تبويم!

حجم الخط
33

طلبت مع أخ موظف في «دار الطليعة» في بيروت أن يرسل لي ـ إلى عنواني في باريس ـ بكتابين أدبيين بواسطة البريد، وهكذا كان، وحين وصلني الكتابان دهشت من ورقة ملصقة على المغلف وبحجمه فيها باللغة العربية والفرنسية اسم المرسل واسم والدته ووالده ومكان إقامته ورقم الهاتف، وهي تعهد منه بأن المغلف «لا يخالف محتواه الآداب العامة والقوانين المرعية الإجراء»، وتضيف الورقة على لسان المرسل «على كامل مسؤوليتي المدنية والجزائية تجاه القضاء اللبناني»، مع ملاحظة أن على موظف «ليبان بوست» التأكيد على صحة المعلومات الواردة أعلاه، وثمة شاهدان على ذلك الموظف (ح.م.ع.)، والثاني في «ليبان بوست» (هـ.ي) ولم أجد مبرراً لذكر اسميهما.
هذا مع طابع مالي والختم الرسمي للمركز البريدي!

الإساءة إلى سمعة لبنان؟

تصلني مغلفات تضم كتباً من أنحاء العالم كله، آخرها بالروسية من موسكو يضم كتاب الناقدة الكبيرة ناتاليا شويسكايا حول كتبي، ولكن لم يسبق لي أن شاهدت مغلفاً يحمل ورقة يعلن فيها المرسل من لبنان بأن المغلف لا يحمل «أية مواد مخدرة أو بضاعة ممنوعة أو أسلحة وذخائر أو متفجرات!!» هذه الورقة التصريح بدت لي آتية من «مسرح اللامعقول» إذ كيف يمكن إخفاء ذخائر ومتفجرات في مغلف يضم كتابين؟.. وبما أنها مكتوبة بالفرنسية والعربية فهي تسيء إلى سمعة لبنان كما لو أننا شعب يحترف إرسال المخدرات والمتفجرات حتى بالبريد. ولبنان هو البلد الوحيد الذي يحمل مغلفه البريدي تصريحاً كهذا ملصقاً عليه وبحجم المغلف نفسه!!
أتمنى على المسؤول الكبير في «الوزارة البريدية» الاطلاع على الأمر وإلغاء هذه الورقة المهينة للشعب اللبناني، التي تذهب إلى مختلف الأقطار الأخرى. وقد سألت الأخ في «دار الطليعة الذي بعث لي بالكتابين: لماذا لم تحمل الرسالة مفتوحة ليشاهد الموظف البريدي الكتابين حيث لا أسلحة ولا متفجرات (إلا إذا كانت الكتب تعتبر كذلك!) وقال إنه فعل، ولكن لا بد من (روتين) هذه الصيغة!
أتمنى إلغاء هذه (الورقة) المهينة للبنانيين كلهم!

تبويم فني حول «الأوسكار»

سرني كملايين العرب فوز الشاب «رامي مالك» المصري الأصل بجائزة «الأوسكار» لأفضل ممثل، وذكرني ذلك بالممثل عمر الشريف الذي لعله لم ينل تلك الجائزة لكنه نال جائزة الاعتراف به كممثل كبير قدير. ثم (قامت القيامة) على رأس الممثل رامي مالك لأنه قام بتمثيل دور شخصية «شاذة جنسياً» كما كتبت مثلاً على مواقع التواصل الاجتماعي الفنانة المصرية عبير الشرقاوي مضيفة: «رامي مالك عار عليك وعلى أهلك الصعايدة.. كسفتنا الله يكسفك».
ما الذي اقترفه رامي مالك الذي لقي في البداية مديحاً بالغاً لحصوله على الجائزة الفنية الرفيعة ثم لقي ذماً بالغاً؟
لقد قام بتمثيل دور شخصية المغني البريطاني الشهير فريدي ميركوري الذي كان مثلياً جنسياً!

الممثل لا يمثل حياته بل السيناريو الفني

دهشت حقاً من مطالبات بوضع رامي مالك على قائمة الاعتقال إذا جاء إلى مصر للتحقيق معه بتهمة ارتكاب الفاحشة، أي بأفعال (قوم لوط) التي هاجمها القرآن الكريم، كما ذكروا!!
رامي مالك ممثل سينمائي وليس داعية إلى الفحشاء، وقد يمثل غداً دور قسيس أو شيخ تقي، وذلك أيضاً لا يعني أنه كذلك.
وأعترف أنني أقوم بالتبويم على ذلك المنطق وأكاد لا أصدقه، لكني أطالعه في منابر صحافية محترمة ولو لم يشارك في الهجوم على مالك رامي الشيخ عبد الحكيم المنياوي (الأزهري) وسامح العطفي الذي وجد أن الممثل رامي مالك يروج للشذوذ الجنسي بتجسيد دور شخصية مثلية الجنس!
حسناً، لو افترضنا أن رامي مالك قام بتأدية دور ملك فاضل، هل سيركعون له احتراماً في مطار القاهرة إذا هبط من الطائرة؟

الخلط بين الأداء الفني والحقيقة

الممثل الناجح فنياً يتلبس شخصية الدور الذي يمثله دور أن (يكونه) أو (يصيره)، وهذه بدهياتٌ ما كنت سأكتبها لو لم أدهش حتى «التبويم» من الهجوم على رامي مالك كما لو كانت الشخصية التي يمثلها هي حقيقته، وبغض النظر عن موقفنا الشخصي من «المثليين» فالنظرة إلى رامي مالك يجب أن تتفرس في أدائه الفني قبل أي شيء آخر، وإذا افترضنا أن دور الشخص الذي يمثله كفنان هو دور مجرم فذلك لا يعني محاكمة رامي مالك بتهمة القتل!!.. وثمة مسافة بين شخصية الفنان الحقيقية والدور الذي يؤديه.

أدافع عن نفسي لا عن رامي وحده

«تبويمي» الذي تقدم هو أيضاً لسبب شخصي.. هو التأكيد على المسافة بين الحقيقة الفنية والذاتية. من طرفي (ارتكبت) الكثير من الجرائم حين قتلت العديد من أبطال قصصي، ودوري في قتلهم يشبه دور رامي في تمثيل «المثلي جنسياً».. أي أنني أقتل بعض أبطال قصصي، ولكن ذلك لا يعني محاكمتي بتهمة القتل أو القول إن سفاحة تختبئ داخلي!… وفي إحدى رواياتي نجد شخصية تدمن المخدرات، ولكن ذلك لا يعني أنني أروج للإدمان كما لا يعني أنني مدمنة. وفي إحدى رواياتي شخصية خائنة للوطن، وذلك أيضاً لا يعني الترويج للخيانة. ومن الضروري حقاً (والبدهي) الفصل بين الحقيقة الفنية والحقيقة اليومية الذاتية. وأكرر أن كل ما كتبته حتى هنا كنت أظنه من البدهيات حتى فوجئت حقاً بالهجوم على رامي مالك.
وتحية إلى الممثل القدير الذي فاز بأوسكار أفضل ممثل، رامي مالك، لا بجائزة أفضل «مثلي جنسياً»!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    المتعارف عليه بالسينما هو أن المجرم لابد وأن يقع بقبضة العدالة! فهل الشاذ جنسياً سيقع بقبضة العدالة والقيم؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سنتيك اليونان:

      الى السيد الكروي
      وهل المثلية جريمة

    2. يقول الكروي داود النرويج:

      نعم جريمة بحق الفطرة التي فطرنا الله عليها! تستحق العقوبة!! وهل عقوبة الله لقوم لوط تُنسى؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

    3. يقول إبراهيم الاردن:

      الشذوذ هو الاسم الصحيح للمثلية

  2. يقول عمرو-سلطنة عمان:

    تصلني دائما كتب من لبنان ان كان من خلال شرائي بعضها عبر الإنترنت أو إهداء من أصدقاء ولم أصادف مثل هذا الموقف
    وأتمنى ألا أشاهد تضييق على الحريات في لبنان ذلك البلد الصغير الذي يهب كل العالم العربي الأوكسجين ليتنفس الحرية من خلاله.
    قرأت الكثير من التعليقات وفكرة المؤامرة على العرب والإهانة تعقيبا على فوز رامي مالك لكن عتبي الأكبر على الإعلاميين والفنانيين لان المشاهد قد يخلط بين الشخصية والممثل لكن الفنان والاعلامي لديه القدرة على الفصل
    ودوره التوعية.

  3. يقول عمرو-سلطنة عمان:

    تصريحات عبير الشرقاوي قد تكون مفهومة من فنانة معتزلة ومحجبة على الرغم من ان والدها من أهم مخرجي المسرح في مصر جلال الشرقاوي مخرج ” مدرسة المشاغبين ”
    الغريب هو تصريح
    احدى الممثلات التي عرفت بالأدوار الجريئة وحتى ادوار بائعات الهوى وكأن ذات الأمر لا ينطبق عليها !
    والسينما المصرية منذ القدم تناولت المثلية
    اذكر منها دور يوسف شعبان في حمام الملاليطي وفي السنوات القليلة الماضية قدم خالد الصاوي دوري مثلي الجنس في فيلم عمارة يعقوبيان.
    شعوبنا بحاجة لتوعية أكبر في كافة المجالات
    في النهاية اتذكر شخصيتا فرح ونيشان في رواية ” بيروت ٧٥ ” وإشارة في “يا دمشق وداعا” للسحاق والإسم الذي يطلق على من تمارسه قديما لا يمكننا ان ننكر أن هذه الشخصيات موجودة في المجتمع.

  4. يقول صوت من مراكش:

    النجم في العرف العربي اما معبودا مبجلا سيدا على الطرب او الشاشة

    او ملعونا تتبعه اللعنات

    تحياتي

  5. يقول أفانين كبة - كندا:

    كل الأديان والمعتقدات والمجتمعات تنبذ الشذوذ الجنسي ولا تتقبله أو تقبل به ، لكنه واقع ومتواجد في كل مجتمعات العالم وأن لم يعلنوا عنه . ولقد أحتار الأطباء معهم و حاولوا علاجه من قبل عدة عقود بواسطة أعطاءهم هرمونات لمعادلة الخلل الموجود عندهم ، لكنها سببت لهم أعراض جانبية منها الكآبة وزيادة غير طبيعية في الوزن وغيرها من الأعراض . لذا تدريجيا بدأ المجتمع الغربي يتقبل وجودهم والتعايش معهم مازال انهم مسالمين ولا يؤذوا أحدا .

    أفانين كبة

  6. يقول سوري:

    سيدتي الكريمة وتاج رأسي ياست الشام
    الملصق على مغلف بريدي لبناني هو سمعة التصقت بلبنان للأسف بعد أن أشارت السبابة الدولية إلى حزب الله بأنه يتمول من المخدرات ويزرعها في البقاع.. والسؤال هل تقوم كولومبيا وأفغانستان باستخدام هكذا ملصق على سبيل المثال لا الحصر.. ومن أمر بذلك في الحكومة اللبنانية. اما مالك فله كل تقدير على انجازه حتى ولو كان مثليا

  7. يقول السيد الهبيان:

    مابدا لك صديقتى على الرسالة التى وصلتك من لبنان تم تطبيقه عندنا وزياة عليه اذا كانت المراسلة بها ارسال اموال يذكر الراسل صلته بالمرسل اليه وسبب ارسال المال اليه ولقد وصلتنى رسالتان من الاردن الاولى من الزميلة ثناء شعلان وثانية من “ليلى الاطرش وبها روايتين لها وصلت الاولى بغد اكثر من ثلاثة اشهر والثانية بعد اسبوع وبالتفكير فى هذا الامر بدالى ان رواية ثناء شعلان يحمل عنوانها كلمة فلسطين ووصلتنى بمظروف خاص بهيئة البريد دون اثر لمظروفنا الاصلى لقد ماتت الدعشة والغرابة فيا يطالعنا كل يوم من استحداث قرارات لم يكن لمثلها وجود من قبل تحياتى لك

  8. يقول المغربي-المغرب.:

    الإشكال ياسيدتي ليس في ميول فناني هذا الزمان. .فهذا موضوع يتعلق بمكوناتهم الغريزية والجسمانية. ..وهي من خصوصياتهم أن لم تكن قابلة للتصدير مثل مختلف الانحرافات الأخرى. ..ولكن الإشكال يتعلق أساسا بندرة مايمكن أن نسميه فنا بالمفهوم الفلسفي والأكاديمي. …؛ الغناء تحول إلى منظومة صراخ يستعمل فيه كلام في منزلة الشتم أو أسوء. ..وعرف ينسب تعسفا إلى الموسيقى…؛ وتمثيل انعدم في وجوه وحركات أصحابه. ..أي حس أو عمق تعبيري. .ولم يبقى غير اصباغ الماكياج لتحديد النموذج المطلوب عكسه أو تجسيده…؛ وبالتالي فقد أصبح الكثيرون ومنهم انا. ..يعيشون مغتربين عن الواقع الفني الحالي. ..بعقولنا التي لازالت تتفاعل مع محمد عبد الوهاب وأم كلثوم فيروز. ..وموسيقانا الشعبية. …وافلام ذهب مع الريح. ..وزوربا. …وأغاني كالاس وبافاروتي. …وشكرا للجميع.

  9. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للسيدة غادة وللجميع
    بريد البلد هو مراة للبلد في الخارج يعكس صورته وكذلك في الداخل يعني دقة العمل والامانة ففي بلد مثل المانيا فان البريد الالماني هو احد مميزات البلد الكثيرة ,اما ما يخص رامي مالك فان الامر كله نفاق اجتماعي ليس اكثر ولا اقل فاننا نريد ان نبدو كمجتمعات ذات اخلاق ليست موجودة في كل المجتمعات الاخرى فحتى ممثلونا يجب ان يكونوا كذلك ولكن الامر مضحك فان السينما المصرية والعربية لم تخلو يوما من وجود هذه الادوار ولكننا لم نسمع صوت ينتقد او يعارض

  10. يقول سلام عادل(المانيا):

    ولماذا لا تكون الاية الكريمة( إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ) هي التي تفسر ما حدث لقوم لوط

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية