ما المشكلة في ان نكون عربا وان تكون الاولوية لعروبتنا بين ضفتي الخليج والمحيط، نحترم دياناتنا ومذاهبنا وطوائفنا وقبائلنا وانتماءاتنا؟ لماذا يتحارب العربي المسلم والمسيحي واليهودي والسني والشيعي والكاثوليكي والبروتستانتي والماروني والارثوذكسي، فقط لان الدين او المذهب او الشكل الادمي مختلف. ولماذا هذا التصارع الفكري بين العرب، فقط لان هذا محافظ وذاك ليبرالي او علماني او شيوعي او اشتراكي او حتى ملحد. اسف على جلد الذات الجمعية، لكن لماذا لا نتعلم من اعدائنا التاريخيين والراهنين؟
مثلا.. هولاند ـ فرنسا مكروه من نصف الفرنسيين تقريبا، الذين لم يصوتوا له وحتى من قرابة عشرين في المئة من الذين صوتوا له والنسبة في تزايد، نتيجة الضرائب التي فرضها على الدخول، غير اننا لم نَرَ الفرنسيين يتصرفون كالمصريين، لا شغلة ولا مشغلة كل يوم مظاهرات مليونية لان هولاند لم يستولِ على السلطة عنوة، وانما جاء عن طريق صناديق الاقتراع. وعلى الرغم من كل اخطائه في الحكم التي لم يعتذر عنها (على خلاف محمد مرسي ـ مصر الذي يعتذر باستمرارٍ عن اخطائه، مع انه مثل هولاند لم يستولِ على الحكم عنوة وانما جاء عن طريق صناديق الاقتراع ) بَيْدَ ان الفرنسيين حقيقة يحبون الخير لبلادهم، ويدركون جيدا انهم اذا ما فعلوا، لا قدر الله، مثل المصريين فسوف تفتقر بلادهم وتصبح في حاجة الى من يدعمها في منطقة اليورو، وهي التي تدعم دول منطقة اليورو المنهارة اقتصاديا وماليا، مع المانيا وسيتأخر الانتاج وتزداد شماتة الانكليز بهم. لسان حال الفرنسيين هو: ‘فلنعطِه فرصة الى ان تنتهي ولايته، وهي اربع سنوات، وبعدها سنقرر ان كان سيبقى او سنقول له (d’gag’) اخرج لا ردك الله’.
لم اسمع قطُّ فرنسيا او بريطانيا او امريكيا او.. او حتى صهيونيا يهوديا اسرائيليا، يحاسب رئيسه او رئيس وزرائه على اخطاء من سبقوه، او يطالبونه في ظرف سنة واحدة ان يطبق ما وعد به، كما نسمع المصريين ليلَ نهار. فهم يُحمِّلون محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا اخطاء وخطايا اثنتي عشرة الفَ سنة، اي منذ العهد الساكسوني مرورا بالعهد الفرعوني ومحمد علي والخديويات وعبد الناصـــر والسادات ومبارك، مع العلم ان مرسي الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيا، منذ اثنتي عشرة الف سنة. صحيح ان النسبة التي فاز بها محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة على الفريق احمد شفيق هي فوق النصف بقليل، وان الفرق بينهما ضئيل، غير ان هذه هي قواعد الديمقراطية وكثيرا ما يكون الفرق اكثر ضآلة بين مرشحين امريكيين او اوروبيين، ويرضخ الجميع لحكم صناديق الاقتراع. وهذه هي العلة
المصرية، انَّ الذين لم يصوتوا لمرسي يعارضون وجوده في الحكم ويؤلبون
الجماهيرعليه وعرابوهم في الداخل والخارج، يدفعون لهم الاموال ويحرضونهم على الفوضى لا لشيء ولكن لاسباب شخصية محض.
والله وتالله وبالله لو كان محمد مرسي ‘باتمان’ او ‘سوبرمان’ لَما استطاع ان يطبق اهداف الثورة ولا حتى اخونتها في فترة سنة واحدة. ما الفرق اذن؟
الفرق ان الامريكيين والاوروبييين والصهاينة، وان كنا نعتبرهم اعداءنا او داعمين لاعدائنا، بشكل مطلق الديمقراطية واحترام الشرعية التي تقررها صناديق الاقتراع متجذرة فيهم، فالديمقراطية حالة ذهنية.
ربما ان المصريين ليسوا مستعدين حاليا للديمقراطية، فهي ممارسة وســلوك حضاري وعلَّ اجيالا ستأتي بعــــد عقد او نصف عقد تكون اقدرعلى تفــــهم الديمقراطية واستيعاب مفاهيمها.
اعرف عن قرب كثيرا من الانكليز والفرنسيين والامريكيين، والكثير منهم وليس فقط عدد قليل، لا يضمرون ودا لرؤسائهم غير انهم يقولون لك : ‘الرجل تم انتخابه وعندنا برلمان يمثلنا وهو من يقرر عنا’. أليس ذلك البديل الافضل من الانزلاق الى الشارع والزعيق والجعجعة التي لا يعقبها طِحنٌ لسبب او من غير سبب.
‘ استاذ جامعي وكاتب قطري