حتى في عز التوترات القليلة والمحدودة بينهما، تصريحات حادة أو قوية تجاه بعضها بعضا. فالبلدان معروفان بالاعتدال، وغالبا ما حرص المسؤولون فيهما على احتواء الأزمات والخلافات القليلة التي نشبت بينهما بالكثير من الحكمة والهدوء، وبعيدا عن أي تصعيد أو جعجعة كلامية. لكن في هذه المرة وفي ما ما بات يعرف بواقعة رادس الكروية، كادت الأمور تخرج عن السيطرة تماما وتشذ عن ذلك، لولا أن الطرفين استطاعا بالأخير، ورغم بعض السقطات والهفوات، وربما حتى سوء التقدير أن يبقيا على الهدوء وضبط النفس المطلوبين لإدارة تبعات ما خرج تماما عن كونه نزاعا رياضيا بينهما.
أما كيف حصل ذلك وما الذي جرى وراء الكواليس، وجعلهما يغلبان الرشد بعد أن كادت لحظات غضب وطيش تجرهما إلى عواقب وخيمة؟ فهذا ما سيبقى في هذه المرحلة على الأقل لغزا مبهما. لقد فضل رئيسا حكومة البلدين، لاسباب ربما تدرك بمرور الأيام، أن يبقيا على قدر من السرية والغموض، ويطلقا الثلاثاء الماضي تصريحات لم تكن لتوحي أو تدل على أن الأجواء، بعيدا عن قاعة اجتماعهما في قصر الأمم بجنيف، كانت على الاقل وإلى حدود زمن قريب حادة وحارة بعض الشيء، أو أن يشيرا ولو بشكل ضمني وعابر إلى كل تلك السحب والغيوم التي تراكمت فوق سمائهما منذ فترة، وما شهدته علاقتهما من توتر وجفاء نسبي ملحوظ. وكان واضحا يومها أنهما لم يكونا مستعدين ابدا لان يقولا حتى بأن الازمة ولت وانقضت وصارت وراء ظهرهما الآن، لأنهما لم يكونا راغبين في الإقرار أصلا بأنها كانت موجودة.
ومع ذلك فقد كان ظهورهما معا أضعف الإيمان، والحد الأدنى الذي كان مطلوبا منهما، وأفضل في كل الأحوال من استمرارهما في الصمت. ولعله اعتبر أيضا مؤشرا إيجابيا مهما قد يبعث على الاطمئنان وربما التفاؤل. لكن هل أن اقصى ما كان باستطاعتنا انتظاره هو أن يحصل الاجتماع التونسي المغربي لتكون نتيجته العملية الوحيدة تقريبا هي مراكمة المزيد من السفسطة اللغوية الركيكة إلى قواميس رسمية تعج بمئات العبارات، التي لا تختلف في صياغتها أو أسلوبها في شيء، عما ردده رئيس الحكومة التونسية من أن «هناك آفاقا واعدة للتعاون بين تونس والمغرب»، أو ما قاله رئيس الوزراء المغربي في سياق تنويهه بالعلاقات المغربية التونسية، بوصفه لها بالـ»مميزة» واشارته إلى انه «ينبغي تطويرها خاصة أن المنطقة تعيش تحديات صعبة في وضع اقليمي ودولي معقد يصعب التنبؤ بتطوراته».
ألم يكن كل ذلك كلاما في كلام ونفخا في قربة فارغة واحتواء جديدا لتطلعات حقيقية ومشروعة لأجيال حلمت وتطلعت في البلدين لمزيد من التقارب والتعاون، وحتى الوحدة، وإفراغا لآمالها وأحلامها تلك من أي معنى أو قيمة؟ ام أن التذكير بكل تلك الشعارات والأمنيات في مثل هذا الظرف بالذات، كان امرا ملحا وعاجلا أملته الحاجة للرد الضمني وغير المباشر على كل الشكوك والتأويلات المشبوهة، والنوازع والرغبات التي سيطرت على البعض من هنا وهناك، وجعلتهم يسعون لسكب مزيد من الزيت على النار؟
ما يعني التونسيين والمغاربة هو أن يدركوا أن المسؤولين انتبهوا لمشكل حقيقي بعد تعمق الجفوة بين بلديهما بفعل تداعيات مباراة لكرة قدم جرت بين فريقين رياضيين
لقد حصل اللقاء الموعود فوق أرض محايدة، وداخل قاعة واسعة ضمت طاولة عريضة سمحت للوفدين بأن يتركا مسافة واسعة بينهما، ربما لمراجعة أشياء لم يخططا لها في السابق. وكان المطلوب باختصار أن تطير السكرة عاجلا لتحضر الفكرة على الفور، ويصغي الجميع في وقت قريب لصوت العقل، بدلا من كل الزعيق والضوضاء الذي ملأ لايام معظم قنوات الإعلام ومواقع التواصل في البلدين. لكن من كان صاحب الفكرة ومن سبق الاخر وصحى قبله وكان المبادر بطلب اللقاء؟ لا تكشف لنا برقيات وكالات الانباء، ولا حتى التصريحات الرسمية شيئا عن ذلك. ولعل الامر يبقى في الوقت الراهن تفصيلا جانبيا، ربما لا يفيد كثيرا في المسعى لإعادة المياه لمجاريها، وتنقية الأجواء بين الطرفين. فما يعني التونسيين والمغاربة اليوم وبدرجة أكبر، هو أن يدركوا أن المسؤولين انتبهوا إلى أن هناك مشكلا حقيقيا لم يعد ممكنا أن يستمروا في تجاهله، واختاروا الجلوس ولو لوقت قصير لمحاولة البحث عن حل له، بعد أن تعمقت الجفوة بين بلديهما بفعل التداعيات والأبعاد التي اخذتها مباراة كرة قدم جرت بين فريقين رياضيين، وتخطت بأشواط حقل المنافسة الكروية الصرفة.
إن مجرد ظهور رئيس الوزراء المغربي سعد الدين عثماني ورئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بعد كل الزوبعة التي أثارتها تلك المباراة جنبا إلى جنب، وهما يبتسمان لعدسات المصورين، ويدخلان إحدى القاعات بقصر الأمم، لعقد جلسة عمل على هامش مؤتمر منظمة العمل الدولية، قد يحدث كما يتوقع الرجلان رجة نفسية، ويشكل حدثا في حد ذاته، رغم أن أخبارا أخرى غطت عليه، وجعلته يبدو موضوعا ثانويا لا يحظى بتغطية إعلامية واسعة لا في المغرب ولا في تونس. ولكن هل كان القفز فوق المشكل الاصلي، الذي سبب كل ذلك الشحن والتوتر الشعبي بين الجانبين، وكاد يحدث أزمة دبلوماسية عميقة بينهما، واعتبار انه لم يكن ولم يحدث بالمرة، هو الحل الأفضل لطي الصفحة أو لغلق القوس بشكل نهائي؟ أم أن مصارحة الشعبين بحقيقة ما جرى، والكشف حتى عن الطرف الذي تسبب في الصدع، أو حاول استثمار المشكل والنفخ فيه والركوب عليه، لتوتير العلاقة بين البلدين كان الأولى والأجدى حتى يعرف التونسيون والمغاربة من يتربص بهم، ولا يريد لهم ولا لباقي الشعوب المغاربية إلا المزيد من الفرقة والتشرذم والصراع؟ ألم يكن من حقهم مثلا أن يعرفوا من سعى لتخريب العلاقة وهل أن هناك طرفا ثالثا في القصة؟
إن واحدا من المفاتيح الضرورية للجواب قد يكون الاشارة القصيرة لرئيس الوزراء المغربي إلى التحديات الصعبة والوضع الاقليمي الذي لا يمكن التنبؤ بتطوراته. فليس من باب الترف أن يحاول المغاربة والتونسيون تجاوز الخلاف الرياضي ومحاولة السيطرة عليه واحتوائه حتى لا يتوسع لمدى اكبر. إذ فضلا عن المصالح الثنائية الوثيقة التي تربطهما، فإن نظرة سريعة إلى المجال الإقليمي والدولي المحيط بهما تكفي ليدرك الاثنان معا أنهما لن يكسبا من التصعيد بقدر ما أنهما سيكونان خاسرين في كل الحالات. فالوضع في ليبيا مفتوح على المجهول، ولا شيء يدل على أن الانتقال السلمي للسلطة في الجزائر سيكون سلسا، وسيمر بهدوء ومن دون هزات جانبية. كما أن الأطماع الخارجية في المنطقة كلها باتت تزداد وتتضح يوما بعد آخر وبصمات التدخلات الأجنبية فيها لم تعد خافية على أحد. وإذا كانوا قد قالوا قديما إن الحاجة أم الاختراع، فربما علينا أن نقول الآن إن الحاجة هي التي كانت أيضا أم الحفاظ على الاخوة التونسية المغربية من مجانين الكرة والسياسة.
كاتب وصحافي من تونس
تحياتي للكاتب و اتأسف انه تعمد كثيرا ان تسبق تونس المغرب و هي الدولة الصغيرة الغير مؤثرة،كمغاربة القلة القليلة اهتمت بالفعل بقصة الوداد و الترشي و لم يكن حدثا ذو اهمية الا لقلة من مناصري الفريق الاحمر لانهم ان كنت لا تعلم كانوا مشغولين بما هو اهم و هو الاعداد لاحياء ليلة القدر العظيمة ،نحن كمغاربة متعودين على مثل تلك الاحداث و لم يكن مستغربا فتونس الرياضية دأبت على البحث على انتصارات وهمية باي طريقة و كم كنا مخدوعين بتونس فاعتقدنا لكثرة تطبيل اليسار المغربي لتجربة تونس ان شعبها متحضر و راق و لكن الحقيقة انه لا يختلف كثيرا عن غيره من الشعوب العربية التي تتواجد شرقه،رغم العداوة السياسية بين نظامي المغرب و الجزائر فاخواننا والاقرب الينا في كل شئ يبقى هم الجزائريون اما من عداهم فلم يعد يهمننا امرهم و حتى لغة الخشب التي تستعملها الدبلوماسية المغربية خسارة فيهم و لا يستحقونها و لسنا في حاجة الى صداقة دولة عديمة الجدوى كتونس هذا رأي .
الأخ كريم.
لاتتحدث باسم المغاربة, تحدث عن نفسك واعط رأيك. من قال لك بأن المغاربة يفكرون كما تفكر أنت ؟ علينا التخلص من هذه العقلية السياسية أصلا , عندما يتحدث مسؤول سياسي باسم الشعب كله دون الرجوع لهذا الشعب واستشارة رأيه.
أنا أتحدث باسمي الآن وأقول : ” كمغربي لاأشعر إلا بالحب والود والصداقة الأخوية بيننا كمغاربة وجزائريين وتوانسة , هذا في الغربة , نحن إخوة لافرق بيننا ” إسأل أيا منهم عن رأيه وستسمع الجواب . ” أما من هو قابع في المغرب ويكتفي بالخطاب الرسمي فللأسف يكتفي بما يطعمونه به, وهو خطأ كبير.
المغرب والجزائر وتونس , هذه دول المستقبل ياعزيزي لو تعمقت في الأمر قليلا.
تحية لكاتبنا بولحية، وتحية لكل ذوي النيات الحسنة من البلدين الشقيقين.
فعلا، على المغاربة والتونسيين وكل أهل منطقتنا أن يكونوا على كلمة واحدة وفي خندق واحد لأنهم يواجهون عدوا مشتركا اسمه التخلف. وما عدا ذلك، فهو هراء وتهور وهدر للوقت والطاقات.
نعم، لقد عاد الرشد -أو كاد- لمن فقد رشده من أجل مباراة في كرة القدم؛ عاد الرشد لمن أقام مناحة وحائط مبكى من أجل سمعة البلد وسياحته مع أن الكاف تحدث عن الأمن داخل الملعب وأثناء المباراة ولم بتحدث عن الأمن في البلاد كلها؛ عاد الرشد لمن ظن أنه بالتعرض للدولة المغربية ورموزها وخاصة للصحراء أنه سيزعج المغرب أو يقلق راحته أو يحرمه من النوم ناسيا أن الجزائر ببترولها ودبلوماسيتها وجيشها ومناوراتها ودسائسها لم تستطع أن تحرك شعرة واحدة من رأس المغرب فما الذي تستطيعه- والحالة هذه- تونس الصغيرة. لقد عاد الرشد لمن فقد رشده لأن المغرب ترفع عن النزول إلى مستوى لا يليق به كدولة عريقة لها أعرافها الديبلوماسية وتقاليدها الراسخة في الحكم فلم يخض في الموضوع لا رئيس الحكومة ولا أي وزير في الحكومة على عكس الطرف الٱخر الذي خيل إلينا أن الوزير الأول هناك هو رئيس فريق لكرة القدم وليس مسؤولا حكوميا.
كقاريء للنص , سأعطي لنفسي حق بعض النقذ والمؤاخدة ( رأي خاص وليس حجرا أو تدخلا في رأي الأخ الكاتب ) لكن شعرت بعد قراءة مقالين عن هذا الموضوع من طرف الأخ الكاتب أنه غالبا ما يضخم شيئا ما من بعض السلبيات التي رافقت هذا الموضوع فتظهر وأنها أكبر بكثير من شأنها. لاأدري مالسبب ؟
أكررها وأعيدها , له الحق أن يكتب مايريد دفاعا عن حرية الرأي والرأي المعارض بدون شك, ذاك ما نحتاجه في أوطاننا.
لم تشكل هذه المبارة أي تأثير أو تراجع في عمق العلاقات بين الشعبين المغربي والتونسي. ..كما لم تشكل قضية الصحراء المغربية المختلقة من طرف الإستعمار وعسكر الجوار أي تأثير يذكر في الروابط التاريخية القائمة بين الشعبين المغربي والجزائري. .. وشخصيا لازلت على تواصل وثيق مع نخبة من الإخوة في تونس. ..ونتذكر أكلة اللبلابي. …والكسكي بالعلوش. ..الخ.ولكن الإشكال حصل عندما حاول بعض السياسيين الفاشلين هناك استغلال مباراة في كرة القدم لتحقيق مكاسب سياسية على طريقة داحس والغبراء. ..وقد ذكرت مجلة جون أفريك مؤخرا أن رئيس الحكومة التونسية هو من اقترح على رئيس الكاف تسليم الكأس للفريق التونسي تجنبا للانفلات الأمني. …ثم إعادة المباراة بعد ذلك…وهذا مايبين عجزا واضحا في تأمين اللقاء من طرف الحكومة التونسية. ..وشكرا استاذ نزار.
نعم ينبغي النأي عن مجانين الكرة للحفاظ على العلاقات الأخوية بين البلدين كما قال الكاتب.لكن تنبغي الإشارة إلى أن تصريحات المغاربة كانت من لدن مسؤولين رياضيين وبعض الإعلاميين فقط ولم يتجرأ ساسة البلد على التدخل في خلاف رياضي صرف على عكس الاخوة في تونس حيث انضم إلى مسيري الرياضة و الإعلاميين وحتى بعض الفنانين رجال السياسة بتصريحاتهم حول الخلاف وأحيانا بشكل شوفيني ومنهم الوزير الأول التونسي. وها هي الأخبار تتحدث عن مقتل مشجع لفريق الوداد المغربي من لدن مشجعين للترجي في تونس. ولذلك لا يجب أن يوضع الجميع في سلة واحدة. ومع ذلك ينبغي أن تبقى الرياضة للمتعة والفرحة والتنافس الرياضي الشريف بروح أولمبية مثالية دون أن يفسدها المجانين.
أصدقائي التونسيون المقيمون في الدارالبيضاء مؤدبون وطيبون أعرف بعضهم منذ 2004، لماذا على الجاهلين إعتبار أزمة كرة قدم مواجهة حتمية بين ملايين المغاربة وملايين التوانسة، الغضب والإدانة توجهان للفوضويين المجرمين وليس لملايين الأمهات والأطفال والشباب، التعميم جهل وتعصب لا معنى له.
نادي الترشي ليس هو تونس .. نادي الترشي اضر بسمعة تونس ..
نادي الترشي قد مقلب اكبر اندية افريقيا .. نادي الترشي هو مجرد نادي هاوي “مدلل” كما يوصف في تونس ..
نادي الترشي وصمة عار في جبن الرياضة التونسية .. و قد حان الأوان لتطهير الرياضة في تونس من اساليب أزلام بن علي.
لا يمكن لعاقل أن يعتبر مباراة كرة هي حرب بين شعبين شقيقين بأطفالهم وشيوخهم ورضيعهم وعقلائهم. الشجار والظلم والإعتداء في العالم كله يقوم به الرعاع ليس فقط في الشارع أو الحديقة أو السينما بل حتى في الملعب، لماذا يشتعل الخصام بأفواه تشفي غليلها بسب ملايين من الناس الرافضين لهذه الحالات. أنا مغربي وأدين من يتسبب في الأذى كيف ما كان دينه أو جنسيته، ولا أستطيع أن أتجاوز هذا الخط لكي لا أؤذي إنسانا بريئا لم يتسبب لي بأي أذى.
طبعا كل ووجهة نظره،وتصريحات الديبلوماسية المغربية لا تمثلني،مثلماهو الكلام الجميل عن الأخوة والمصير المشترك الذي تظهر الكثير من صفات النفاق والتقية عند لا يحترم المغاربة….فريق الوداد وجماهيره تمثل كل المغاربة والتعرض لهم بمختلف وسائل العنف الممنهجة في مقابلة كرة القدم تعكس نوعية الرؤى والنظر إليهم….جماهير الترجي التونسي طال الزمن أو قصر يجب أن تلقى نفس المعاملة….خصوصا وأن هناك أنباء عن مقتل أحد مشجعي الوداد في تونس لم يعلن عنه إلا يوم الإثنين…أنشر من فضلك.
يبدو أن مشجعا ودادي قد لقى حتفه فعلا في تونس .. الحكومة صامتة ..