بين نووي الشاه ويورانيوم الخميني: نظرة أمريكا الحولاء

حجم الخط
11

لا يليق بأصحاب المنطق السليم، عند مقاربة الاستعصاء الراهن بين طهران ومجموعة 5+1 حول إحياء اتفاقية 2015 الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، أن يغضوا الطرف عن سلسلة حقائق ناظمة لا تخصّ حاضر الاتفاق فقط، بل لعلها تستعيد بقوّة بعض المعطيات التي اكتنفت ماضيه أيضاً. وقد تكون الولايات المتحدة هي القاسم المشترك بين الحاضر والماضي، ليس لأنّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انقلب على الاتفاق فحسب، بل كذلك لأن بدايات البرنامج النووي الإيراني إنما ترتدّ إلى الولايات المتحدة أيضاً؛ قبل أزمنة طويلة من استقرار السلطة في إيران بأيدي أمثال المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني، فضلاً عن عشرات العلماء والخبراء الإيرانيين العاملين في البرنامج، أمثال محسن فخري زاده الذي اغتاله الإرهاب الإسرائيلي مؤخراً.
ففي أيام الشاه رضا بهلوي انقلب البرنامج النووي الإيراني إلى بند حاضر في ألعاب التناحر بين واشنطن وموسكو خلال عقود الحرب الباردة، وكانت الولايات المتحدة سباقة إلى تزويد طهران بمفاعل نووي طاقته 5 ميغاواط، كما زودته بالوقود اللازم (اليورانيوم المخصب، إياه!)، وتولت إقامة منشآت لتخصيبه في إيران. وكان هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأشهر خلال أطوار الحرب الباردة على الأقل، هو الذي وقّع ما عُرف باسم «مذكرة القرار الأمني 292»، التي أرست دعائم التعاون النووي الأمريكي ـ الإيراني، كما وقّع الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد أمراً إدارياً يتيح لإيران شراء وتشغيل منشأة لفصل البلوتونيوم (المرحلة الأعلى على صعيد تصنيع القنبلة النووية!).
في عبارة أخرى، البرامج النووية، «سلمية صناعية» كانت أم «حربية عسكرية»، هي رهن السياسات في المقام الأوّل؛ وبالتالي فإنّ إيران الشاه مسموح لها أن تكون نووية، وإيران الخميني ممنوع عليها ذلك؛ تماماً كما أنّ أحداً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يستطيع تفتيش المنشآت النووية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المدير الأسبق المصري محمد البرادعي، الذي اكتفى بالتحليق فوقها على متن حوّامة. وهذه حقيقة صلبة ثانية، حتى إذا كانت محض نتيجة بديهية لا طائل وراء السجال حولها، أو حتى وضعها على قدم المساواة أو المقارنة مع برامج أخرى نووية في آسيا أو أفريقيا.
حقيقة ثالثة، لا تفلح في التخفيف من وطأتها المساعي الإيرانية اللاحقة التي عملت على زيادة التخصيب من باب الردّ على انسحاب ترامب من الاتفاقية، هي أنّ الاتفاقية تُلزم إيران بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم من 5% إلى 3.67%؛ وحظر بناء منشآت جديدة للتخصيب، وإيقاف إنتاج مواد انشطارية في منشأة فوردو طيلة 15 سنة، وتخفيض مخزون اليورانيوم الضعيف من 10.000 كغ ساعة التفاوض على الاتفاقية إلى 300 كغ فقط؛ والإبقاء على 5060 جهاز طرد من طراز أدنى، ووضع جميع أجهزة الطرد الأخرى تحت تصرّف الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وتكليف هذه الوكالة بمراقبة جميع المواقع النووية الإيرانية، وتعزيز صلاحياتها؛ والسماح لمفتشي الوكالة بالدخول إلى مواقع عسكرية غير نووية…
حقيقة رابعة هي أنّ الاتفاقية انقلبت إلى ميدان جديد، ولكنه بالغ الحساسية وخطير التفاعل، يُذكي الصراعات دائمة الاحتدام بين «المتشددين» و»المعتدلين» في الداخل الإيراني من جهة أولى؛ ولكنه، من جهة ثانية، يُشعل الشارع الشعبي على نطاق واسع بالنظر إلى جدوى الاتفاق، مقابل انعدام جدواه، بصدد الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، وتخفيف أثقال الضائقة المعيشية التي يعاني منها المواطنون، والإفراج عن عشرات المليارات من الأصول والعوائد الإيرانية المحتجزة في الخارج…
وإذْ يصحّ أنّ الرئيس الأمريكي الجديد يختلف عن سَلَفه في قراءة الملف، عند هذه أو تلك من جزئياته، فالأصحّ في المقابل أنّ جوهر النهج الأمريكي تجاه امتلاك الشعوب للطاقة النووية يظلّ متماثلاً، ناقصاً ومنتقِصاً؛ بالنظرة الحولاء ذاتها بين نووي الشاه ويورانيوم الخميني!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زهير:

    الانحياز نجده في أبسط العلاقات اليومية حتى ضمن العائلة الواحدة يوميا ..
    في عام ٢٠٠٦ رفض أحد الاصدقاء الاوربيين زيارة المشرق العربي بسبب ارتفاع حدة نبرة التصريحات والزيارات المكوكية حول البرنامج النووي ماغيره … بعد ١٤ سنة تجد أن نفس المسافة مازالت تفصل ايران عن التخصيب المركز وكأن الزمن توقف بينما مازالت القصة كما هي .. في الداخل الايراني البرنامج شماعة للتغطية على الفساد وهدر مثات المليارات ونذكر اعدام رجل اعمال بسبب اختلاس ٩ مليار دولار وما كان ليحدث بدون غطاء من خفافيش السلطة بينما اميركا نهبت عشرات المليارات من دول الخليج ثمن اسلحة انتهت في ايدي مليشيا في اليمن وليبيا … افقصي بيضة ..عجيب !

  2. يقول Yousif:

    اني أود أن أقول بأن الشاه نعم كان الشخص المدلل في الشرق الأوسط ولكن الامريكان كانوا حذرين منه المثال على ذلك عندما أراد الشاه أنتاج طائره أمريكيه من طراز أف الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت كارتر قال الي الشاه اني عطيك اي عدد من هذه الطائرات ولكن لا أسمح لك بتجميع وإنتاج هذه الطائره كارتر كان على اصواب لان المجنون الخميني جاء الي السلطه في وقت قليل بعد ذلك

  3. يقول ماغون:

    ماذا عساها تفعل إيران بالنووي وهي في حد ذاتها نووي على المنطقة التي أتت على الشجر والحجر والنسل….
    إلى حد الآن إيران معفية من الغزو الأمريكي لأراضيها بل أكثر من ذلك مكنت أمريكا إيران من لبنان العراق وسوريا واليمن …
    إيران لم تتخذ من العرب أعداء اللحظة فإيران تعتبر العرب أعداءا لها منذ الأزل وازداد عداؤها لما أسقط العرب إمبراطورية الفرس ولتتمكن إيران من استمرار العداء ركزت على الطائفية وهي من ابتدعت التشيع وحافظت عليه وأسست له معاقل للتعلم الأكاديمي عبر جامعات في إيران وحيث حلت.
    ملهاة أو علكة النووي الإيراني لغاية في نفس من أهدافه ليس ضرب إيران إنما للفت النظر عن إسرائيل المحمية بإيران بعد أن خربت الهلال الخصيب ثم وقفت على تله.

  4. يقول بلحرمة محمدالمغرب:

    السياسات الامريكية واضحة وضوح الشمس فهي تدعمك حتى وان كان دلك في اطار حدود معينة ان كنت تابعا او مطيعا او خادما لمشاريعها او حاميا لمصالحها في الوقت تعارض معارضة شديدة وتهدد كل طرف اختار لنفسه الاستقلال وامتلاك قراره السياسي بعيدا عن السرب الامريكي فالدول المعارضة للسياسات الامريكية تتهم بمختلف الاتهامات ولكن ادا حدث تغيير فجائي فيها كانقلاب على سبيل المثال يغازل امريكا فكل تلك الاتهامات تدهب ادراج الرياح ويصبح الطرف المغضوب عنه مرحبا به وها هو السودان مثال من الامثلة الكثيرة في السجل الامريكي الاسود.

  5. يقول آصال أبسال:

    حقيقة، ما يُسمى بـ«مجلس الأمن للأمم المتحدة» UNSC، إنما هو مجلس مُهَيْمَنٌ عليه كليا من طرف أمريكا، وليس ثمة دولة غربية عضو فيه تريد أن يكون لأية دولة شرق-أوسطية أخرى ترسانة نووية /حتى لو كانت هذه الدولة حليفا خفيا-جليا، كإيران/.. حتى جمهورية إيرلندا، بموجب عضويتها في «مجلس الأمن» هذا، قد تم أمرها من قبل بايدن /من قبيل “الموانة” بأصوله الإيرلندية/ لكي تلح على إيران الالتزام التام ببنود الاتفاق النووي بـ”التي هي أحسن، وإلا…/، كما جاء في مقال هيلي هابلن في موقع «الجريدة الإيرلندية» The Irish Journal، قبل سويعات – وخصوصا أن هذا الأمر جاء بعد تصريح بايدن بأنه “يأمل” في اعتماد الخطاب الدبلوماسي بعد تراجع عدد من الدول الأوروبية الحليفة عن “تانيب” إيران “تأنيبا رسميا”، بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، رغم مساعي المدير العام لما يُدعى بـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» IAEA، رفائيل ماريانو غروسي.. !!

    1. يقول آصال أبسال:

      /بقية الكلام/
      وقد جاءت هذه المساعي، وما قد ترتب عليها من مساع غير أوروبية أخرى، بعد أن صرَّحت إيران بأن الوقت المؤاتي لاجتماعها مع أمريكا برعاية أوروبية من أجل استنقاذ «اتفاقية نزع السلاح النووي» التي تم إبرامها عام 2015 – يعني، بالمختصر المفيد، اتفاقيات من هذا النوع لا تطبق بشكل مباشر وبالقوة إلا على دولة شرق-أوسطية، كمثل إيران تحت حكم ما أورثه نظام الخميني، لا تحت حكم نظام الشاه الذي هو من صناعة أمريكية بامتياز.. !!

    2. يقول آصال أبسال:

      /بقية الكلام/
      وقد جاءت هذه المساعي، وما قد ترتب عليها من مساع غير أوروبية أخرى، بعد أن صرَّحت إيران بأن الوقت المؤاتي لاجتماعها مع أمريكا برعاية أوروبية من أجل استنقاذ تبعات «اتفاقية نزع السلاح النووي» التي تم إبرامها عام 2015 – يعني، بالمختصر المفيد، اتفاقيات من هذا النوع لا تطبق بشكل مباشر وبالقوة إلا على دولة شرق-أوسطية، كمثل إيران تحت حكم ما أورثه نظام الخميني، لا تحت حكم نظام الشاه الذي هو من صناعة أمريكية بامتياز.. !!

    3. يقول آصال أبسال:

      ** بأن الوقت المؤاتي لاجتماعها مع أمريكا
      ** بأن الوقت المؤاتي لم يحن بعد لاجتماعها مع أمريكا
      /لم تظهر عبارة «لم يحن بعد» أثناء الإرسال/.. !!

  6. يقول المراقب الأول:

    مهما كانت تبعات الاتفاق النووي ، دول مثل إيران وتركيا وأمريكا ودول الغرب عموما كلها تلتقي في خندق العداء والكره للعرب وللمسلمين خاصة !!!!،،

  7. يقول S.S.Abdullah:

    زوايا مهمة ما ركّز عليها (صبحي حديدي) في مقاله تحت عنوان (بين نووي الشاه ويورانيوم الخميني: نظرة أمريكا الحولاء) كما أن زوايا أخرى مهمة، أوضحتها الأخبار في الرابط التالي عن أهمية المنافسة على مصادر الطاقة بين روسيا وأمريكا

    https://youtu.be/Iq4qm25udrg

    بالإضافة إلى ما ركّز عليه السوري/الروسي على فضائية RT في تعليقي تحت الرابط التالي

    https://www.alquds.co.uk/السلام-العثماني-وسلام-سايكس-بيكو/

    أنا أختلف، مع زاوية الرؤية لأن ورد التالي (أننا نعيش في عالم يقوم على أسس المنافسة والسعي إلى التفوق في كل المجالات، ويجب عدم حرمان أي دولة من المشاركة في نظام للمنافسة العادلة في العالم) تحت عنوان متناقض من وجهة نظري،

    («السلام العثماني» و«سلام سايكس بيكو» والوفاق المفقود في الشرق الأوسط) من المصري (إبراهيم نوار) في جريدة القدس العربي،

    بالنسبة لي بعد 1945، هناك ظهرت إشكالية (رفض) التعايش والتكامل بين عقلية اللا دولة، وبين عقلية الدولة، ومفهوم القانون واللغة والإقتصاد، زادت وقت وصول الثنائي (كيسنجر-نيكسون) لحين وصول الثنائي (فيصل-اليماني) وظهور مصطلح (البترودولار) كنظام اقتصادي جديد على أرض الواقع،

  8. يقول S.S.Abdullah:

    ولتوضيح ملامح مدى عمق تعاون والتنسيق في الكيان الصهيوني مع (المافيا الروسية) بعد تفكيك الإتحاد السوفيياتي عام 1991،

    وعن تاريخ النووي الإيراني، أبدع السوري/الروسي على فضائية RT

    https://youtu.be/pAbhkfGoJ14

    في تقديم وجهة النظر الروسية، بخصوص مفهوم تحوير لتسخير الطاقة في إنتاج منتجات اقتصادية في الهند أو إيران، من جهة،

    ولمعرفة ما هو الدور الأوربي والفرنسي بالتحديد، بخصوص المناجم (اليورانيوم) وإدارة الإنتاج فيها من جهة أخرى، منذ (ديغول) وحتى في زمن (إيمانويل ماكرون)، ولماذا؟!

    وكيف فهم الروس درس من الكيان الصهيوني،

    لتكوين نموذج نظام حكم الثنائي (بوتين-مدفيدف) بخصوص استغلال (المافيا الروسية) في السيطرة، لإدارة وحوكمة روسيا الجديدة، وبداية العمل على تسويقه، خارج روسيا، رغم أساسه الغش والخديعة والخبث، وهنا سبب المشاكل،

    كما بيّن ذلك الوزير، في حواره على برنامج شيء من الذاكرة.??
    ?????

إشترك في قائمتنا البريدية