تجربة شعرية استثنائية

حجم الخط
0

أمجد ناصر تجربة شعرية استثنائية، بما أنجزه من تحولات في جوهر الكتابة، كتابته هو على نحو خاص، بدءاً من وعيه الجمالي الأول في ديوان «مديح لمقهى آخر» وليس انتهاءً بوعيه التجريبي الممتد في ديوان «حياة كسردٍ متقطع» وما بينهما من تحولات وتمثلات ظل يشتغل عليها بتؤدة إبداعية، تستوقف قارئ التجربة الشعرية العربية الحداثية في شرفة قصيدة النثر، التي وعاها بشكل مختلف ومُغاير، وكتبها خارج النسقية العربية المهيمنة.
نصوص أمجد ناصر عصية على التنميط، فهي خارجة على رتابة التفعيلة التي كان الهجس بها، ذات تجديدٍ، ثورة الشاعر العربي على تراكمية عروضية مزمنة أصابت الشعرية العربية ببرودة إيقاعية ورؤيوية. ولعل قراء أمجد الناصر، ولاسيما منهم النقاد والشعراء يقفون على علامات التحول الأساسية، لكن متن الشاعر رغم تميزه وفرادته لم يحظ حتى اللحظة بما هو جدير به، من حفرٍ في الأعماق، خاصة في تجربته الخاصة في كتابة قصيدة النثر العربية. فممّا يُلحظ في هذه التجربة أن هناك اتساقاً ذا تجليات افتراقية بين مساريْ النص والناص، فالحياة والإبداع كلاهما يفجران في نص أمجد ناصر وسيرته في بعدَيْها الإنساني والثقافي، علامات دالة لعل قارئاً سيميائياً منتظراً يقاربها في حقولها الرمزية والدلالية، وعندئذٍ ستبدو نصوص أمجد ناصر عبر تحولاتها الواسعة حفيةً بمعجم شعري، نحت الشاعر مفرداته بإزميل يشاركه ذاكرةً شعرية أشبه بالكون المترامي الدلالات، لكن الذي يتماهى فيه الأقصى بالأدنى، مهما تختلف الثيمات التي يشتغل عليها الشاعر من تجربة إلى أخرى في دواوينه، ولاسيما في تجريبيته الشعرية.
ثمة تساؤلات نقدية يثيرها نص أمجد ناصر، لعل من أبرزها كيف يتشكل الشعري والإنساني في لحظة واحدة من دون أن يكون النص سيرة ذاتية، ولا تكون السيرة الذاتية مجردةً نصاً شعرياً يُحيل على كاتبه؟ فتجربة الخروج من الاسم لم تمنح الشاعر خروجاً من الجسد، لكنها منحته منظوراً جمالياً يتقرّى به صوى في مساره المؤرق، من بدايات الاسم واغترابه في المكان توقاً إلى مكان يلاشيها، إلى نهايات الجسد المرهَق وهو يواجه لحظة قاسية لا تتسع لأحلام مزيدة، أو في الحد الأدنى أضغاثاً مشروعة.
إن فضاء الطير ـ العصفور، على سبيل المثال، يوازي – لكن ليس على نسق رومانسي – فضاء الشاعر من قصيدة «الفتى» في «مديح لمقهى آخر» إلى آخر نصوص الشاعر وهو يرثي نفسه، فكأنما هناك لغة خاصة بين الشاعر والعصفور، إذ يرسل الأول مناجاته، على خلفية ما بينهما من تاريخ يستغرق فيه الشاعر، وإن نسيَ اسم العصفور الذي لا يعرف اسم الشاعر، لكن العلاقة بينهما هي علاقة وجود، فكل منهما يعرف جسد الآخر ومن يكون «أنا أؤكدك وأنت تؤكدني – هذه علامة حياة لكلينا». لكن جسد الشاعر يخذله الآن، فيرتد من فضاء العصفور إلى أعماق الذات، حيث يتداعى جسده كمركب للاجئين في بحر هائج. الألواح تسقط.. المياه تصعد إلى السطح – المحرك يتلقى ضربة من قرش أو حوت – الحصار محكم – وأنا لا أستطيع الفرار – ليتني أستطيع أن أترك جسدي هنا- وأنجو ببضع حبات جوز وضعتها في آخر لحظة في جيبي.
– شاعر وأكاديمي يمني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية