بين غزة والقاهرة

حجم الخط
0

في يوم ما سينظر الاسرائيليون في الاسابيع الثمانية التي مرت عليهم بين 12 حزيران، ليلة اختطاف الفتيان الثلاثة و4 آب ليلة وقف اطلاق النار ويسألون: ماذا حدث لنا، وكيف تحولنا من الاكتئاب الى النشوة ومن النشوة الى الاكتئاب، وكيف زُعزعت حكومتنا. وستقلقهم الصور القاسية؛ وتحرجهم الصور البطولية وتتسلل حمرة خجل خفيفة الى خدودهم، وبعد ذلك يغفرون لأنفسهم: فهم يعرفون أن يغفروا لأنفسهم.
هذا الاسبوع هو اسبوع النشوة. فالجميع يريدون الاصلاح: المواطنون الذين علقوا شهرين في بيوتهم، والوزراء الذين أجروا مباحثات لا نهاية لها في المجلس الوزاري المصغر ليتبين لهم فقط أن تأثيرهم فيما يحدث على الارض صفر، والجيش الذي تم إذلاله في الصراع على الميزانية، واليسار الذي انطوى على نفسه، واليمين الذي أراد أن يرى أعلاما بيضاء على أسطح غزة واضطر الى أن يكتفي ببيوت مدمرة.
قال يغئال ألون ذات مرة – ولست أذكر كلماته الدقيقة – إن اسرائيل تنتصر في الحروب وتخسر في التسويات التي تُقرر بعدها. وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين فلم تعد الحروب حروبا، ولم تعد الانتصارات انتصارات؛ لكن التسويات في اليوم التالي هي التسويات نفسها.
وصل وفد مشترك من كبار قادة السلطة الفلسطينية وكبار قادة حماس هذا الاسبوع الى القاهرة، نصفه من رام الله ونصفه من قطر. وقدم الوفد مطالبه الى جنرالات الاستخبارات المصرية. وكانت قائمة المطالب واحدة لكن قامت من ورائها مصالح مختلفة: فحماس محتاجة الى انجاز يسوغ الثمن الذي دفعه المواطنون في غزة؛ وأرادت السلطة أن تثبت مكانتها بصفتها الممثلة الوحيدة للمصلحة الفلسطينية؛ وأراد المصريون أن يبرهنوا لعدوهم الحقيقي – الاخوان المسلمين وفرعهم الغزي – من هو رب البيت. وراقب اربعة اسرائيليين كبار – رئيس شعبة التخطيط نمرود شيفر، ومنسق العمليات في المناطق بولي مردخاي، ورئيس «الشباك» يورام كوهين ورئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد – راقبوا المحادثات متنحين جانبا. وتنقل بين المعسكرات مثل فراشة تطير من زهرة الى زهرة، مبعوث الامم المتحدة روبرت سيري.
لم يكن الغزيون هناك – لا قرب الطاولة ولا في القلوب. فالمصريون يرفضون الحديث الى رجال حماس. وهم يتحدثون فقط مع عزام الاحمد، رئيس الوفد، وهو من رجال فتح من الجيل الثاني. ويتحدث الاسرائيليون الى المصريين والى رجال السلطة لكنهم ممنوعون من الحديث الى ممثلي حماس. وقد تمت أمس مباحثات محمومة في جهاز الامن في محاولة لاعطاء المتباحثين في القاهرة اسبابا تقنع حماس بألا تجدد اطلاق النار اليوم في الساعة الثامنة صباحا، ويدركون في اسرائيل ايضا أن حماس يجب أن تحرز انجازا على هيئة رفع محدود للحصار عن غزة. وقد كسبت حماس ذلك بفضل دماء الغزيين وبيوتهم.
على حسب الارقام الاخيرة من غزة التي نشرتها وكالة اوروبية لحقوق الانسان، يوجد بين 1875 قتيلا فلسطينيا 426 ولدا و255 امرأة. ولا يعني ذلك أن كل الآخرين من رجال حماس، فهم يمكن أن يكونوا عاملين في الامم المتحدة وصحفيين وفلاحين ومارة أبرياء ايضا. وبين 9563 جريحا يوجد 2877 ولدا و1927 امرأة. وإن عشرات آلاف البيوت في قطاع غزة تحتاج بحسب التقدير الى أن تبنى مجددا.

يوجد إجماع

قبل اسبوعين اقترحت تسيبي لفني على نتنياهو أن يبدأ فورا بعد احراز الهدنة اجراءا دوليا مبادرا اليه، وأن يعتمد الاجراء على اربع أرجل يوجد عليها كلها الآن إجماع عالمي: الاولى المعارضة العامة لحماس حتى في دول المنطقة؛ والثانية نزع سلاح القطاع؛ والثالثة اعادة السلطة الفلسطينية لتحكم غزة؛ والرابعة تجديد التفاوض بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وقالت لفني إن مصر الفريق السيسي يفرحها الانضمام الى هذا الاجراء، فهو يلائم برنامج عملها. وتفرح بذلك ايضا المنظمات الدولية. وقد اصبحت الامم المتحدة صاغت خطة للرقابة على دخول مواد البناء الى غزة في المستقبل: فالسلطة الفلسطينية يفترض أن تراقب، ويراقب جهاز من الامم المتحدة المراقبين. وقد لا يكون نزع سلاح حماس عمليا الآن لكن المأمول في المستقبل متفق عليه وهو أن توجد سلطة واحدة وقانون واحد وبلا سلاح. ومن المتفق عليه ايضا أن تدخل قوات السلطة الى القطاع على طول الحدود مع مصر أولا والى المنطقة كلها بالتدريج.
إن احدى المزايا التي تنطوي عليها الخطة تتعلق بالوضع السياسي والقانوني الصعب الذي دُفعت اليه اسرائيل على إثر العملية. فقد اثبتت تجربة الماضي أن العملية السياسية تذيب النقد وتصد اجراءات في محاكم في العالم. وهي تغطي الدولة ومندوبيها بغطاء حصانة دقيق.
واقترحت لفني أن تطرح اسرائيل خطتها في مجلس الامن وفي مباحثات الرباعية. ولم يقل نتنياهو لا نعم ولا لا، بل نقل الخطة الى محاميه اسحق مولخو ولم يُعرف لها أثر منذ ذلك الحين.
يدرك نتنياهو مزايا الخطة، وهو يدرك ايضا عيوبها، فهي ستكلفه ثمنا سياسيا داخليا لأن اليمين في حزبه الذي لم يكد يسلم بنتائج العملية المحدودة سينقض عليه اذا بدأ يراود أبو مازن.
ما تراه لفني فرصة يراه آخرون مشكلة. وقد تركت العملية كل اللاعبين مُجرحين: فنتنياهو مدين بتفسيرات لاولئك الذين صدقوا خطبه منذ فترة المعارضة التي وعدت بأن يفني كل ذكر لحماس؛ وقوي أبو مازن في العالم وربما في نظر الاسرائيليين ايضا لكنه يعتبر خائنا في الضفة وغزة. وضاءلت العملية فقط مجال مهادنتهما.
إن وزير الخارجية الامريكي جون كيري يفرحه أن تُجدد مبادرته على إثر العملية. وقد زادته الاهانات التي نالها من اسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر حافزا فقط.
لكنه لا يوجد الآن من يُتحدث عليه وما يُتحدث فيه. وحينما جددت الاتصالات لوقف اطلاق النار في نهاية الاسبوع الماضي، فرض صحفيون في واشنطن أن كيري فعل ذلك مرة اخرى لكنهم اخطأوا لأن كيري تخلى عن ذلك، فقد أدرك أن نشاطه الزائد لا يساعد على الدفع بالهدنة قدما، بل يُحدث بالعكس توقعات تطيل أمد القتال. ويكون أكثر شيء ايجابيا يستطيع أن يفعله وزير خارجية امريكي احيانا هو ألا يفعل شيئا.
إعتاد توماس فريدمان، صاحب العمود الصحفي في صحيفة «نيويورك تايمز» أن يقول إنه يوجد في الشرق الاوسط اليوم التالي واليوم الذي يلي اليوم التالي، واليوم التالي تغطيه سحابة من الغبار: ما يحدث تحتها لا يقدم ولا يؤخر. وهي تحدد صورة اليوم التالي. وحرب لبنان الثانية في 2006 مثال جيد على ذلك، فحينما انتهت اعتبرت اخفاقا اسرائيليا فظيعا لا يُغتفر. وهي تُرى اليوم بعد ثماني سنوات هدوءا نموذجيا يحتذى به.
على حسب هذا التحليل سيُحسم سؤال ما الذي أورثته العملية وماذا أُحرز وماذا ضُيع بعد أشهر أو بعد سنوات فقط. وهذا ما يعتقده أيضا وزراء في حكومة اسرائيل وجنرالات في الجيش الاسرائيلي. إن متحدث الجيش الاسرائيلي العميد موتي ألموز هو ابن عائلة فلاحين في القرية الزراعية المجدل. وهو يقوم على زراعة الزيتون. وقد عرض المثال التالي على جنرال صعب عليه أن يُبين انجازات العملية فقال له: تأتي الى المعصرة ببرميلي زيتون سوري. فتفرغهما في الداخل فترى مهروسا مُرا غير صالح للاكل، وجفتا وماءا. ويمر شهران تُفصل فيهما المواد بعضها عن بعض فتحصل على زيت زيتون صافٍ.
إن الغريزة الاساسية بعد شهرين مرهقين كهذين هي الخروج لاستراحة. وليس للقيادة الوطنية هذا الامتياز، فاذا لم تفعل الحكومة شيئا فسيبدو اليوم الذي يلي اليوم التالي كاليوم الذي كان قبله بالضبط: مهددا ومقلقا وقاتلا.

مجلس البوريكس الوزاري المصغر

كان من الصحيح الى أول أمس أن جنود حماس وقادتهم ورؤساء الذراع السياسية للمنظمة لم يخرجوا من الملاجيء تحت الارض التي بنوها لأنفسهم في غزة، فهم لم يشعروا بالأمن. ويعيش بعضهم مثل محمد ضيف مثلا على هذا النحو سنين في العمل السري. وقد ظلوا أحياءا لكن بيوتهم دمرها القصف. ويسمي الجيش الاسرائيلي بيوت قادة حماس – شقق قيادة، وهذا اسم مؤثر لكن الحديث آخر الامر عن بيوت يسكنها عدد من العائلات مشاركة وغير مشاركة في الحرب.
إن بيوت القادة هي جزء من الـ 5379 المنشأة الامنية التي قصفت في اثناء العملية. وبينها مخارط ومخازن اسلحة ومناطق اطلاق صواريخ وقواعد عسكرية ومقرات قيادة ومكاتب. وبحسب المصطلح الاستخباري يوجد هنا عدد ضخم من الاهداف، وهو عدد مكّن الجيش الاسرائيلي من الاستمرار على ادارة القتال دون أن يشذ عن الاهداف التي حددت له. وتدل صور جوية على دمار تام مقداره مخيف لكنه انتقائي مع ذلك. فقد زودت الاستخبارات القوات بعناوين دقيقة.
رأيت القليل من منتوجات الاستخبارات حينما انضممت الى قوات المظليين في خانيونس. وقد تمتعت القوات بمقادير من المعلومات لو كانت عند سلاح من جيل آخر أو من قرن آخر لما استطاع أن يتصورها. وعرفت ما الذي يفترض أن يكون في كل بيت مريب بأدق التفاصيل. وعرفت عن كل بئر عمل وكل نفق. ونشك في أن تكون قوة عسكرية ما حتى القوات الامريكية في العراق وافغانستان قد خرجت في عملية مزودة بمعلومات واسعة بهذا القدر عن ميدان القتال – ودقيقة جدا (حينما كان رئيس «أمان» أفيف كوخافي قائد لواء المظليين احتل قصبة نابلس مجددا وأراد جنرال امريكي زار البلاد أن يعلم كيف فعل ذلك ففصل كوخافي سير المعركة وصمت الجنرال، وسأله كوخافي لو كنتم أنتم فماذا كنتم تفعلون، فأجاب الجنرال كنا قبل شيء سنسوي المنطقة كلها بالارض).
إلتقى أول أمس قادة الالوية الذين قاتلوا في غزة، مع رئيس هيئة الاركان. وكان الثناء الذي أغدقوه على الاستخبارات مبالغا فيه. فقد تحدثوا عن «حفل» استخبارات وعن «إغراق بالمعلومات».
إنحصر الاختلاف في الاستخبارات في صعيد آخر، في عمله مُقدرا وطنيا. ويسأل وزراء واعضاء في المجلس الوزاري المصغر: لماذا لم توقفونا على خطر تهديد الانفاق. ولماذا كنتم تقدرون كل يوم أن حماس تريد الهدنة في حين استمرت حماس على اطلاق الصواريخ في واقع الامر.
إن جواب الدعوى الاولى بسيط وهو أن تهديد الانفاق عرض على الوزراء مرة بعد اخرى خطيا وشفهيا، وعرض على الجمهور ايضا بمحاضرات ألقيت في معهد بحوث أمنية في تل ابيب وفي مؤتمر هرتسليا.
إن وزراء المجلس الوزاري المصغر يشبهون اعضاء مجلس مديرين: فهم يجلسون في جلسات تستمر ساعات، ويشاهدون ألواح عرض، ويتبادلون بينهم رسائل نصية ولا يتذكرون أي شيء. وقد سمعوا بالتهديد الايراني وبتهديد القذائف الصاروخية من لبنان، وبتهديد منظمات ارهاب متطرفة مثل داعش وجبهة النصرة وغيرهما، وأنهوا ذلك بتناول البوريكس. ولو طُلب اليهم أن يقلصوا من ميزانياتهم من اجل الانفاق فلربما استيقظوا، لكن لا أحد طلب منهم ذلك.
يأتي الفهم فقط حينما تثبت واقعة تقع على الارض للوزراء عظم التهديد. أما في حالة داعش فكان احتلال مدينة الموصل؛ وأما في حالة الانفاق فكان خروج 13 مخربا من حماس من نفق قرب كيبوتس صوفا. ويصرخ الوزراء: لماذا لم تقولوا لنا ولماذا أخفيتم ذلك علينا. وهم يمضون مع ذلك الصراخ الى الصحافة. اذا كانت توجد دعوى، ولست على يقين من وجودها، فالعنوان الصحيح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع لأنهما علما. وقد انشأ نتنياهو لذلك الشأن ما يسمى «فريق عميدرور»، وأجرى نقاشات واهتم. ونتج القليل جدا عن ذلك. وكان عند الجيش الاسرائيلي قبيل العملية معلومة استخبارية عن نية الهجوم من الانفاق جنوب القطاع. وأدخل اللواء الجنوبي من فرقة غزة سرية الى كل كيبوتس، وعزز الاستخبارات، وغير قواعد السلوك في المحور الحدودي ووضع وحدات دبابات في منطقة العمليات. وبفضل يقظة الاستخبارات لم تقع كارثة لا في كيرم شالوم ولا في صوفا. لكن المشكلة كلها لم تُعالج الى أن كان الدخول البري.
والدعوى الثانية على التقديرات الاستخبارية اكثر تعقيدا. اجتمعت عند «أمان» في اثناء العملية مواد يوثق بها أشارت الى ازمة في حماس غزة وفي حماس قطر ايضا. فقد تمنى قادة كبار من المنظمة الهدنة. وقدر اشخاص آخرون في الجيش الاسرائيلي غير ذلك وهو أن حماس مستعدة لهدنة اذا قُبلت شروطها فقط.
وقدروا في «أمان» أن ما يجعل حماس تستمر على اطلاق الصواريخ هو عدم وجود جهاز مناسب لصوغ الهدنة. فمصر السيسي عرضت عليهم شروطا قاسية مُذلة فرفضوا (تعتقد الادارة المصرية في حماس ما تعتقده اسرائيل أو اسوأ من ذلك. والمفارقة الساخرة هي أن حكومة اسرائيل التي ارادت هدنة احتاجت في ذلك الوقت الى مصري مثل مرسي مؤيد لحماس لا لمصري يكره حماس مثل السيسي.)
وقدّر آخرون أن الجهاز نصف المشكلة فقط، فحماس لها مطالب وستستمر على اطلاق الصواريخ الى أن تستجاب.
وقدّرت «أمان» أن محمد ضيف، الرجل البارز في الذراع العسكرية هو في آخر المطاف جندي يطيع الذراع السياسية. فاذا أُمر بوقف اطلاق النار فسيوقف اطلاق النار. ولم يمر هذا التقدير ايضا دون اختلاف. ففي نهاية المطاف أوفى ضيف بما وعد به في خطبته المسجلة، فقد أوقفت حماس اطلاق الصواريخ حينما غادر آخر جندي اسرائيل أرض غزة.

أصبنا أكثر مما ينبغي

دفعت اسرائيل أثمانا عن العملية أولها الثمن من المقاتلين والمدنيين؛ والثاني من المال: فقد كلفت العملية الجيش الاسرائيلي بضعة مليارات وكلفت الجهاز الاقتصادي أكثر من ذلك؛ والثالث التوتر الداخلي، فقد جعلت الاحداث اليهود والعرب يواجه بعضهم بعضا، وفتحت جرحا لن يكون شفاؤه سريعا؛ والرابع من قوى النفس: فقد استنفد المجتمع الاسرائيلي في هذين الشهرين الكثير من الخوف والكثير من الحب للجيش الاسرائيلي والدولة والناس والاماكن التي كانت في مواجهة اطلاق النار.وكان هناك ثمن متوقع من مكانة اسرائيل في اوروبا. فقد فعلت الصور الفظيعة من غزة فعلها وشعر اليهود في بعض الدول بكراهية الشارع على جلودهم، لكن الشيء الذي يجب أن يخيف بقدر لا يقل عن ذلك هو الجمود الذي نشأ في النظرة الى اسرائيل. فقد قال وزير في دولة كبيرة: «انتهى أمركم في اوروبا وليس لكم أمل في أن تعيدوا بناء صورتكم».
يمكن أن نتناول ذلك بابتسامة. حسن، قال أحد الضباط بابتسامة مُرة. لن أسافر بعد الآن الى بلجيكا، وحينما كفت شركات الطيران الاجنبية عن الطيران الى مطار بن غوريون قال أحد الوزراء لرفاقه: «هل أنتم قلقون؟ مهما يكن فاننا لن نستطيع بعد هذه العملية أن نسافر الى خارج البلاد».
والحقيقة أن ذلك ليس مضحكا جدا. صحيح أن اوروبا مصابة بالنفاق؛ وصحيح أنه يوجد في النفاق هناك أسس معادية للسامية؛ لكن الرخص التي أعطاها الجيش الاسرائيلي لنفسه بعد الازمة التي دُفعت اليها قوة جولاني في الشجاعية بولغ فيها كثيرا، وبرغم أننا لم نرد أن نصيب المدنيين أصبنا الكثير جدا. ويجب أن يضايقنا ذلك بصفتنا بشرا وهو يضر بنا بصفتنا اسرائيليين.
والمواجهة مع الادارة الامريكية ايضا أمر جدي: فقد كف الامريكيون عن اخفائها، وحدث التحول بسبب أمر غامض جدا اساسه الضوء الاخضر الذي أعطاه نتنياهو لكيري كي يدفع قدما بهدنة بمساعدة قطر، وقد فكر نتنياهو في هدنة لكنه لم يفكر في الضرر المصاحب. ووضع وزير خارجية امريكي بين منظمة ارهابية وحليفة وبحث عن مصالحة بينهما. وبدل أن يضطر قطر أن تفرض ارادتها على خالد مشعل مكّن قطر من أن تفرض ارادة مشعل عليها.
لكن ردود الوزراء التي تسربت في اسرائيل كانت مهينة وشعر اوباما بالاهانة باسم كيري، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر اوباما بعد سلسلة اخطاء اخرى من قبل نتنياهو بعد أن دافع اوباما وادارته عن اسرائيل في الساحة الدولية بلا شك.
وبعد ذلك جاءت مهاتفة نتنياهو سفير الولايات المتحدة دان شبيرو، وقال نتنياهو فيها موبخا: «ينبغي ألا تشكوا مرة اخرى بسياسة اسرائيل نحو حماس». ورد عليه شبيرو بأدب.
كان ذلك في اليوم الذي هوجم فيه الفريق من جفعاتي في رفح. وظن نتنياهو في ذلك الوقت أن هدار غولدن اختطف وهو موجود عند حماس فخانته اعصابه وبحث عن شيء يصب غضبه عليه فوجد سفير الولايات المتحدة خاصة.
ولم يتأخر مجيء الرد، فقد جاء اعلان تنديد شديد جدا على إثر اصابة مدرسة لوكالة الغوث في رفح، وهو اعلان صيغ الى أسفل متجها الى أعلى. وأسهمت وزارة الدفاع الامريكية بوخزة من قبلها. وتابعت امريكا دعم اسرائيل لكنها فعلت ذلك وهي تحرق الأنياب. وأصبحت اسرائيل تُرى في واشنطن مثل ولد مدلل: ولد له أعداء حقيقيون لكن التدليل والغرور أضرا بتفكيره. وقد حان الوقت لتأديب الولد. إن الغضب على نتنياهو لكن الثمن ستدفعه اسرائيل.

ناحوم برنياع
يديعوت 8/8/2014

صحف عبرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية