بين جنازة ثاتشر المهيبة و’جنازة’ ماركيز

حجم الخط
0

قبل واحد وخمسين عاماً صدرت للكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل للآداب (غابرييل غارسيا ماركيز) قصة ‘جنازة الأم العظيمة ‘. قد لا يكون توقع الكاتب أن تشكل ‘جنازة تاتشر’ نسخة واقعية عن ‘جنازة’ ماركيز، بعد ‘ تشييعها’ في العام 1962 .
لقد أبدع الكاتب العظيم في توصيف الجزيئيات، كما التفاصيل في فضاء الموت الواسع الذي أحاط بنهاية ‘الملكة المطلقة لِـماكاندو’، والتي أجبرها عمرها الثاني والتسعين على ولوج درب الموت الإجباري، بإكليل الملكة غير المتوجة، رغم قناعتها أن هذا الموت لن يجرؤ على الإقتراب من أطراف إمبراطوريتها. رحلت ‘أم’ ماركيز بجنازة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، وسمعت كل البلاد بإعلان موتها، حيث توقف الزمن، وقرعت أجراس الكنائس بقوة لا مثيل لها، حتى أن كثيراً من الكائنات فقدت السمع، وأطلق الرصاص بحيث حجبت الشمس وفرق صوتها الطيور المحلية لعقود من الزمن، كما أن رائحة البارود كادت أن تخنق البشر؛ فإهتزت هامات الرجال ورجفت النساء وتشققت الأرض وأبرقت السماء، وصهلت الخيول وهي تجر العربة العسكرية، وبنفس الطريقة التي تمت بجنازة تاتشر، مع إختلاف عدد الدول المشاركة في الحدث؛ فحضر ممثلو 170 بلداً، في جنازة ثاتشر، بينما لم تكن في زمن ‘الأم العظيمة’ قد نمت وتسلقت سلم الأمم المتحدة، هذا الجيش الهائل من الدول. ووري جثمان ‘الأم’ وإنهمرت الدموع؛ فمسحت كل إرث لها، إلا من ممتلكات تناحر عليها ورثتها لقرون، ولم تنته. ووريت ثاتشر بدموع المؤيدين وديون المعارضين، وبقيت ‘التاتشرية’ كخط فاصل بين الحياة والموت، وسيتذكرها الجميع: أغنياء أحبوها وسذج لم يفهموها وفقراء أداروا ظهورهم عنها.
عبدالله أبو مازن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية