رداً على مقال السيدة إحسان الفقيه والذي نشر على صحيفة “القدس العربي” في موضوع تجديد الخطاب الديني الإسلامي أقول :
يعز علي أن أكتب في موضوع لا يتعلق بحربنا في فلسطين ضد أعتى مجرمي الحرب في هذا القرن، وأن أكتب في موضوع آخر لا يدفعني للكتابة فيه سوى خطورته، وما قد لاقى إعجابا من بعض شرائح المجتمع الإسلامي.
نشرت صحيفتكم مقالا للكاتبة إحسان الفقيه في موضوع تجديد الخطاب الإسلامي والذي جعلته الكاتبة أغنية بعض (السفلاء) والجمع الصحيح السفلة، ولا وجود لهذه الصيغة في المعاجم العربية، والذي اعتبرته الكاتبة ردة مبطنة تساوي إلى حد بعيد أن يمزق المسلم قرآنه أو أن يحاكم الصحابة، فالإسلام عندها ليس بحاجة إلى تجديد لأنه ليس علبة كولا تحتاج إلى إعادة تسويق بطريقة مبتكرة.
أبحاث وسجالات
اعترفت الكاتبة أنها ليست من العلماء أو الفقهاء وكان عليها فيما أرى أن تعترف أنها لم تفهم ولم تطلع على ما كتب في موضوع تجديد الخطاب الديني من كتب ومقالات وأبحاث وسجالات، فكانت تتكلم في موضوع ليست لها به صلة، وعلى ذلك فهي ابتداء غير مؤهلة لمعالجة هذا الموضوع الخطير، والذي كان من أهم اهتمامات الكتاب الإسلاميين وأساتذة الفلسفة والباحثين والصحافيين في الشرق والمغرب العربيين.
لم نتطلع في مقالة السيدة إحسان على ما يدعيه (السفلاء) ولا على ردودها عليهم بل اكتفت أن تتحداهم إن كانوا على جرأة في انتقاد الحاخامات وغيرهم ولو بكلمة، وكأنها تقول إن هؤلاء السفلاء تجرأوا على الإسلام وجبنوا على انتقاد أعدائه فيما جاؤوا به من خرافات وأباطيل وجرائم ذكرتها بإسهاب فهي بذلك تقول للسفلاء إن كنتم تعتقدون أن للإسلام وتاريخه عورات وفضائح فإن للآخرين عوراتهم وفضائحهم التي هي أشنع وأخطر فهي بذلك لا تبرئ الإسلام بل تثبت صحة ما يدعيه السفلاء .
القرن الماضي
إن هذا التحدي مردود ولا قيمة له بالمطلق فإن من تجرأ على نقد وتسخيف أفكار الحاخامات وتوراتهم وتخريفاتهم وحقدهم غير المحدود وكذلك ما ارتكبه الأوروبيون وباباواتهم من جرائم باسم الرب، كثير جداً على طول القرن الماضي وإلى يوم الناس هذا .
ابتداء يجب أن نعلم أن تجديد الخطاب الإسلامي سنة من سنن الله وإرادة من إرادته فقد روى أبو داوود عن رسول الله قوله: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها) . المقاصد الحسنة للسخاوي رقم 149 وقد وثقه علماء الحديث الذين قالوا بأنه ليس فيه تخصيص أنهم الفقهاء أو العلماء فقط، فانتفاع الناس بأولي الأمر والحكام الصالحين أمر واضح أيضا، وإن في الحديث بيانا لحفظ الله سبحانه وتعالى لدينه.
إن إرادة الله كما هو منطوق الحديث تنص على أن حاجة الأمة إلى التجديد ضرورة تفرضها حكمة الله وحركة الزمن التي تحمل دائما الجديد الناتج عن تطور الحياة .
الإمام محمد عبده
من ذلك أن بعث الله في نهاية القرن ما قبل الماضي الأستاذ الإمام محمد عبده الذي يعتبره أكثر من كتب عنه أنه مجدد الفقه الإسلامي، حيث بدأ اجتهاده بطرح السؤال المفصلي عن: من له الحق في إغلاق باب الاجتهاد وكيف أصّل من أغلق هذا الباب ادعاءه. وكذلك فقد كان محمد عبده مجددا في تفسير القرآن، فكان له منهج خاص به يختلف عما كان لكتب التفسير التقليدية .
فقد حكّم عقله في كثير من تفسير الآيات بعيداً عمّا ورد فيها من مأثور منتصرا لما رآه مقاصد في الشريعة ثم قصد إلى الابتعاد عن فنون اللغة كالنحو والصرف والمعاني وغيرها مما اعتبره مبعدا عن مراد الله .
ثم كان مجددا في الحديث فرفض بعض متون الحديث وحتى تلك التي وردت في البخاري ومسلم أمثال حديث لبيد ابن الأعصم في سحر رسول الله. ثم جاء بعده مئات الكتاب الذين عالجوا موضوع التجديد من أمثال الدكتور محمد عمارة فقد وجد الدكتور عمارة (العودة إلى التراث العربي الإسلامي فيها ما يصلح قيودا على تقدمنا … وإن في آثار هذا التراث الكثير من النصوص الضارة والمعوقة والتي لا ضرورة لإحيائها وبل الجهد والمال والوقت في تقديمها للناس … وأنه لا ينبغي أن تتحول عملية الإحياء إلى إغراق عقل الأمة وفكرها في أشد صفحات التراث تخلفا وظلاما) نظرات جديدة إلى التراث.
وكذلك وجد الدكتور حسن حنفي أن ما يهمنا من التراث هو (تطويره عن طريق تنقيته من شوائبه وتطهيره من أدرانه) ووجدها الدكتور حنفي (معوقات لتقدمه وعقبة في سبيل ارتقائه) دراسات إسلامية.
هذه الدعوة إلى التجديد وكثير جدا من أمثالها تجعلنا ندرك أن ما وصلنا من عصر تدوين العلوم الإسلامية في نهايات القرن الثاني، وكذلك القرن الثالث الهجري تراث ضخم فيه الخير الكثير، وفيه ما يجب إعادة النظر فيه، الأمر الذي هو موضوع تجديد الخطاب الإسلامي .
كاتب سوري