تنفس الأمريكيون الصعداء مع نهاية يوم الإثنين 14 كانون الأول/ديسمبر 2020 وذلك عندما أقرت كل الولايات (ولاية ولاية) عبر المجمع الانتخابي صحة الانتخابات معلنة فوز جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس بأصوات المجمع الانتخابي.
لقد حقق بايدن 306 من أصوات المجمع الانتخابي، بينما المطلوب للفوز 270 صوتا، وقد حقق ترامب 232 من أصوات المجمع الانتخابي. أما على مستوى التصويت الشعبي فقد حقق بايدن/كاميلا 81 مليون صوت مقابل 74 مليون صوت للرئيس ترامب/ ونائبه بينس.
وقد كان آخر ما سعى إليه ترامب على مسرح محاولته تغيير نتيجة الانتخابات هي الدعوة أمام المحكمة الدستورية التي أقامتها ولاية تكساس ومعها 18 مدعيا عاما من عشرين ولاية إضافة لتوقيع 126 عضو مجلس نواب جمهوري (تقريبا نصف عدد الجمهوريين في مجلس النواب). جوهر الدعوة أن ولاية تكساس والمدعين العامين في الولايات العشرين والنواب وجدوا ما لا يطمئن في الانتخابات التي وقعت في الولايات: ميتشيغان ووسكاونسن وبنسلفانيا وجورجيا، وقد طالبوا مجتمعين من المحكمة الدستورية العليا بضرورة التدخل.
لكن المحكمة الدستورية حسمت الأمر بقوة في يوم11/12/2020 وذلك لغياب أية شواهد وإثباتات. إذ أكدت أنه لا يجوز لولاية قامت بانتخاباتها ضمن قوانينها الانتخابية المعلنة والمقرة من الولاية بكل ممثليها ونوابها وأجهزتها المنتخبة، أن تقرر لولاية أخرى قوانينها الانتخابية التي يقررها مجلس الولاية وحكومتها. فقانون الانتخاب حق للولاية، ومكان مراكز الاقتراع، وكيفية التعامل مع البريد وغيره حق للولايات كل على حدة. إن مبدأ تدخل ولاية ونواب ومدعين عامين بانتخابات فاز فيها المنافس في ولاية أخرى يناقض الدستور الأمريكي.
إن رد المحكمة الدستورية يوم الجمعة 11 كانون الأول/ديسمبر توج 54 قضية رفعت أمام محاكم الولايات المتحدة، وانتهت كل تلك القضايا بالفشل الكامل لعدم توفر الاثباتات والبراهين على وجود تزوير. وقد قامت عدة ولايات بإعادة فرز الأصوات مرة واثنين وثلاثة.
ورغم إعلان المدعي العام الأمريكي بيل بار بأنه لم ير أي تزوير في هذه الانتخابات، إلا أن الضغط عليه لإعلان موقف مختلف دفعه في النهاية للاستقالة يوم الاثنين 11 كانون الأول/ ديسمبر. لقد أصبح البيت الأبيض في موقف صعب، فهو من جهة يسعى لقلب نتيجة الانتخابات كما يفعل أي نظام لا يؤمن بالتداول السلمي على السلطة، لكن من جهة أخرى يؤدي تماسك المؤسسات الأمريكية مثل المحكمة الدستورية ووسائل الإعلام في ظل حياد تام للجيش لعدم السماح بالالتفاف على حقوق الناخبين.
نشر ترامب اعلانات تدعو للتبرع لحملة الانتخابات الرئاسية 2024، وهذا يعني أن ترامب يسعي للبدء بحملة تحريضية لن تتوقف منذ لحظة خروجه من البيت الأبيض
هناك خوف واضح في صفوف الجمهوريين في مجلس النواب والشيوخ. فقد سيطر ترامب على الحزب، وقواعده الانتخابية، ولهذا أصبح كل عضو في مجلس النواب والشيوخ مضطرا لمسايرة ترامب إن لم يكن ينوي الدخول بمعركة قد تنهي مستقبله السياسي. لكن السبب الثاني أن ترامب لا يتحمل الاختلاف (كأي ديكتاتور يحمل الكثير من صفات النرجسية) فترامب سريع التخلي عن أقرب حلفائه، وسريع في إبراز وجوه جديدة تتميز بقبولها بما يملى إليها. لقد ملأ ترامب إدارته بشخصيات مطيعة. لكن هذا أحد أهم أسباب خسارته الانتخابات، فقد خلق إدارات تتميز بعدم القدرة على مواجهة التحديات.
إن نية ترامب خلق إشكالات في ظل الانتخابات الأمريكية كان هدفا معلنا منذ عدة شهور. إذ أعلن الرئيس أنه فائز لا محالة، فكل الناس معه، لكن إن لم يفز فهناك حتما تزوير في الانتخابات. هذه تصريحات ذكرها ترامب قبل الانتخابات بأسابيع، خاصة أن نسبة أكبر من الأمريكيين ستصوت عبر البريد خوفا من انتشار وباء كورونا. لقد تمت الانتخابات الأمريكية تحت ذات القوانين التي فاز بها الرئيس ترامب في 2016.
أما الانتخابات باستخدام البريد فهو أسلوب متبع في الانتخابات الأمريكية، بل بسبب كورونا من الطبيعي التوسع بهذا الأسلوب، بل كان من الطبيعي أن يقرر مزيد من الديمقراطيين ممن كانوا مقتنعين بخطر الفيروس باستخدام البريد نسبة للجمهوريين الذين قرروا أن يذهبوا لصناديق الاقتراع بصورة أكبر وذلك لإثبات أن الفيروس أكذوبة. كان هذا تكتيك ترامب منذ البداية لاعادة الفوز. لهذا تبين انه تقدم في ولايات ثم عاد وخسر. هذا ليس جديدا في عالم الانتخابات، فالنتيجة غير رسمية الا بعد ان يحسب الصوت الآخير وفق القوانين.
لقد بدأت تتغير مواقف الحزب الجمهوري. على سبيل المثال السيناتور لامار ألكساندر من تينيسي أعلن في موقف شجاع قبل مدة أن هجوم ترامب على الديمقراطية يجب التصدي له. لكن رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مككونول إعترف بعد تصويت المجمع الانتخابي بنتيجة الانتخابات وهنأ الرئيس بايدن على فوزه. هذا سيسهل عملية انتقال السلطة السلمي خاصة عندما ينظر الكونغرس بشكل بروتوكولي في تثبيت نتيجة تصويت المجمع الانتخاب.
لقد تضاءلت فرص ترامب بصورة كبيرة، والبيت الأبيض يخسر كل يوم أعضاء جدد، قد يبقى الرئيس وأبناؤه وابنته وزوج ابنته في سفينة غارقة. لكن الذي يقال عن البيت الأبيض أن ترامب مازال يخوض معركته وهو الآن غارق في جمع التبرعات للقضايا التي يرفعها، وقد جمع للآن مائتي مليون دولار، ستستخدم في تقوية نفوذه على الحزب الجمهوري. وفي يوم الثلاثاء 15كانون الأول/ ديسمبر 2020 نشر ترامب اعلانات تدعو للتبرع لحملة الانتخابات الرئاسية 2024، وهذا يعني أن ترامب يسعي للبدء بحملة تحريضية لن تتوقف منذ لحظة خروجه من البيت الأبيض. سيخلق هذا الأسلوب ان حقق تقدما المزيد من الإنقسام والراديكالية في الولايات المتحدة، لكنه سيعمق بنفس الوقت من زخم الجبهة المؤيدة للديمقراطية والمضادة للعنصرية والديكتاتورية.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت