تعد تكنولوجيات المعلومات والاتصال الحديثة مكسبا حقيقيا للأجيال المستقبلية وذلك باستغلالها الإيجابي في مجال الاقتصاد الرقمي الذي كانت له تأثيرات مباشرة من خلال تطوير بعض القطاعات الحيوية ولعل من أبرزها قطاع التعليم في الدول العربية. والرهان المستقبلي يبقى دائما متمثلا في تنمية وتطوير الموارد البشرية قصد التحكم الجيد في تلك التقنيات التكنولوجية للمعلومات والاتصال الحديثة حتى تواكب البنية التحتية للمدارس الرقمية وذلك وفقا لمعايير التعليم الإلكتروني والافتراضي العالمي عن بعد، بحيث قطعت في هذا المجال بعض الدول الخليجية أشواطا طويلة على درب الإصلاح والتطوير.
تطوير المنظومة التربوية
ولمجابهة الأزمات المتراكمة والمتواصلة منذ سنين طويلة اتجهت بعض الدول العربية وذلك بالتنسيق مع بعض المؤسسات الدولية على غرار صندوق النقد الدولي، نحو خصخصة أغلب المؤسسات التربوية واعتماد معيار التأهيل الشامل المواكب للتطورات التكنولوجية العالمية. إذ برزت في هذا الإطار سلسلة من الإغلاقات للمدارس الابتدائية الحكومية نظرا لنقص عدد التلاميذ أو توجه البعض الآخر نحو مواصلة الدراسة في القطاع الخاص نظرا لاستمرار الإضرابات العامة في بعض المؤسسات التربوية. فبالنتيجة كانت لتلك الأحداث الفوضوية في بعض تلك المؤسسات نتائج وخيمة على جميع الأصعدة منها مقاطعة الاختبارات أو رفض التدريس وصولا إلى تعطيل السنة الدراسية بأكملها وذلك من أجل الضغط على المؤسسات التعليمية الحكومية للاستجابة لمطالب المدرسين المتعاقدين قصد تسوية وضعيتهم وانتدابهم بصفة دائمة. أما أحدث تلك الاحتجاجات الاجتماعية وأكبرها فكانت في الأردن خلال الثلث الأول من سنة 2018 بحيث كانت واحدة من أسباب الإطاحة بحكومة هاني الملقي.
بالتالي كان لسوء تقدير تلك الأحداث المستقبلية والضعف في دراسة الأوضاع الاستشرافية لقطاع التعليم نتائج مأسوية على ظروف عيش المدرسين والأولياء والتلاميذ. ففي هذا الإطار سارعت بعض الحكومات العربية في البحث لإيجاد تسوية شاملة وكاملة لجل المدرسين المتعاقدين بصفة مؤقتة إما بتسوية وضعيتهم بانتدابهم بصفة دائمة أو عبر صرف مبالغ مالية تسمح لهم بإنجاز مشروع صغير مثل مدرسة رقمية أو بتوجيههم نحو التدريس في القطاع الخاص. أما أحدث هذه التطورات في قطاع التعليم تمثل في الأساس في خصخصة أغلب المؤسسات التربوية والانطلاق نحو الاندماج في المنظومة التعليمية الرقمية بحيث بدأت تبرز ظاهرة التعليم الإلكتروني عن بعد بصفة متصاعدة وواعدة. وشكلت هذه الإصلاحات الهيكلية في هذا القطاع منعرجا جديدا خاصة من جانب الإقبال المتواصل على المدارس الخاصة أو الإلكترونية عن بعد. كما ساهمت في تنمية الاقتصاد الرقمي وتطوير البنية التحتية لتكنولوجيات المعلومات مع المساهمة في سد الفجوة الرقمية بين تلك الدول العربية ذات الاقتصاد الصاعد أو السائرة في طريق النمو مع البلدان الصناعية المتقدمة.
التعليم الإلكتروني عن بعد
إن التطور الكبير على مستوى تكنولوجيات المعلومات والاتصال عن بعد سمح لقطاع التعليم بالانتقال من الجيل الأول والثاني من التعليم التقليدي إلى الجيل الثالث والرابع من التعليم الإلكتروني. إذ انتقلت أغلب المؤسسات التربوية خاصة في الدول المتقدمة كالاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأيضا بعض الدول الخليجية، من التعليم العام والخاص عبر الحضور الإجباري للتلاميذ والأساتذة إلى التعليم الافتراضي والرقمي عبر قاعات الفضاء الإلكتروني والتعليمي عن بعد. ففي هذا الإطار شهدت بعض المناهج التربوية تغييرا جذريا في هيكلتها عبر بروز العديد والعديد من المدارس والمعاهد وأيضا الجامعات الافتراضية والإلكترونية.
إن مستقبل التعليم في الدول العربية في السنوات المقبلة سيكون مندمجا تحت مظلة التعليم الإلكتروني عن بعد، بحيث سيسمح للتلاميذ باكتساب مهارات كبرى مع الانفتاح الأوسع على جميع المناهج التعليمية والثقافية العالمية. أما في المقابل فهذه التقنيات الحديثة ستساعد أغلب المدرسين في تحقيق دخل مادي شهري أكثر من السابق وستحقق لهم وظيفة قارة ودائمة تسمح لهم بالتأمين الشخصي الفردي وكذلك التدريس في أي دولة من دول العالم دون الحاجة للسفر.
عموما تعد ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصال الرقمي الحدث البارز على صعيد العولمة الرقمية بحيث ساهمت في خلق العديد من فرص الشغل في قطاع التعليم وبمواكبة المتغيرات والتطورات العالمية. إذ مع بروز وتنامي ظاهرة المدارس والمعاهد الرقمية والجامعات الخاصة أو الإلكترونية تلاشى عائق التشغيل وانخفضت احتجاجات المدرسين في قطاع التعليم العام المطالبة بالزيادة في الأجور أو تسوية الوضعية لتسمح لهم بالاندماج في القطاع الخاص أو في الفضاء الرقمي مع كسب رواتب مالية شهرية محترمة وقارة مدى الحياة.
إن الرهان على الاقتصاد الرقمي الذي يعتبر العمود الفقري للتنمية الاقتصادية مكسب هام يحقق مردودية عالية ونجاعة فاعلة ستنعكس إيجابيا على المدى البعيد لأغلب الاقتصاديات الوطنية العربية.