بيروت- “القدس العربي”: يعيش لبنان في وضع متفجّر يختلط فيه المعيشي بالقضائي والسياسي بعدما بلغ سعر الدولار عتبة 56 ألف ليرة ما أعاد مشهد الإذلال على محطات البنزين، التي امتنع بعضها عن فتح أبوابه في انتظار رفع أسعار صفيحة البنزين والمازوت، التي تجاوزت المليون ليرة، ما أشعل احتجاجات على الطرقات. وفيما الملف الرئاسي معلّق على خشبة التوافق المفروض من الثنائي الشيعي، فإن الشرخ القضائي يتدحرج ككرة ثلج توحي بانقسام غير مسبوق في هذا الجسم حتى في عز أيام الحرب الأهلية، ما ينذر بدخول البلاد في فوضى وانقسام خطيرين نتيجة القرارات القضائية التي تؤشر إلى أن لبنان يعيش في “عصفورية”.
وعلى وقع اتهامات “تنفيذ أجندة سياسية” ضد المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، الذي عاد لمزاولة عمله واتخذ سلسلة قرارات بالادعاء على ثمانية من كبار القادة الأمنيين والقضائيين، وبينهم المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بدا أن الأخير، الذي عاد بدوره عن تنحّيه عن الملف بسبب مصاهرته لأحد المدعى عليهم الوزير غازي زعيتر، أخذ على عاتقه مهمة “قبع” المحقق العدلي، التي طالب بها مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، فأقدم على الادعاء على البيطار بصفته “منتحل صفة” ومنعه من السفر.
وكان عويدات قد عمّم على الأجهزة الأمنية والضابطة العدلية عدم تنفيذ قرارات المحقق العدلي باستدعاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ومدير عام جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب، والقضاة جاد معلوف وغسان خوري وكارلا شواح، ومدير مخابرات الجيش السابق كميل ضاهر وغيره من الضباط.
ورفض البيطار استقبال رئيس قسم المباحث المركزية ومساعده في منزله، واللذين أرسلهما إليه عويدات لتبليغه دعوة للاستماع إليه غداً بجرم اغتصاب السلطة، لكن البيطار أبلغ الضابط العدلي، الذي قال له “الريّس بدو يشوفك”: “أنا اللي بدي شوفو وأنا اللي مدّعي عليه وتحدد له جلسة استماع بعد أيام”، فغادر الضابط وتمّ تنظيم محضر بهذا الشأن، والادعاء عليه.
وأعلن البيطار “لن أترك ملف المرفأ وما قام به مدعي عام التمييز مخالف للقانون كونه متنح عن الملف ومدّعى عليه من قبلي ولا يحق له اتخاذ قرارات بإخلاء سبيل موقوفين في ملف قيد النظر لدى قاضي التحقيق”، معتبراً أن “أي تجاوب من قبل القوى الأمنية مع قرار عويدات بإخلاء سبيل الموقوفين سيكون بمثابة انقلاب على القانون”.
واستند عويدات إلى دراسة البيطار التي اعتبر فيها الأخير أنه مولج بصلاحيات توازي صلاحيات النائب العام التمييزي، ليقرّر إطلاق سراح جميع الموقوفين في ملف المرفأ من دون استثناء بمن فيهم مدير الجمارك بدري ضاهر ومنعهم من السفر. وجاء في القرار “بما أن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار المكفوفة يده في قضية انفجار مرفأ بيروت، اعتبر نفسه مولجاً بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات، فيكون بذلك قد استقى صلاحياته وسلطته من الهيئات القضائية جمعاء. وبما أن هذا الأمر ينسحب أيضاً على النيابة العامة التمييزية فيسري على الأصل أيضاً. وبما أن كف اليد يبقي الملف بدون قاض للنظر في طلبات إخلاء الموقوفين فيه منذ أكثر من سنة. وبما أنه بالاستناد إلى المادة 9 فقرتها 1و3 من العهد الدولي الخاص التي أقرّت في 16/1/1966 ودخلت حيّز التنفيذ في 23/3/1976 والتي صادق عليها لبنان في 3/11/1972، لذلك تقرر إطلاق سراح الموقوفين كافة في قضية انفجار مرفأ بيروت دون استثناء ومنعهم من السفر وجعلهم بتصرف المجلس العدلي في حال انعقاده وإبلاغ من يلزم”.
وكان عويدات لفت إلى أنه لم يُبلّغ بالقرار الذي استأنف القاضي بيطار على أساسه النظر في ملف المرفأ، موضحاً انه سمع به عبر وسائل الإعلام “ما يعني أن قراره غير موجود بالنسبة الي”. واضاف “إن اعتبر البيطار الرد غير موجود فأنا “كمان أكون مش متنحي”.
وتأتي هذه التطورات عشية انعقاد اجتماع لمجلس القضاء الأعلى ظهر الخميس للبحث في هذه القضية في ظل انقسام واضح بين القضاة و استفراد رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود الذي كان يقف إلى جانبه القاضي الدرزي عفيف الحكيم في مقابل 4 أعضاء سنة وشيعة ومسيحيين.
وفي تعليق أولّي على ما تقدّم، أعلنت النائبة بولا يعقوبيان “أن خطوات القاضي عويدات تعني انقلاباً كاملاً على القانون يُنفّذ من قبل الدويلة وحزب الله ويتم استخدام عويدات لقبع المحقق العدلي”.
بدوره، أكد عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك أن “الزلزال الأكبر بعد انفجار 4 آب/أغسطس حصل اليوم بتفجير العدالة نفسها بالدولة والوطن بضحايا مجزرة المرفأ الأحياء منهم والأموات”. ورأى “أن إخراج الموقوفين ليس إحراجاً للقاضي البيطار بل إخراج للدولة من منظومة العدالة إلى استبداد الفوضى والتسلّط الأقوى”، وختم “لا تضعوا القوى الأمنية بين شاقوفين، اللهم احم لبنان”.
أما أهالي الضحايا فبدت عليهم الصدمة من قرارات عويدات، وتوعّد الناشط وليم نون بالتحرك في الشارع.
View this post on Instagram
و الله ما دامت الطائفية هي أساس الحكم و الحياة
لن يهنأ لبنان و لن تقوم له قائمة الا اذا تخلوا عن هذا
البلاء شعبا و حكاما الذي أودى بلبنان إلى الهاوية.